يروي فايز عتين أحد ساكني القرى الحدودية بمديرية حرض في محافظة حجة المحاذية للمملكة العربية السعودية باليمن، والذي فضل البقاء في قريته رافضًا النزوح منها، عشرات القصص والمآسي للنازحين على الشريط الحدودي: مئات الجثث لنازحين على الطريق. يمنيون وأفارقة من الجنسية الصومالية والأريترية. رجال ونساء مرميون في الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية بعد أن تعرضوا لقصف من طائرات الأباتشي والمدفعية السعودية خلال تبادل القصف مع الحوثيين الذين يحاولون اختراق الخطوط الحمراء للحدود السعودية. بعضها تعفنت وبعضها بدأ في التحلل منذرة بكارثة بيئية خطيرة ولم تستطع سيارات الإسعاف الوصول إليهم نظرًا لاشتداد القصف وقصف سيارات الإسعاف في بعض المناطق.
في محافظة حجة اليمنية التهمت الكلاب طفلة بعدما أخذتها من جوار أمها النازحة في العراء
يتابع صوت مبحوح بالألم والحسرة. القتال على الحدود ين الحوثيين والقوات السعودية لا يفرق بين مقاتل أو مواطن أو لاجئ أو نازح مسكين اجبرته الظروف والحرب إلى الفرار من منازلهم خوفًا على حياتهم من القصف. خيرة الشباب من أبناء منطقته قرروا النزوح والهروب إلى الأراضي السعودية وكل ما وصل عنهم من بعض المهربين أنهم تعرضوا للقصف وتطايرت أجسادهم إلى أشلاء في الحدود ولم يجدوا من يكرمهم بدفنهم... "يالله أي كارثة حلت بنا وأي جنون يرتكبه هؤلاء".
الموت البطيء
وفي ظل الأوضاع المأساوية والصعبة التي يمر بها اليمن هناك آلاف الأسر في المناطق الحدودية بمحافظة حجة نزحوا من قراهم ومنازلهم خوفًا على حياتهم وحياة أطفالهم من جحيم طائرات ومدفعية التحالف والقصف المستمر والعشوائي والذي أحرق الأخضر واليابس. عيسى الراجحي صحفي يمني وناشط سياسي يعيش في محافظة حجة يقول إن مدينة حرض حاليًا أصبحت مدينة اشباح ومنطقة عسكرية مغلقة بعد أن هجرها السكان إلى البراري والقفار البعيدة في ظل أوضاع ماساوية صعبة.
هكذا، فر النازحون خوفًا من الموت السريع بالطائرات والصواريخ الجوية، فوجدوا أنفسهم في أماكن يسكنها الموت البطيء. يبحثون عن أبسط المقومات الأساسية للحياة في ظل غياب دور الجهات الرسمية المتخصصة بهم وإهمال وتلاعب الكثير من منظمات المجتمع الإنساني الدولية والمحلية. يوضح الراجحي أن هناك كارثة انسانية إذا لم تتداركها الجهات المختصة والمنظمات المانحة ستكون عواقبها وخيمة. الأطفال والنساء يعيشون في العراء حيث حصلت قصة انسانية مؤلمة لطفلة رضيعة في أحد المخيمات في مديرية اسلم بمحافظة حجة. أخذتها الكلاب من جوار أمها وهي نائمة وأكلتها. لم يجدوا صباحًا إلا بقايا هذه الطفلة.
العديد والعديد من القصص الانسانية المؤلمة وقعت ولم تحرك ضمائر السلطات المحلية أو جهات الاختصاص رغم المناشدات العديدة التي نشرت في وسائل الاعلام المختلفة، بالإضافة إلى مشكلة نقص الغذاء والدواء، والنقص الحاد في مياه الشرب النظيفة. نازحوا المناطق الحدودية يموتون ببطء.
قدرت أحدث إحصاءات الحكومة اليمنية عدد النازحين اليمنيين بسبب الصراعات المسلحة بنحو مليون نازح موزعين بين محافظات صعدة وعمران وحجة وشبوة وابين وتعز. وقالت منظمة الصحة العالمية إن النازحين داخليًا في اليمن معرضون لمخاطر صحية تهدد بقاءهم على قيد الحياة، بسبب حركة التنقل الجماعية للسكان والنظام الصحي المتردي. هذا كله في واد والعالم في واد، إذ فر أكثر من مليون شخص من الغارات والقصف إلى الأماكن العامة في المحافظات المجاورة، ويعيش كثير منهم في ظروف معيشية غير صحية، ففي المدارس التي يستضيف بعضها مئات اليمنيين النازحين، يتوفر حمام واحد فقط للنساء وآخر للرجال، حسبما جاء في بيان منظمة الصحة العالمية.
فر النازحون خوفًا من الموت السريع بالطائرات والصواريخ الجوية فوجدوا أنفسهم في أماكن يسكنها الموت البطيء
يذكر أن هذا الوضع يتفاقم بسبب تعطل نظام رصد الأمراض نظرًا لانعدام الأمن، فضلًا عن عدم كفاية فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية بسبب النقص في عدد الموظفين الصحيين المؤهلين ومحدودية عمل المرافق الصحية. وفي الواقع، يولد النزوح مآسي كثيرة فكل اسرة نزحت تحمل قصة مآساوية أو قضية شخصية. حتى الذين كانوا يساعدون الناس، وجدوا أنفسهم في الشارع اليوم.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في الشأن اليمني أنور حيدر إن الصراع المسلح في اليمن فاقم الوضع المعيشي للمواطن وتسبب في نزوح آلاف من مدنهم، بحيث أنه يمكن أن مجد عائلة كانت ميسورة وتمتلك البيت والسيارة وفجأة وجدت نفسها تبحث عن مأوى وكيس دقيق، سائلًا: "هل تعي القوي والأطراف المتصارعة والسلطات الرئاسية والحكومية ماذا يترتب على عملية النزوح وما تتركه من أثر نفسي واجتماعي ومادي سواء على الأسر التي نزحت أو على المجتمع وخاصة الأطفال حيث تظل مآسي النزوح في ذاكرتهم ولا تنتهي إلا بعد سنوات؟". لا إجابة طبعًا.
رغم كل شيء، يأمل النازحون اليمنيون أن ينتهي هذا الكابوس، لكي ينتبهوا إلى الحقيقة التي تقول إنهم أفقر بلدان الشرق الأوسط.
إقرأ/ي أيضًا:
مقابر اليمن.. خفف الوطء
البطالة.. كابوس يلف اليمن