للمسكنة، والوجوه المسكينة، فهم أنيق وتلق شجاع تمامًا لدى أهل العرفان النوارني. استعمل الأدب جانبًا من هذا الفهم ببراعة نبتت أحد أمثلتها من عند فيكتور هوغو في بؤساءه وفيودور دوستويفسكي في أولى مخطوطاته. لكن هذا ليس كل شيء، بل قد لا يكون بشيء أساسًا أمام عالم تلقف سوق أسهم ومضاربات عمالقة تصنيع المخدرات/الأدوية لكارثة وحشية اختلطت فيها مفاعيل التجهيل بقلة الحيلة واللامبالاة والخديعة كالتي يشهدها عالم الجنس البشري اليوم، أي مصيبة كوفيد 19.
في جانب من الظرف المضارع للكوكب أعيد الاعتبار لأهمية كل وقفة ضد وكل "لا" في وجه الخصخصة عندما أتت على صحة الناس، وتعليمهم بالضرورة
جاء أداء الإمبراطوريات الكبيرة، أراض الأحلام في وعي كثيرين، بحق مواطنيها بالدرجة الأولى صادمًا وفجًا لمواطنيها أنفسهم، كما هو بحق بعضها بعضًا، فلا أنفال بين الأقطاب العصابية كما بدى. لن يكون أكثر ما تستطيع تقديمه انتهازية رأس المال من وقاحة مثلًا، استثمار دونالد ترامب للكارثة ضد منظمة أساسية في إعانة ساكنة الأرض على كوارثها وكوارثهم كـمنظمة الصحة العالمية. القادم أوقح بالضرورة.
اقرأ/ي أيضًا: الميتافيزيقيا إن صارت علمًا
في العالم صاحب مقولات المركزية الإمبريالية ونهاية التاريخ على مذبح ديمقراطيتها تمت الإضاءة دائمًا على تفوق المركز الأبيض المهيمن ونجاعة حلوله. كأن ما غير هذا المركز لا معنى ولا قيمة لوجوده بوجوده. وإلا ماذا يعني استمرار الكذب والتسويف بشان أخبار العلاجات والأمصال، التي قد تكون معلومة للمناسبة، رفقة قفزات أقلها 200% في حضور مضاربات كارتيلات تصنيع السموم الدوائية؟ ماذا يعني الإثراء من هذه الصناعة بينما تشح على الطواقم الطبية المناضلة، في دول "كبرى" حتى، أبسط اللوازم من أقنعة طبية وأشباهها؟.
هذه مسائل وأسئلة برسم النقاش العام الكوكبي، حلولها الضامنة لن تكون إلا لاحقًا على الطريق نحو ممارسة الأوتوبيا الأسمى بخصوص تحالف الشعوب والأمم أصالة عن صالحها العام، لا الدول والجيوش نيابة عن رأس المال. أما بشأن الاستزادة بخصوص "الصالح العام" فينصح التبحر في منجز: عزمي بشارة بخصوص المجتمع المدني، أنتونيو غرامشي عن الكتلة التاريخية، مواطن إيمانويل كانت، مقولة الحد الأدنى الأساسي عند يانيس فاروفاكيس ووحدانية الوجوه لدى القائد الأدنى ماركوس، كما حرب الشعب بفهم جورج حبش. في كل هذا نوع من التوخ للقول المؤسس "لست حرًا، إلا عندما تكون كل الكائنات من حولي أحرارًا" من طرف ميخائيل باكونين.
في جانب من الظرف المضارع للكوكب أعيد الاعتبار لأهمية كل وقفة ضد وكل "لا" في وجه الخصخصة عندما أتت على صحة الناس، وتعليمهم بالضرورة. بالطبع الكوارث ليست كلها مدبرة أو متوقعة، لذلك يكون الدور التنويري الحقيقي بسد السبل أمام محاولات الاختراق الأنانية للمال العام والملكيات العامة بما فيها من خدمات جمهور بالتأكيد.
تحالف الأمم والشعوب هو السؤال الأبقى على درب التضامن عندما يأتي حقيقيًا
في الظرف المضارع عينه عادت الدولة الصديقة لشعوب الأرض وقبائلها، كوبا المحاصرة أمريكيًا، إلى واجهة الانتباه لمن أراد، أو لم تأخذه العزة بالإثم وتعامى. قوة الإرادة الطبية وتمكنها، رفقة كفاءتها وإيثاريتها حضرت ممهورة بتوقيع الجزيرة الكاريبية الاشتراكية ذات الجيران اللئام.
اقرأ/ي أيضًا: الحاجة للوجه ذو الندبة
اعترفت الصين ببراعة ألفا -2ب بنسخته الكوبية المطورة أمام كوفيد 19. تبعت الصين 45 حكومة دولة حول الكوكب. في النصف الثاني من آذار/مارس المنصرم حلت الكتائب الطبية الكوبية في لومبارديا الإيطالية المنكوبة، في الوقت الذي كان عمالقة النهب الأوروبي يتململون ما دام في "مدنهم الدول" حفنات من الطهاة والصنايعية الإيطاليين.
لن يفيد السرد كثيرًا، خاصة أنه مطول وطويل بشأن المأثر التضامنية الكوبية، طبيًا بالدرجة الأساسية. في مواجهة إيبولا ونقص المناعة المكتسب في أكثر من دزينة دول أفريقية، وكوارث لاتينية كثيرة. حتى إعانة واشنطن في مواجهة تبعات أعاصيرها، خصوصًا في حقبتي باراك أوباما، رئيس جوز الهند، بتعبير المناضل الشجاع علي جدة/ أبو محمد، في تكثيفه المبتكر بخصوص سياسات الرئيس "الأسود" البيضاء. إذ أقدمت إدارة أوباما على محاولة اختطاف وتعطيل عودة بالجملة للطواقم الإسعافية الكوبية،1,586 مختص/ة، التي هبت لنجدة أهالي لويزيانا والميسيسيبي وألاباما أمام "كاترينا 2005".
يذكر أنه في ذات العام، 2005، اشترك 2400 محترف كوبي في نجدة كشمير الباكستانية على إثر مقتل 80 ألف وتهجير قرابة 4 مليون إنسان بفعل هزة أرضية جامدة. كذلك كان الحال في هاييتي وغواتيمالا، كما هو الحال اليوم في دول كبرى وغير كبرى، نفطية وغير نفطية، حلت في مطاراتها روح التضامن الكوبية بمشافيها الميدانية وكامل عتادها، بشر وتقانة.
لماذا فعلت وتفعل كوبا، وستستمر على ما يبدو في فعل هذا العون؟ ربما يكون من المعقول التقول بالجيوبولتيكا ورقص الذبيح المحاصر، هذا سيوفر إجابة جاهزة لهواة الإجابات. لكن أيضًا، تحالف الأمم والشعوب هو السؤال الأبقى على درب التضامن عندما يأتي حقيقيًا من مثل من تلقوا تكوينهم بالعون العام ليردوا بتسخير إمكاناتهم للصالح العام، الإنساني، لا العرقي ولا القومي ولا المتعلق بأي حظيرة ابتكرتها صنائع الإنسان في نشيد عتمة عالم لا إنساني.
اقرأ/ي أيضًا: