استطاع "المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي"، منذ بعثه عام 2005، في مدينة المدية، 100 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، أن يلمّ شتات المسرحيين المتخصّصين في الكوميديا، ويفتح لهم باب المنافسة والتّكوين وتبادل التجارب والخبرات. من هنا، كان توقيفه عام 2015، من طرف وزارة الثّقافة، ثم إعادة بعثه من جديد مطلع كانون الأول/ديسمبر 2017، حدثين في المشهد المسرحي الجزائري.
لعب "المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي" في الجزائر دورًا في لمّ شتات مسرحيي الكوميديا، وفتح باب المنافسة وتبادل الخبرات
يقول المشرف العام على المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي الكاتب سعيد بن زرقة لـ"الترا صوت" إن ارتباط المهرجان بملك الفكاهة حسن الحسن المعروف ببوبقرة (1916 ـ 1987) جعله وصيًّا على رصيد وإرث الرّجل، الذي عاش لإضحاك الجزائريين زمني الاحتلال والاستقلال، "لقد كانت الشوارع تخلو من الناس حين يبثّ التلفزيون الجزائري فيلمًا أو عرضًا فكاهيًا لبوبقرة".
اقرأ/ي أيضًا: أيوب عمريش.. سندباد المسرح في الجزائر
ويلفت سعيد بن زرقة الانتباه إلى معطًى طريف "يُفترض بنا نحن الجزائريين الذين غرقنا في 132 عامًا من الاحتلال وعشرية سوداء من الإرهاب، أن ننجز تمثالًا لكلّ فنّان أضحكنا أو منح لنا لحظة فرح أو جعلنا ننسى همومنا. وهذا الاعتراف ما جاء مهرجان المسرح الفكاهي لتكريسه بصفته ثقافةً وحضارة وفنًّا في حدّ ذاته".
من هنا، كرّم المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي الممثل طه العامري (1927) الذي بدأ التمثيل عام 1947 وكان من الأعضاء البارزين في الفرقة الفنية لثورة التحرير ما بين عامي 1958 و1962. والممثلة وكاتبة السيناريو نضال والممثل والمخرج أيوب عمريش الذي شرع في تكوين الشباب المسرحيين منذ سبعينيات القرن العشرين والممثل الكوميدي عبد الرحمن الربعي والمذيعة فاطمة ولد خصال.
على هامش العروض التنافسية، نظمت ورش تكوينية لفائدة المعلمين في مسرح الطفل والعرائس ومسرحة المناهج التربوية، ولفائدة الإعلاميين في النقد المسرحي ولفائدة الشباب في فن التمثيل. إلى جانب محاضرات تناولت الفكاهة والتعليميات والفكاهة في الآداب والفنون والفكاهة والوسائل التكنولوجية والفنّ بصفته مقاومة وتجارب في الكتابة السّاخرة. يقول الكاتب السّاخر سعيد بوطاجين لـ"الترا صوت" إن تسطير برنامج أدبي وفكري يتناول الأدب الساخر بالموازاة مع العروض الفكاهية أعطى المهرجان نفسًا معرفيًا، "هكذا نحرر الفكاهة من النظرة الشعبية المبتذلة إليها".
سعيد بن زرقة: يُفترض بنا نحن الجزائريين الذين غرقنا في 132 عامًا من الاحتلال وعشرية سوداء من الإرهاب، أن ننجز تمثالًا لكلّ فنّان أضحكنا
عادت جائزة "العنقود الذهبي" التي يمنحها المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي لأفضل عرض متكامل لمسرحية "كارت بوستال" للمخرج قادة شلبي، "لأنها حققت عناقًا جماليًا بين مختلف العناصر المسرحية، وعرفت كيف تجعل المتلقي يضحك على نفسه قبل أن يضحك على المواقف التي قام بها الممثلون"، بحسب لجنة التحكيم التي رأسها الممثل عبد الحق ابن معروف.
اقرأ/ي أيضًا: عزّوز عبد القادر.. أن تسحب أفريقيا إلى المسرح
اقتحمت المسرحية الفائزة عالم رجال المال والأعمال في الجزائر، وما يزخر به من سلوكات ومواقف وأمزجة فاسدة، نخرت العلاقات الإنسانية قبل أن تنخر الاقتصاد الوطني. من خلال رجل أعمال يملك الاستعداد لأن يغيّر حتى اسمه من أجل أن يفتكّ صفقة من الصفقات، وأن يهدي ابنته لمن يريدها. ليجد نفسه في النهاية قد خسر المال والعاطفة والسمعة والشرف.
اقرأ/ي أيضًا: