يحدث في كل زمان ومكان أن تجد شخصًا متطيرًا يتحمس أكثر مما يجب لأفكار وأيديولوجيات. وتودي به حماسته تلك إلى محاولة الاعتداء أو قتل أشخاص اعتباريين، يرى في وجودهم تهديدًا لكل ما يؤمن به. هذا ليس أمرًا يختص به شعب دون آخر، ولا جنسًا أو عرقًا دون أجناس وأعراق أخرى.
كون مصدر الفتوى زعيمًا دينيًا يتبعه عشرات الملايين يعني أن من يتزعم الدولة التي يتحدر منها هذا الزعيم، يريد تحويل كل المواطنين إلى فدائيين يقتلون أعداء الأمة أو يحاولون قتلهم
لو أن ما أقدم عليه هادي مطر يندرج ضمن هذه الخانة من الاعتبار، لكان بوسعنا أن نأخذ الأمر على محمل الحوادث الجانبية التي تحصل كل يوم، حتى لو كان ضحية هذه الحادثة كائنًا اعتباريًا كسلمان رشدي له ما له من وزن. لكن الحادثة لا تندرج في هذا الإطار أصلًا. معضلتنا الكبرى مع هذه الحادثة أنها تنطلق من فتوى أصدرها فقيه ديني، هو أيضًا قائد سياسي وزعيم دولة كبيرة، ومفتي مذهب ديني يضم مئات الملايين من المؤمنين. واجتماع هذه الصفات كلها في مصدر الفتوى، يجعلها بالغة الخطورة. فضحيتها لا يمكن حصرها بسلمان رشدي ومن يترجم كتبه أو يتداولها. فكون مصدر الفتوى زعيمًا دينيًا يتبعه عشرات الملايين يعني أن من يتزعم الدولة التي يتحدر منها هذا الزعيم، يريد تحويل كل المواطنين إلى فدائيين يقتلون أعداء الأمة أو يحاولون قتلهم. وهذا في حد ذاته ما ينزع عن الشيعي المؤمن بمذهبه، إلى أي دولة انتمى، صفة المواطن ويدرجه في فئة الجنود.
لا شيء يمنع أن يكون المؤمن شديد الحماسة لدينه ومذهبه، ومعترضًا على منتقدي إيمانه وقناعاته. لكن الناس في كل مكان من العالم، المؤمنون منهم وغير المؤمنين، يندرجون في خانة المواطنين الذين يسعهم أن يبدوا رأيهم ويعبروا عن غضبهم، لكنهم يوكلون مهمة تحقيق الحق وإحقاق العدالة والدفاع عن المعتقدات إلى جهاز الدولة التي يندرجون في عداد مواطنيها. هكذا تستقيم الأمور، وهكذا يمكن للقوانين أن تسود وتحمي حقوق الجميع وتفرض عليهم واجباتهم. أما أن يتحول كل مواطن إلى جندي في جيش الأمة فهذا يعني، أول ما يعني، أنه ينزع عن نفسه طائعًا حقه في أن تحميه دولته من أي اعتداء. ذلك أن الدولة الحديثة هي دولة تولي عنايتها للمحافظة على حيوات مواطنيها، أكان الخطر فيروسًا ينتقل في الهواء، أم منافسًا في الاقتصاد، أم جيشًا يهاجم الحدود ويقصف المدن. والدولة لهذه الأسباب تحرص أشد الحرص على تخصيص مواطنيها وحصرهم في اختصاصاتهم ما أمكن. فلا يتحول الطبيب إلى مهندس ولا يتحول المدرس إلى جندي. كل واحد من هؤلاء عليه أن يضطلع بوظيفته التي يتم تعريفه على أساسها، وكل واحد من هؤلاء عليه أن يترك هم الدفاع عن سلامته وعقائده إلى المؤسسات المسؤولة عن تطبيق القوانين.
الأخطر في ما اقترفه هادي مطر يتعلق بالأخطار التي يتركها شيوع سلوكه بين الناس. ذلك أن شيوع مثل هذا السلوك، وتبني نظرية أن كل مواطن هو فدائي أو جندي، يجعل من كل الناس أهدافًا مشروعة للأعداء
لكن الأخطر في ما اقترفه هادي مطر يتعلق بالأخطار التي يتركها شيوع سلوكه بين الناس. ذلك أن شيوع مثل هذا السلوك، وتبني نظرية أن كل مواطن هو فدائي أو جندي، يجعل من كل الناس أهدافًا مشروعة للأعداء. فإذا كان كل مواطن إيراني هو فدائي وجندي، فليس ثمة ما يمنع الخصم أو العدو أن يشن حرب إبادة على الشعب برمته، من دون أن يتعرض لأي مساءلة من أي نوع.
والحال، لا يستقيم النقاش حول هذه الحادثة بإعادة التذكير بما كتبه سلمان رشدي، والتحزب لروايته أو انتقادها. فمثل هذا النقاش مضلل، لأنه يفترض أن المعتدي على رشدي مكلف من دولته بالاقتصاص من الكاتب. في حين أنه ليس أكثر من مواطن، لكنه يعتدي على صفته ويعتدي على صفاتنا أيضًا. بحيث أن المخاطر التي تترتب على ما قام به، تطاولنا نحن الذين لا ناقة لنا ولا جمل.