في ظل غياب الأمان الكلي في مناطق شمال قطاع غزة، لجأ الأهالي للنزوح نحو ملاجئ الأُمم المُتحدة وإقامة الخيم في أطراف المخيمات في جنوب القطاع.
بات هناك أكثر من نصف مليون من النازحين في مناطق هي بالفعل أماكن للاجئين. موجة لجوء شديدة وساحقة تفتك بالفلسطينيين وتشبه ما حصل في عام 1948. وما سمعناه من أجدادنا سابقًا، نراه ونعيشه الآن.
هذا الجنون الذي نعيشه من صراع للوجود الفلسطيني هو نكبة أخرى، وعلى مرأى العالم بأسره. ترك الناس كُل شيء وراءهم، لأنهم لا يشعرون بالأمان أبدًا، كما فقد آلاف الفلسطينيين بيوتهم وممتلكاتهم وهُجّروا بشكل قسري إلى مخيمات أخرى عِنوة.
صف من الخيام البيضاء العاجزة ترتفع في نواحي الجنوب. يجلس الأطفال حول الخيام ويلعبون بخوف بالحجارة. يبدأ الناس هُناك يومهم بالوقوف أمام دورات المياه للحصول على "قلن"، وهي كمية لا تكفي شخصًا واحدًا يريد قضاء حاجته الطبيعية.
رشيد الخالدي: "تتبادر إلى ذهني على الفور أحداث 1948 عندما يُطلب من الفلسطينيين في غزة إخلاء منازلهم، وعندما أرى تلك الخيام".
وآخرون يقفون لتلقي بعد المساعدات من "الأمم المتحدة" التي تُهدد بإشهار "إفلاسها" عقب استهداف الاحتلال لمخازن "الأونروا" الغذائية. ناهيك عمن يقف لساعات طويلة للحصول على ربطة خبز، وفي كثير من الأحيان لا يحصل عليها.
هذه سياسيات الاحتلال في التعامل مع اللاجئين: يقصفون المخابر والمحلات التجارية ومقرات "الأمم المتحدة"، ويقطعون الكهرباء عن القطاع بشكل كامل. كما أنهم، ومنذ بداية هذه الإبادة الجماعية، يستنزفون البنية التحتية للقطاع بشكل مُزرٍ.
هذه المشاهد تُثير ذكريات مؤلمة للفلسطيني الذي سمع عن نكبة 48، وها هو الآن يعيشها بشكل قاسٍ. قال رشيد الخالدي أستاذ الدراسات العربية في جامعة كولومبيا: "تتبادر إلى ذهني على الفور أحداث 1948 عندما يُطلب من الفلسطينيين في غزة إخلاء منازلهم، وعندما أرى تلك الخيام".
نزوح أكثر من 500 ألف فلسطيني من شمال القطاع إلى مدارس "الأونروا" أمر مرعب، كما أن الرقم مخيف ومزلزل. ولو استمرت هذه الجرائم لمدة أسبوع على الأقل، فستتضح الكارثة بصورتها الواقعية حين لا تعود هناك معونات ولا مياه للاستحمام والنظافة، على الأقل، في ظل ازدياد الأعداد في كل فص من الفصول الدراسية.
وهذا أمر يستدعي دق ناقوس الخطر لأننا نتكلم عن وجود أكثر من 70 شخصًا في مساحة لا تتجاوز 10 أمتار.. ماذا عن الأوبئة والأمراض؟ هل هذا يُرضي منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان؟
يقول لي أحد أصدقائي المتواجدين في مدراس "الأونروا": "من فرط شُح المياه حين أُريد قضاء حاجتي أنزل إلى شط البحر وأقضي حاجتي، نحن في حالة موت بطيء يا صديقي".
الظروف في مدارس "الأونروا" مُروعة، مكتظة بالسكان بشكل مَهول، لا مكان للنوم أو الخصوصية حتّى، وأخشى أن يُفضل الناس النزوح إلى الخيام كونه يمكن إغلاقها على الأقل والحصول على القليل من الخُصوصية!
لا أحد يفكّر في ما سوف يحصل غدًا أو بعد ساعات، كما أنهم لا يملكون رفاهية الاختيار بالتفكير في منازلهم والرجوع إليها.
النكبة الفلسطينية لخصّها مسعود ابن الشيخ يونس في التغريبة الفلسطينية: "كل ما بنوكل ضربة منقول هاي حصتنا، مضلّش غيرها، منعود منوكلها، منقول أكثر من هيك مش ممكن يصير، العجيب أنه بعد الزعل والمقت منشعر بشوية راحة، منقول اللي علينا خلصناه، أعطل من اللي صار مش ممكن يصير، مضلّش إلا الأحسن، منعود منوكلها".
ولليوم بنوكلها!