يحل موسم الشتاء قاسيًا في المغرب، ففي الوقت الذي يبحث فيه المغاربة عن وسائل التدفئة لحمايتهم من البرد، يتأوه البعض منهم شدة انخفاض درجة الحرارة، ليكون هذا الفصل نقمة حقيقية على أفراد، لا ذنب لهم سوى أن القدر كان قاسيًا عليهم، ولم يترك لهم أي مجال للاختيار. هم ما يصطلح عليه بـ"أطفال الشوارع" أو كما يقول البعض "اطفال في بضعيات صعبة"، وكأنهم يجملون واقعهم المر. الغوص في عالم هؤلاء الأطفال صعب للغاية، فأغلبهم يرفضون الحديث، وأحيانًا يكونون خطيرين جدًا، فأجسادهم النحيلة وملاحهم البريئة قد تفاجئك بقسوة لا تتخيلها أبدًا، يحملون في قلوبهم حقدًا على أنفسهم وعلى باقي أفراد المجتمع، الذين يكتفون أغلبهم بنظرة شفقة أو بمدهم ببضع دراهم أو بدعاء لصالح حالهم.
تتضاعف معاناة أطفال الشوارع في المغرب شتاءًا ويتعرض بعضهم لمخاطر الموت والأمراض والتهديد
هؤلاء الأطفال ينقسمون إلى فئات مختلفة، إما هاربون من أسرهم نتيجة طلاق أو نتيجة تفكك أسري، يكونون إما باعة متجولين يحملون عددًا من المناديل الورقية، أو مشردون يتسولون طلبًا للأموال. تعلق إيمان أيت محجوب، المساعدة الاجتماعية، في حديث لـ"الترا صوت" أن "هؤلاء الأطفال يتعرضون لأوضاع صعبة، يفترشون الرصيف، ويواجهون المخاطر، لكن فصل الشتاء يكون قاسيًا عليهم، ويضاعف من ألمهم، خصوصًا مع انخفاض درجة الحرارة ليلًا، والتي قد تصل إلى الوفاة في ظل هذا الطقس السيء"، مضيفة: "هؤلاء الأطفال وأمام هذه الظروف الصعبة يتعرضون أيضًا إلى مشاكل نفسية، ولأمراض خطيرة، قد تقتلهم".
عبرت إيمان عن حزنها وقلة حيلتها، لأنها لا تستطيع مساعدة جميع الأطفال المتشردين بالدار البيضاء، المدينة الأكبر بالمغرب، والتي يتواجد في أزقتها وشوارعها أطفال متشردون يواجهون الموت في كل فصل شتاء، بالرغم من أن بعض الجمعيات المدنية تجوب في كل ليل الشوارع الرئيسية، خصوصًا تلك التي يتواجد فيها هؤلاء الأطفال لنقلهم إلى مأوى يحميهم من قسوة البرد ليلًا وفي الصباح يعودون إلى حيث أتوا.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. نحو إلغاء مجانية التعليم العمومي
تقول إيمان في هذا السياق: "تنتقل سيارات خاصة لنقل هؤلاء الأطفال إلى أماكن دافئة، إما جمعيات مخصصة لهذا الغرض وإما مركز "تيط مليل"، الخاص بالمتشردين والعجزة، لكن عدد الأسرة غير كاف لنقل كل الأطفال أو غيرهم من المشردين". ويونس واحد من هؤلاء الأطفال، الذي وافق على التحدث إلى "الترا صوت". طفل لا يتجاوز عمره 8 سنوات، جسده نحيل وملامحه جميلة، إلا أن عينيه غاضبة وهذا واضح من خلال نظراته. يقول إنه "يفضل العيش في الشارع عوض الذهاب إلى المنزل"، هو ليس يتيمًا مثل صديقه، بل لديه أم وأب، إلا أن طلاقهما وزواج الأم عجل بتشرده.
يقول بنبرة حاقدة، وسط شارع محمد الخامس بالدار البيضاء :"لا أعرف أين أبي. لا أهتم لمعرفة ذلك. والدتي تزوجت من رجل آخر. أنا لم أختر الشارع هي من طردتني"، يستطرد قائلًا: "أنا لست حزينًا. أنا مرتاح، أفضل التواجد برفقة أصدقائي في الشوارع والنوم فوق الأرصفة، ومواجهة البرد، عوض الذهاب إلى المنزل حيث الجحيم هناك". صديق يونس، الذي يبدو أكبر سنًا منه، رفض الحديث معنا، إلا أنه اكتفى أن لا أحد يهتم بوضعهم، يواجهون مصيرهم وحيدين، من دون تدخل أي جهة رسمية لحل معضلتهم.
عالم التشرد لا يقتصر فقط على الذكور، الإناث أيضًا يجوبون الشوارع ويفترشون الأرض دون هدف ودون مأوى. مريم طفلة في عمر العاشرة، تملك ملامح جميلة متناسقة وابتسامة بريئة بالرغم من الظروف التي تعيشها، تطلب بعض الدراهم لشراء علبة حلوى، تبدو باهظة الثمن إلا أنها مصرة على اقتنائها. تقول لـ"الترا صوت" إن "والدتها هي من تطلب منها أن تعمل لجلب المال، فصغر سنها لم يشفع لها التسول أو بيع المناديل الورقية لجني القليل من النقود".
تجوب مريم طيلة النهار شارع محمد الخامس، برفقة قطتها، والتي تعرفت عليها في إحدى الأزقة، لتصبح صديقتها المفضلة. وهي تتحدث معنا، تتسول مريم قليلًا من المال لشراء علبة الحلوى، لتؤكد أنها فعلًا طفلة عنيدة لا تستسلم بسهولة، اقتنت أخيرًا تلك العلبة التي أسعدتها كثيرًا، ذهبت مسرعة إلى وجهة غير معروفة هي وقطتها وقدرها. تقول إيمان أيت محجوب إن "مريم حرمت من الدراسة وبالتالي من الحصول على سلاح يحميها بالمستقبل، بسبب فقر وأنانية والدتها"، هي ويونس فقط عينة لأكثر من 50 ألف طفل دون مأوى بالمغرب، وفق تقديرات شخصية، على حد تعبير إيمان، موضحة، "لأننا لا نملك أرقامًا رسمية حول الموضوع الذي أمسى مقلقًا ومسيئًا للمغرب".
اقرأ/ي أيضًا: