ألترا صوت – فريق التحرير
اختتم "المعهد الألماني للأبحاث الشرقية" يوم الجمعة الفائت، 3 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، فعاليات احتفاله بيوبيله الماسي التي انطلقت في 2 من الشهر نفسه، في مقره الواقع في منطقة زقاق البلاط وسط العاصمة اللبنانية بيروت.
يُعنى "المعهد الألماني للأبحاث الشرقية" بتقديم أبحاث ودراسات متعددة الاختصاصات حول العالم العربي ومنطقة غرب آسيا
شمل الاحتفال إقامة مجموعة من الأنشطة الأكاديمية والجلسات النقاشية التي بحثت في مواضيع مختلفة، منها "فائض الدراسات القرآنية"، والعلاقة بين "الدراسات الإسلامية واللاهوت الإسلامي" في ألمانيا اليوم. وتضمن الحفل الختامي تكريم عددٍ من الأكاديميين اللبنانيين الذين رافقوا المعهد منذ إنشائه مطلع ستينيات القرن الفائت، وساهموا في إمداده بعناوين بحثية وفكرية مميزة.
اقرأ/ي أيضًا: الدورة الثانية من "معرض العراق الدولي للكتاب".. تحية إلى غائب طعمة فرمان
تأسس "المعهد الألماني للأبحاث الشرقية" في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1961، من قبل "الجمعية الألمانية للدراسات الشرقية" بوصفه مؤسسة أكاديمية بحثية علمية مستقلة، تُعنى بتقديم أبحاث ودراسات متعددة الاختصاصات حول العالم العربي ومنطقة غرب آسيا.
اتخذ المعهد في بداياته من شقة صغيرة في منطقة رأس بيروت مقرًا مؤقتًا له، قبل انتقاله عام 1963 إلى مقره الحالي في "فيلا مود فرجالله"، الواقعة في منطقة زقاق البلاط القريبة من وسط بيروت التجاري، بعد اتساع أنشطته البحثية والعلمية.
يعمل في المعهد باحثون مقيمون، ويستضيف باحثين من جنسياتٍ مختلفة وتخصصاتٍ متعددة تشمل العلوم الإنسانية والاجتماعية، بالإضافة إلى الدراسات العربية والإسلامية والتاريخية وغيرها. وعلى الرغم من تواجده في منطقة مضطربة عرفت خلال العقود القليلة الأخيرة حروبًا وأزمات سياسية واجتماعية مختلفة، إلا أنه لم يتوقف عن ممارسة نشاطه البحثي وإمداد المكتبة الألمانية والعربية بعناوين بحثية وفكرية مهمة.
ويُعتبر المعهد واحدًا من مراكز الأبحاث الأجنبية القليلة التي لم تغلق أبوابها خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حتى بعد إجلاء موظفيه الألمان إلى إسطنبول عام 1987 بسبب ظاهرة اختطاف الأجانب، حيث واصل الموظفون اللبنانيون العمل فيه وتسيير شؤونه حتى عودة زملائهم الألمان إلى بيروت عام 1994.
يموَّل المعهد بشكلٍ رئيسي من الوزارة الاتحادية للتعليم والبحوث في ألمانيا. ومع ذلك، يُعتبر مؤسسة مستقلة بحسب مديرته برجيت شيبلر، التي شددت في حديثها لـ "ألترا صوت" على استقلاليته التي ترى أنها تتيح له التعاون مع مختلف الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية في لبنان وغيره من الدول العربية والعالمية.
وذكرت شيبلر في حديثها أن المعهد ينشر سلسلتين من الكتب، هما: "نصوص ودراسات من بيروت" التي تُنشر باللغة الألمانية والعربية والفرنسية والإنجليزية، وصدر منها نحو 200 عدد. و"من المكتبة الإسلامية" التي تُنشر باللغة العربية فقط، وتُعنى بالنصوص الدينية والثقافية والأدبية.
وتقول ضيفتنا إن أهداف المعهد تتمثل في تنظيم مؤتمرات وندوات وورش عمل، حول مواضيع مختلفة لا تقتصر على الدراسات الإسلامية فقط، بل تشمل أيضًا التاريخ والسياسة والأدب والعلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب تقديم منح للباحثين الراغبين في الحصول على شهادة الدكتوراه من مختلف دول العالم.
وتعيد برجيت شيبلر أسباب إقامة المعهد في بيروت إلى مكانتها الثقافية، وانفتاح مجتمعها، وتعدديته، واحتضانها عددًا كبيرًا من دور النشر، وسرعة استخراج التراخيص وإنجاز المعاملات اللازمة لإنشاء المؤسسات التعليمية الأجنبية مقارنةً بغيرها من العواصم العربية.
وحول طريقة تعاطيهم مع الأزمات التي مر بها لبنان خلال العقود الأربعة الماضية، تقول المؤرخة الألمانية إنهم يشاركون اللبنانيين أزماتهم واضراباتهم منذ الحرب الأهلية، وصولًا إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تستبعد أن تتسبب بإغلاق المعهد.
أما بالنسبة إلى الآليات التي يتم عبرها اختيار مواضيع الأبحاث والدراسات التي ينشرها المعهد، تقول ضيفتنا إن الأمر يعتمد على برنامج يحمل اسم "علاقات"، التي تشمل العلاقة بين الإنسان والإنسان الآخر، وبين الإنسان والله، وبين الإنسان والبيئة، وبين الإنسان وما ينتجه. وعلى أساس هذا البرنامج يتم اختيار الكتب والمقالات التي ينشرها المعهد، والتي يجب أن تكون متصلة بواحدة من العلاقات السابقة.
وتشير شيبلر في هذا السياق إلى أن مكتبة المعهد تُعتبر أكبر مكتبة للإنسانيات في بيروت، حيث تضم 140 ألف كتابًا متخصصًا في هذا المجال فقط. وعن أسباب اهتمامهم بنشر المؤلفات الأدبية والدواوين الشعرية التراثية، تقول شيبلر إن الأمر يتعلق بفكرة أن الشعر يُعتبر مصدرًا مهمًا لفهم القرآن والإسلام والمجتمع الذي ظهر فيه الأخير، على اعتبار أن الشعر أقدم منه.
تتمثّل أهداف المعهد في تنظيم مؤتمرات وندوات وورش عمل حول مواضيع مختلفة لا تقتصر على الدراسات الإسلامية فقط
وحول سؤالنا لها عن موقف المعهد من الاستشراق، تقول برجيت شيبلر إن الحجة التي قدّمها إدوارد سعيد في كتابه المهم "الاستشراق"، والتي تقول بأن هدف المستشرقين من السفر إلى العالم العربي هو السيطرة عليه، مبالغ فيها. لافتةً هنا إلى ضرورة التمييز بين المستشرقين الذين سافروا إلى العالم العربي بهدف اكتشافه، وأولئك الذين وظفتهم الحكومات للاستفادة منهم بحكم إتقانهم للغة العربية.
اقرأ/ي أيضًا: المركز العربي ومعهد الدوحة يوقعان مذكرة تفاهم مع المعهد العربي للتخطيط
وتميّز ضيفتنا في نهاية حديثها بين المشروع السياسي الذي تحمله دولة معينة، وبين المشروع العلمي الذي يحمله باحثون وأشخاص سافروا إلى العالم العربي مدفوعين بانبهارهم به، ورغبتهم في اكتشافه والتعرف عليه.
اقرأ/ي أيضًا: