عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الثلاثاء 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ندوةً بعنوان "الحرب على غزة: الصمود والمقاومة ومخطط الإبادة والتهجير"، جاءت في جلستين بمشاركة تامر قرموط وغسان الكحلوت وآيات حمدان وأحمد قاسم حسين وطارق دعنا وخليل جهشان. قدّم المشاركون فيها قراءات في أسباب الحرب الجارية على غزة وتوقيتها وتداعياتها السياسية والإنسانية والاقتصادية من جهة، ورصد تطوّر إمكانات المقاومة الفلسطينية وقدراتها العسكرية ومدى تغييرها لقواعد الاشتباك وأزمة العقيدة العسكرية الإسرائيلية، من جهةٍ أخرى، فضلًا عن تناول الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، والمخططات الإسرائيلية للتطهير العرقي والتهجير في قطاع غزة، وموقف الولايات المتحدة الأميركية من الحرب ومستوى انخراطها فيها.
العدوان الإسرائيلي على غزة: الإبادة والتهجير وانتهاكات حقوق الإنسان
ترأّس الجلسة الأولى من الندوة، إبراهيم فريحات، أستاذ حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وشارك فيها ثلاثة باحثين. قدّم تامر قرموط، أستاذ السياسات العامة في معهد الدوحة، مداخلة بعنوان "الحرب على غزة: الأسباب والتوقيت والتداعيات السياسية والإنسانية والاقتصادية". حاول فيها تحليل أسباب اندلاع الحرب في هذا التوقيت، بما في ذلك انسداد الآفاق السياسية لعملية السلام نتيجة للسياسات المتعاقبة للحكومات الإسرائيلية وضعف المجتمع الدولي وانشغاله بأزمات أخرى. كما ناقش تأثير موجات التطبيع الإقليمي المتلاحقة والتحديات التي تواجه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بوصفها حكومة وقوة مقاومة في القطاع. وتطرّقت المداخلة إلى قضية النزوح إلى خارج القطاع وإمكانية تحقيقها، بما في ذلك فكرة الوطن البديل أو دمج الفلسطينيين في دول أخرى وتقديم تصورات لمستقبل حكم حماس بعد الحرب والجهات المسؤولة عن إعادة تعمير القطاع وإدارته بناءً على نتائج الحرب، وذلك في إطار صفقة سياسية كبرى قد تكون مرتبطة بتوجهات التطبيع.
رصدت ندوة المركز العربي تطوّر إمكانات المقاومة الفلسطينية وقدراتها العسكرية ومدى تغييرها لقواعد الاشتباك وأزمة العقيدة العسكرية الإسرائيلية، من جهةٍ أخرى، فضلًا عن تناول الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان،
ورصدَ غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، في مداخلته "عدوان إسرائيل على غزة والانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان"، الانتهاكات التي قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتأثيرها في المدنيين والمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، والتي تشمل استهداف المدنيين على نحو متكرر، وقصف المنازل والبنية التحتية المدنية، واستخدام الذخائر غير المشروعة في مناطق سكنية مكتظة بالسكان، مؤكدًا أنّ هذه الأعمال تتنافى مع مبادئ القانون الإنساني الدولي وتعرّض المدنيين لمخاطر كبيرة، والحاجة الملحّة لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات والالتزام بالقوانين الدولية، حيث إن احترام الحقوق الإنسانية والالتزام بقوانين النزاعات المسلحة ضروريان لضمان السلام والاستقرار في المنطقة ولتحقيق العدالة.
أمّا آيات حمدان، الباحثة في المركز العربي، فانتقلت في ورقتها "’غزة حفرة من الجحيم‘: التطهير العرقي والتهجير في قطاع غزة" إلى رصد الوضع الإنساني وإمكانيات التدخل، نتيجة للاعتداء على القطاع وتسليط الضوء على محاولات التهجير الجارية ومخططات نزوح الفلسطينيين داخل قطاع غزة وخارجه في اتجاه مصر، والتي أصبحت تُطرح بجدية وتلقى تفاعلًا متزايدًا، وردود الفعل عليها عربيًا ودوليًا؛ إذ طلبت إسرائيل من الأمم المتحدة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نقل ما يقرب من 1.1 مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى الجنوب خلال 24 ساعة. وفي الوقت نفسه، ألقى الطيران الإسرائيلي منشوراتٍ على شمال القطاع تدعو الفلسطينيين للرحيل، وأطلق تهديدات بالقتل في حال بقائهم، الطلب الذي جاء مصحوبًا بقصف متواصل استمر أكثر من أسبوع في قطاع غزة. واستخدمت إسرائيل خلال هذه الحرب كميات هائلة من الأسلحة، بما في ذلك أسلحة محرّمة دوليًا، مثل الفسفور الأبيض، ضد المدنيين في غزة، مما يمكن أن يصنَّف جريمة حرب.
عملية "طوفان الأقصى": سقوط الجدار الأمني الإسرائيلي وتغيّر قواعد الاشتباك
ترأّست عائشة البصري، الباحثة في المركز العربي، الجلسة الثانية من الندوة، التي تضمنت ثلاث مداخلات، افتتحها أحمد قاسم حسين، الباحث في المركز العربي، بمداخلة عنوانها "الحرب اللامتناظرة: الأداء العسكري للمقاومة في عملية ’طوفان الأقصى‘"، ناقش خلالها العوامل التي ساهمت في نجاح المقاومة في تحقيق الاختراق الأمني والعسكري في منطقة غلاف غزة، والمآلات العسكرية لعملية طوفان الأقصى وانعكاساتها على المقاومة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن المواجهات العسكرية بين قوى المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي (2008/ 2009، 2012، 2014، 2021)، التي كانت ساحتها الأساسية قطاع غزة المحاصر منذ خمسة عشر عامًا، اتسمت بأنها حروب غير متناظرة Asymmetrical Warfare، نظرًا إلى التفاوت في القوة العسكرية بين الطرفين من ناحية، وبسبب التكتيكات والاستراتيجيات التي تتبعها قوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة القوة الهائلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، من ناحية أخرى. وأكّد أن إسرائيل ذات التفوق العسكري لم تستطع رغم ذلك تحقيق نصر أو حسم المواجهات لصالحها في هذه الحروب غير المتكافئة، وفشلت في تحقيق الأهداف التي تضعها عند كل مواجهة، مثل ضرب البنية التحتية للمقاومة، وإضعاف قدراتها، وردعها عن إطلاق الصواريخ تجاه العمق الإسرائيلي، بل على العكس، ازدادت قوة المقاومة الفلسطينية نسبيًا في قطاع غزة على مستوى الكفاءة القتالية (التدريب، والتعليم، والتطوير)، والكفاءة الفنية (التحضير، والتجهيز، وإدارة المعركة)، وهو ما ظهر في هجومها المفاجئ على منطقة غلاف غزة؛ ما يجعل هذه المواجهة مختلفة عن سابقاتها بسبب حجم خسائر إسرائيل البشرية من ناحية، وحجم التحضيرات العسكرية الإسرائيلية التي وضعت القضاء على المقاومة في غزة، والاجتياح البري هدفًا رئيسًا لعمليتها العسكرية.
وقدّمَ طارق دعنا، أستاذ إدارة النزاع والعمل الإنساني، ورقة عنوانها "سقوط الجدار الحديدي: أزمة العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد عملية ’طوفان الأقصى‘"، أشار فيها إلى أن مفهوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية ليس مجرد إطار عمل يحدد استراتيجيات الحرب وتكتيكاتها، بل هو جزء أساسي من بنيان الدولة والمجتمع الإسرائيلي. فمنذ زرع دولة إسرائيل عام 1948، شكّلت العقيدة العسكرية عقدًا اجتماعيًا بين دولة الاستعمار والمستوطنين، حيث اعتمد كل منهما على الآخر لتحقيق البقاء والاستمرارية. وقد أدت هذه الديناميكية إلى إعطاء دور محوري ومركزي للمؤسسة العسكرية في المجتمع الإسرائيلي، بحيث مارست تأثيرات واسعة في مختلف جوانب الحياة، من اقتصاد وثقافة وتعليم، وتشكيل الشخصية والنفسية الإسرائيليتين. مع ذلك، رأى دعنا أنّ عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة زلزلت أحد أهم أركان بنيان الدولة والمجتمع الإسرائيلي، وهو العقيدة العسكرية الإسرائيلية. حيث أسقطت إنجازات العملية العسكرية الفلسطينية مفاهيم الردع العسكري والتفوق التكنولوجي والقدرات الاستخباراتية الإسرائيلية، وستكون لها آثارٌ واسعة وعميقة غير مسبوقة، وستتضح معالمها على نحو جليّ بعد انتهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد سكان غزة، الأمر الذي سيفتح باب أزمة مجتمعية وسياسية عميقة قد تهدد استقرار النظام السياسي الإسرائيلي.
وخُتمت الجلسة بمداخلة قدّمها خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي - فرع واشنطن، عنوانها "الحرب على غزة: الردع أو التدرج نحو تدخل الولايات المتحدة الأميركية"، رصد فيها المراحل الثلاث التي مر بها رد الفعل الأميركي والغربي على أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر في أقل من أسبوع واحد، مشيرًا، أولاً، إلى أن واشنطن، مثل إسرائيل نفسها، عانت وحلفاؤها الغربيون صدمة عميقة وارتباكًا ناجمًا عن فشلهم الاستخباري الكبير في اكتشاف عملية حماس غير المسبوقة ضد إسرائيل وإمكانية منعها. وثانيًا، تحول رد فعل الإدارة الأميركية بسرعة إلى رد فعل غير محسوب يركز بالكامل على دعم حليفتها المهتزة في إسرائيل من دون أي اعتبار جدي لشبكة مصالحها المعقدة في المنطقة. وفي مرحلتها الثالثة والحالية، تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى منع توسع الصراع إلى ما هو أبعد من قطاع غزة، وخاصةً على الجبهة الشمالية، مع إصرارها على إطلاق يد إسرائيل في تنفيذ "حربها الانتقامية" ضد الشعب الفلسطيني.