لا تلبث النّفايات أن تغيب عن الشّوارع اللبنانية حتى تعود مجدّدًا وبزخمٍ أكبر. النّفايات العابرة للطوائف والمصالح والمناطق، ظهرت الأسبوع الماضي من جديد، في غزوةٍ للشوارع سببها تمنّع عمال سوكلين عن أداء مهامهم، وذلك بعد تأخّر الشّركة في الإيفاء بحقوقهم، فأضرب هؤلاء، وتجددت الكارثة.
تطور مشكل النفايات من جديد في لبنان بعد امتناع عمال سوكلين عن أداء مهامهم وذلك بعد تأخر الشركة في الإيفاء بحقوقهم، وتجددت الكارثة
نهر النّفايات المشهور، الذي احتل شاشاتٍ عالميةٍ كـ"CNN" و”Fox News” وغيرها، أوجد شريكًا له، هذه المرّة، على شكل جسرٍ أبيض اللون، يتسامر مع المارّة والعالقين بزحمة السّير. عدم رفع النّفايات وتفاقم الأزمة، مع غياب الحلول وانشغال السّياسيين بانتخاب رئيسٍ جديد، يطرح عدّة تساؤلاتٍ حول ما ستؤول إليه الأمور فيما يخصّ الملف الصّحي، فوجود النّفايات يفرض وجود أمراضٍ جديدة، كالطّفح الجلدي والكوليرا وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: "ميليشيا سوكلين".. "بلطجة" الأمر الواقع اللبنانية
بحكم قربها من مجاري الأنهار والجداول، تختلط النّفايات بالمياه، وتعتبر مياه النّفايات بيئةً خصبةً لاستقطاب وتكاثر الأحياء المجهرية، والتي وصل عددها إلى قرابة المليار في المليليتر الواحد من الماء، بحسب مدير عام مصلحة الأبحاث الزراعية في لبنان.
فبعد سنةٍ ونصف من أزمة النّفايات المستمرّة، تخلّطت رواسب المواد مع الأرض، وتسرّبت للمياه الجوفية، ومياه الأنهار. مؤخّرًا، بدأ المواطنون في الشكوى من ظهور علاماتٍ لطفحٍ والتهابٍ جلدي عندهم، وظهور حشراتٍ كبيرة، ترتبط النّفايات بشكلٍ أساسي بأسباب هذه العوارض، كالالتهابات الجلدية والرّئوية، والتي تتسبّب بها بالأصل، بكتيريا staphylococcus وpseudomonas التي وصلت عددها إلى ما بين المليون والأربعين مليون في المليليتر الواحد، أي أن أزمة النّفايات وإن انتهت شكليًا، أي برفعها، تحتاج لعملٍ وجهدٍ لتخطّي نتائجها، خاصّة النّتائج بعيدة المدى، وموجات البكتيريا المتكاثرة.
وجود النّفايات المتواصل في شوارع لبنان يفرض وجود أمراض جديدة، كالطّفح الجلدي والكوليرا، وهذا ما يثير قلق المواطنين
في الآونة الأخيرة، كثُر استخدام مصطلح "السّالمونيلا" في لبنان، بعد الحملة الصّحية التي قادها وزير الصّحة وائل بو فاعور على المطاعم ومحلات الجزارة وغيرها، والسّالمونيلا جنسٌ من العصيات المعوية سلبية الغرام لا تشكل أبواغًا وتنتج كبريت الهيدروجين، وهي جنسٌ مرضي، تظهر علامات الإصابة به عمومًا خلال 8-12 ساعة بعد تناول الطعام المصاب بالسّالمونيلا أو المياه الملوّثة.
اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. من غرفة الإنعاش
ومن الأعراض ألم في البطن والإسهال، وأحيانًا الغثيان والقيء. الأعراض تستمر ليوم أو أقل، وعادة ما تكون خفيفة. يمكن أن تكون أكثر خطورة عند كبار السّن أو الأطفال، بالمحصّلة، في حين أن "السّالمونيلا" يجب أن تكون معدومة الوجود في المياه، لكن تسرب النّفايات للمياه سمح بنموّها أيضًا، بما تحمله من مخاطر وأضرارٍ صحّية، علمًا وأن نسبة التّلوث في المياه الجوفية تتراوح ما بين 60 و70%.
رمي النّفايات الطّبية والصّناعية، يسمح للزئبق بالتّواجد أيضًا، مع أنّه لا يعطي مؤشرات عند تعرض الإنسان له، لكن، وفي حال تراكمه في الجسم لسنوات عدة، يؤدي إلى أمراض مستعصية عصبيّة، على عكس الجراثيم التي تعطي مؤشرات خلال 48 ساعة كحد أقصى.
يلجأ اللبناني لحرق النّفايات، منعًا لتراكمها وظنًا منه أن حرقها سيقيه مخاطرها، لكن العكس هو الصحيح، فحرق النّفايات مفاعيله سلبية، لن تظهر كلّ الآثار مباشرة، فنتيجةً لحرق النّفايات وانبعاث الملوّثات في الهواء، إضافةً إلى تلوّث المواد الغذائيّة، يتوقّع أن تزيد نسبة السّرطان والأمراض المزمنة، كما التّشوّهات الخلقيّة في السّنوات القادمة، في تكرارٍ للحالات التي ظهرت في مدينة نابولي الإيطاليّة، والتّي لا تزال حتّى اليوم تحاول أن تتعافى من آثار أزمة النّفايات، بعدما ازدادت التّشوّهات الخلقيّة فيها بنسبة 80%، وسرطان الثّدي بنسبة 47%.
أمام الحكومة خياراتٌ عديدة، إذا أرادت العمل طبعًا، ليس آخرها فرض إعادة التّدوير ومراقبة تطبيقه، ومعاقبة كلّ من ينشأ مكبًا عشوائيًا أو محرقةً لنفاياته، بانتظار إيجاد حلٍّ علمي للنفايات، باعتبار أن بعض الدّول تستخدم نفاياتها لتوليد الطّاقة.
اقرأ/ي أيضًا: