حُصرت المرأة السورية، ويصح القول العربية، في معظم الأحيان بدور كلاسيكي وحيد مرتكز على دورها البيولوجي الفطري، وهو الأمومة ورعاية الأطفال. ورغم التغيرات التي طرأت تدريجيًا على حياة المرأة السورية من حيث المستويات التعليمية والثقافية، بقيت غالبًا تحت سلطة الرجل الذي يستمد شرعية هذه السيطرة من الدين والعرف الاجتماعي. وعندما انطلقت الثورة السورية واجتاحت الحرب المجتمع السوري، ولا سيما في الجانب الريفي منه، انهارت التركيبة التقليدية للأسرة نتيجة اختلال عدد الذكور بالنسبة لأعداد الإناث، خاصة في المناطق الساخنة حربيًا، وذلك إما بسبب القتل أو الاعتقال أو الفرار إلى الخارج هربا من الملاحقة من قبل النظام، أو رغبة ببدء حياة جديدة في مجتمع آخر. هذا الاختلال جعل المرأة في مواجهة أدوار جديدة لم تلعبها سابقًا، وتحولت من شخص يعيش تحت عباءة الرجل السلطوية إلى راعية ومسؤولة عن أسرتها، وأصبحت المحرك الأساسي لعجلة الإنتاج الاقتصادي الضامن لبقاء الأسرة واستمراريتها. هكذا، وجدت المرأة السورية نفسها في الواجهة: واجهة الأزمة، وضدّ الموروث المجتمعي.
يقع على كاهل المرأة السورية في تركيا إعالة ثلث الأسر اللاجئة
في تركيا التي تبلغ فيها نسبة النساء السوريات اللاجئات 68% من المجموع الكلي للاجئين، تعتبر المرأة مسؤولة عن إعالة ثلث الأسر الموجودة هناك. ولابد من معرفة أن نسبة كبيرة من النساء اللاجئات أتين من مجتمعات ريفية وعشائرية منسية لم تعبرها عجلة التحولات التي شهدتها المرأة في المجتمع المديني، وتتسم بضآلة حرية المرأة على حساب ارتفاع سلطة الرجل داخل البيت وخارجه. كما أن سلطة الرجل جعلت المرأة تعيش حالة من الاتكالية عليه في كل شؤون حياتها، لدرجة أن فكرة الانسلاخ عنه كانت بالنسبة لها أكثر قسوة مما قد تواجهه من تعنيف جسدي أو نفسي منه. كانت الحرب بمثابة اختبار للمرأة في مدى قدرتها على العيش باستقلالية، سواء كانت مرغمة على ممارسة هذا الدور الجديد أو برغبة منها، ففي تركيا ليست الأرامل فقط هنّ من خضعن لهذا الاختبار نتيجة فقدان الزوج، بل حتى اللواتي مازال أزواجهن على قيد الحياة، فقد انتقلت لهن عدوى الاعتماد على الذات والاستقلالية، ليس لأسباب مادية فقط، بل لكي يبرهن لأنفسهن في المقام الأول على أنهن لسن أقل كفاءة وقدرة من الرجل على الانخراط في الحياة المهنية، وبأنها تستطيع أن تتكيف مع كل الظروف الجديدة بوجود الرجل أو بمعزل عنه، وفي ظل وجود أطفال.
إقرأ/ي أيضًا: أطفال سوريا الذين خرجوا من أعمارهم
هكذا، كان أساس هذه النقلة النوعية في الأدوار الجديدة للمرأة يتمثل في أن الحرب قدمت لها فرصة لأن تخوض تجربة العيش بمفردها من دون رقابة من مجتمعها الذكوري. ولكن هل سيكون خروج المرأة من عباءة السلطة الذكورية مرهون بحالة الحرب والظروف الاقتصادية السيئة الناتجة عنها؟ وهل ستتوافر الحاضنة الاجتماعية والقانونية التي تكفل لها الاستمرار في ممارسة هذا الدور القيادي التي اعتادته في بلاد اللجوء بعد انتهاء الحرب أم أنها ستدخل في صراع جديد مع الرجل الذي بات مهددا بفقدان مكانته كصانع قرار؟ استمرارية المرأة في ممارسة دورها القيادي الجديد، وتطوره لبلوغ المساواة الطبيعية لا الظرفية، إلى جانب الرجل مرهون بتوافر حالة من الوعي بين الطرفين بضرورة المشاركة معا في إدارة شؤون الأسرة والمجتمع دون تهميش أحد الطرفين للآخر. فلنأمل أن يكون هذا صحيحاً، المرأة السورية التي استطاعت من قلب المعركة وتحت سقف خيمة لجوء أن تقول كلمتها وتمسح عن نفسها غبار التهميش والتبعية سيكون من الصعب على أحد أن ينتزع منها الأدوار التي اكتسبتها وسيدرك المجتمع مستقبلا أهمية عدم تعطيل نصفه.