أثار موضوع المساواة بين الجنسين في الميراث بالمغرب سجالًا حادًا بين مؤيدين يرون أن السياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للبلد قد تغير ويحتاج لمزيد من المراجعات والاجتهادات، ورافضين يمسكون بالنصوص القرآنية بشكل حرفي، ويرون أن الإرث خط أحمر لا يجادل، ولا يمكن المساس به، أو حتى مناقشة تفاصيله.
المؤيدون للمساواة بين الجنسين في الميراث بالمغرب يرون أن السياق قد تغير ويحتاج لمزيد من المراجعات والاجتهادات
اقرأ/ي أيضًا: مساواة في الميراث قريبًا في تونس؟
الميراث ليس خطًا أحمرًا
في حوار تلفزيوني على إحدى القنوات الرسمية المغربية، دعا محمد عبد الوهاب رفيقي، رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، إلى فتح نقاش مجتمعي حول المساواة بين الجنسين في الإرث، وقال ذات المتحدث إن "ما كان يقال عن أن موضوع المساواة بين الجنسين في الإرث لا يمكن المس به والاقتراب منه هي عقلية متجاوزة"، وأن الإرث "يستحق أن يأخذ مكاناً في الحوار المجتمعي لعدة أسباب من ضمنها أن السياقات الاجتماعية التي شرعت فيها أحكام الإرث قد تغير الكثير منها، من قبيل البنية الاجتماعية والأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة." وأن "التشريعات التي تنظم العلاقات البشرية ليس بإمكانها أن تكون ثابتة بل تتطور والأصل في كل قانون أن يكون متغيرًا تبعًا لهذه المتغيرات".
رفيقي زاد في حديثه التلفزي أنه "لا يمكن الحديث عن موضوع المساواة في الإرث بشكل مختزل وجزئي وأن يسلط الناس الضوء فقط على آية "للذكر مثل حظ الأنثيين"، مردفًا أن "الأمر أكبر من ذلك بل ما يمكن فعله هو أن يفتح نقاش في الموضوع".
وذهب في توضيحه إلى رفض "التعصيب" في الإرث، والذي يقصد به أن يأخذ الوارث كل التركة إذا لم يوجد وارث غيره أو ما بقي منها إذا وجد معه وارث بالفرض، قائلاً: "اليوم لا يجب أن نقبل بالتعصيب ويجب أن نغير مثل هذا الأمر لأن نظام الأسرة تغير كثيرًا بل حتى الصحابة والخلفاء الراشدون لهم اجتهادات كثيرة في باب الإرث لكن توقف ذلك فيما بعد لأسباب سياسية واجتماعية كانت تصب في مصلحة الرجل وليس المرأة".
اقرأ/ي أيضًا: المناصفة والحد من العنف.. أهم الوعود للمغربيات
الإرث قسمة من الله
رغم دعوة محمد عبد الوهاب رفيقي العلنية لفتح نقاش مجتمعي حول المساواة في الإرث وبشكل متدرج، إلا أن الأمر لم يرق لشيوخ ودعاة السلفية، إذ اعتبروا الموضوع خطًا أحمرًا، لا يناقش ولا يجادل، ولا يمكن الاجتهاد في تفاصيله، بل وتعالى غضبهم في على منصات التواصل الاجتماعي، وثارت ثائرتهم نحو الرجل بلهجة لا تخلو من عبارات تقترب من قاموس التكفير واتهامات بالزندقة والضلال.
الشيخ عبدالله النهاري، قال في مقطع مصور، إن "النصوص ثابثة لا يجوز أبدًا أن يتعداها الإنسان"، وزاد في حديثه، في نبرة صوت لم تخل من الحنق والغضب: "الإرث قسمه الله، والآن جئتم أنتم، تستدركون، وتزعمون أن هؤلاء لم يفهموا القرآن وتتحدثون عن التغيرات كأن الله لم يكن عالمًا".
أما الشيخ عمر الحدوشي، فاعتبر مسألة الإرث "أمرًا مفروغًا منه تمامًا مثل عدد الركعات، لأن ربنا تعالى هو الذي تولى قسمة التركة، وتوزيع الأنصبة الشرعية في الميراث، ولم يجعل أمرها في يد عالم من العلماء، مهما بلغ كعبه في أنواع العلوم، بل ولا جعل ذلك في يد الأنبياء والمرسلين"، وخاطب الشيخ عمر الحدوشي في سطوره على موقع فيسبوك الداعية محمد رفيقي، بأسلوب غير مباشر، واصفًا إياه بأنه من "المتمسحين والمتزلجين على ثلج النفاق، من الإمعات الذين يخطبون ود الملحدين"، ووصفه بـ"المتلون".
الرافضون للمساواة في الميراث مغربيًا يمسكون بالنصوص القرآنية بشكل حرفي، ويرون أن الإرث خط أحمر لا يجادل، ولا يمكن المساس به
الشيخ محمد زحل من جهته صرح في مقطع مصور، أن "محمد عبد الوهاب رفيقي وقع فريسة للشيطان"، مخاطبًا إياه بالقول: "صرت تستعلي على ربك وتتحداه وتصحح كلامه، العجب كل العجب، يريد أن يصحح كلام الله ويعترض على كلام الله؟ وهو لا يأتي في ذلك بعلم وأنا له بالعلم، وإنما يتلقف مقولات العلمانيين ويرددها".
وفي الوقت الذي عبر فيه هؤلاء الشيوخ عن رفضهم لمبدأ المساواة في الإرث، أعرب مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، (مؤسسة رسمية مختصة بالإفتاء وقضايا الدين)عن قبوله لمسألة طرح نقاش مفتوح حول هذه القضية، مؤكدًا أن في كل القضايا هناك لغة الحوار والتشارك، لكن وفي الوقت ذاته، رفض التفسيرات التي تنص على أن المرأة يجب أن يكون لها نفس إرث الرجل، بصفتها شخصًا مساهمًا في الحياة الاقتصادية، معتبرًا أن من يقدمون هذه التأويلات "لا دراية لهم بالإرث"، وفسر الأمر على أن "الإرث ليس شركة تجارية، بل يستحقه المستحق بمجرد أن يخرج إلى الحياة".
من جهتها، قرّرت رابطة علماء المغرب العربي إقالة وإبعاد محمد عبد الوهاب رفيقي، بسبب ما سمته الرابطة بـ"التجاوزات المنهجية المتكررة والخلل الفكري والاضطراب العقدي" وأفادت الرابطة في بيان، اطلع عليه "الترا صوت"، أنها صادقت على هذا القرار بعد ما سمته "إصرار" محمد رفيقي و"استعلاؤه في الحوار وفي تصريحاته الإعلامية المثيرة"، وبعد "النصح المتكرر والنقاشات العلمية الهادئة من الكثير من العلماء والدعاة من أعضاء هذه الرابطة وغيرها معه".
وكان محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بـ"أبي الحفص"، ذو التوجه السلفي سابقًا، قد دخل أسوار الاعتقال بسبب أفكاره المتشددة إثر اعتداءات عام 2003 بالدار البيضاء، لكنه قام بمراجعات فكرية جذرية بعد الإفراج عنه، ويوصف حاليًا لدى علمانيي المغرب بـ"المتنور" و"الإصلاحي" بسبب دعوته العلنية للاجتهاد والتجديد في النصوص الدينية وملاءمَتِها مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية بالبلد.
اقرأ/ي أيضًا: