أطلق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مساء أمس الإثنين 6 أيار/مايو الجاري في مقره بالدوحة، منصة "الذاكرة السورية" التي توثق وتؤرشف أحداث الثورة السورية منذ انطلاقها في آذار/مارس 2011 وحتى الآن، وتوفر مصادر مرجعية وموثوقة متعلقة بالأحداث المفصلية في تاريخ سوريا الراهن للمعنيين من الباحثين والأكاديميين المتخصصين والمهتمين بهذا الشأن.
ويأتي إطلاق المنصة في سياق اهتمام المركز العربي بالثورات العربية وقضايا الانتقال الديمقراطي انطلاقًا من واجبه كمركز للبحث والإنتاج المعرفي العربي في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، والتزامه بمعالجة ما تواجهه المجتمعات العربية، كما أوضح الباحث في المركز أحمد قاسم حسين.
وقال حسين إن المنصة توثيق الأحداث التي مرت على سوريا منذ انطلاق الثورة بصورة موضوعية بحيث تصلح مرجعًا للدراسات المعنية وذات الصلة، وتحافظ في الوقت نفسه على ذاكرة الثورة وتطوراتها المتشعبة بكل ما فيها من اتجاهات وتيارات، ومن تطلعات وانكسارات من دون تجميل أو تشويه.
توثق "الذاكرة السورية" وتؤرشف أحداث الثورة السورية منذ انطلاقها، وتوفّر مصادر مرجعية وموثوقة متعلقة بالأحداث المفصلية في تاريخ سوريا الراهن
وتحتوي المنصة، التي بدأ العمل عليها منذ عام 2019 من خلال فريق بحثي سوري ضم خبراء ومختصين من مختلف المجالات، على أرشيف مدقق وحيد من نوعه حجمًا وشمولًا أوضح حسين أن أعمدته يوميات على درجة عالية من الدقة والموثوقية، ومكتبة مرئية في التاريخ الشفوي للثورة السورية، وأرشيف ضخم مؤلف من مئات الآلاف من الوثائق ومقاطع الفيديو التي تم التحقق منها.
ولفت حسين إلى أن أهمية هذا المشروع التوثيقي تكمن في ارتباطاته المتشعبة والمتشابكة مع العديد من المجالات، إذ توفر المنصة توثيقًا دقيقًا وموضوعيًا للأحداث التي شهدتها سوريا بعد الثورة بحيث تُمكّن السوريين والجمهور العربي عمومًا من تتبع أحداث سوريا خلال هذه المرحلة الدقيقة، وتشكّل مصدرًا موثوقًا للباحثين في الوقت ذاته.
وقال مدير مشروع منصة "الذاكرة السورية"، عبد الرحمن الحاج، إن العمل على إطلاقه جاء في الوقت الذي انحسر فيه الاهتمام بالقضية السورية وتغيّرت خلاله المعادلات على الأرض، لافتًا إلى أن الهدف منه أرشفة وتوثيق أحداث الثورة السورية على أسس بحثية.
وأشار إلى أن المنصة تتضمن قواعد لبيانات ومحتوى أرشيفي كبير قابل للاستخدام لأغراض متعددة تم بناؤه على أسس بحثية مستمدة من العلوم الاجتماعية، بحيث يمكن للجميع بغض النظر عن اختصاصاتهم وخلفياتهم العلمية أن يجدوا فيه ما يودون معرفته عن سوريا منذ انطلاق الثورة في 2011.
وأكد أن الهدف منها هو إبقاء الذاكرة السورية حية من أجل المستقبل لكي لا يتم نسيان التحولات الكبرى التي مرت بها سوريا منذ 2011، وتقديم مرجع بحثي موثوق حول هذه الأحداث يمكن للجميع الوصول إليه.
وتتألف المنصة من 3 أقسام، يتضمن القسم الأول "يوميات الثورة السورية" سجلًا يوميًا دقيقًا ومفصلًا للأحداث يغطي كامل الجغرافيا السورية، والسنوات الحاسمة في الثورة السورية بين 2011 – 2015، وذلك إلى جانب التفاعل الدولي. وقد تم تدقيق الأحداث الواردة فيها بصرامة منهجية، ومن خلال آلاف المصادر.
ويشتمل القسم الثاني "الشهادات" على أكبر مكتبة للتاريخ الشفوي السوري فيما يتعلق بهذه الحقبة، 2011 وحتى الآن، وشهادات: "لشهود من مناطق جغرافية مختلفة، ومن مواقع مختلفة من الحدث، بهدف فهم هذه الأحداث"، كما أوضح الحاج.
وقال الحاج إن القائمين على المشروع أرادوا من هذا القسم أن يكون أداة لسد الفراغ بين الوثائق والبيانات، واستغلال الفرصة المتاحة اليوم بوجود الشهود أحياء بمنح فرصة استثنائية للأجيال القدمة لمعرفة ومشاهدة الأحداث كما جرت في الواقع وعلى لسان شهودها.
أما القسم الثالث، فيتضمن أرشيفًا مدققًا وموثوقًا، ويضم قاعدة بيانات ووثائق يتم لأول مرة جمعها وفحصها وتدقيقها، بما في ذلك قاعدة بيانات للهيئات والكيانات التي تشكلت خلال الثورة السورية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الوثائق التي صدرت بعد عام 2011.
وأوضح أحمد أبازيد، رئيس قسم اليوميات، أن القسم يتضمن موسوعة للأحداث اليومية المتعلقة بالثورة السورية تغطي الفترة ما بين آذار/مارس 2011، وبعض الأحداث قبلها، وصولًا إلى أيلول/سبتمبر 2015. وتشمل هذه اليوميات المستويات المحلية الصغرى من القرية والبلدة والمدينة وصولًا إلى مستوى سوريا والتفاعل السياسي الدولي، وتغطي التصنيفات المدنية والعسكرية والسياسية.
وتتكون هذه اليوميات، التي كُتبت بلغة موضوعية ومعيارية رصينة حاولت أن تعطي أكبر دقة للأحداث وفق أبازيد، من 29 ألف سجل للأحداث اليومية تشكل الأحداث المحلية القسم الأكبر منها، بالإضافة إلى قسم متعلق بالأحداث السياسية، وقسم أصغر متعلق بالإحصائيات الحقوقية والمدنية. وتغطي اليوميات مواضيع مختلفة، وتشمل كذلك العشرات من التصنيفات، أبرزها الضحايا، وحوادث الاعتقال، المجازر.
وقالت سهير الأتاسي، رئيسة قسم "الشهادات"، إن القسم عبارة عن مكتبة فريدة تضم سجلًا شفويًا فريدًا للأحداث منذ انطلاقة الثورة: "وتتألف من عشرات الشهادات التي تمثل مصادر تاريخية حية مكملة للوثائق الأخرى، وتضفي جوًا من الموثوقية على العمل التاريخي"، مؤكدةً أنها: "فرصة نادرة للتعرف على الأحداث من قبل من صنعوها أو شاركوا فيها أو عايشوها".
وذكرت الأتاسي أن الهدف من قسم "الشهادات" هو بناء تاريخ وطني للأرشيف الشفوي يساهم في حفظ الذاكرة الجمعية للشعب السوري، وحماية روايته الحقيقية من التهميش والضياع والنسيان، والوصول إلى صورة أكمل وأكثر دقة للأحداث الواردة في المصادر المفتوحة والسجلات المكتوبة.
إضافةً إلى ملأ الفراغات في الروايات التي لا تستطيع الوثائق التاريخية العامة الوصول إليها، وتصحيح بعض المغالطات والأحكام المسبقة العالقة في روايات متداولة، ومواجهة محاولات التضليل وتزوير التاريخ والتلاعب به، وحفظ السردية الحقيقية للثورة السورية.
وبدوره، قال رئيس قسم "الأرشيف"، منقذ عثمان آغا، إن القسم يهدف إلى: "توثيق وحفظ كل ما يتعلق بالثورة السورية من أحداث وكيانات وشخصيات ووثائق ومقاطع مرئية، وحفظ هذه المواد من التلف والتزوير"، بالإضافة إلى: "تصنيف هذه المواد وحفظها وعرضها بطريقة علمية وتسهيل الوصول لها وتصفحها من قبل عموم الجمهور"، وأيضًا جعل: "الوصول إلى هذه المواد كبيانات كمية وكيفية سهلًا من قبل الباحثين المهتمين بالشأن السوري".
وأوضح أن الأرشيف يتألف من عدم أقسام، تأتي في صلبها الشخصيات والكيانات والمناطق الجغرافية، وهي مرتبطة بأكبر قسمين من ضمن الأرشيف وهما الوثائق والمقاطع المرئية. ويتضمن القسم 900 ألف مقطع فيديو من أصل أكثر من مليوني مقطع اطلع عليها فريق العمل وقام بتحليلها، وذلك عدا عن 50 ألف وثيقة، و6 آلاف كيان، و10 آلاف شخصية.
