عادةً ما تكون النّوادي الأدبية التّابعة لدور الثقافة الحكومية في الجزائر، مجرّد واجهات لصرف المال العام، وخدمة الأقلام الموالية للإدارة وإعطاء انطباع بأن هناك نشاطًا. إنّ معظمها يعمل بروح المثل الشّعبي القائل: "صَيْحَتْ والله يلا حلبت"، أي أنّ المهمّ عند المتباهين من امتلاك شاةٍ أن يسمع الجيران الثغاء في زريبة البيت حتى وإن كانت لا تدرّ حليبًا.
عادةً ما تكون النّوادي الأدبية التّابعة لدور الثقافة الحكومية في الجزائر، مجرّد واجهات لصرف المال العام
بل إنّ بعض هذه النّوادي، التي تملك حصانة الإدارة الحكومية وإمكانياتها بات عائقًا أمام المواهب الجيّدة والجادّة المالكة لمشروع حقيقي، ذلك أنّ المشرفين عليها من أنصاف المواهب، الذين يصبح همّهم الأكبر أن يظهروا على حسابها، فيعمدوا إلى تهميشها وتشويهها وتثبيطها بالاشتغال على الأسئلة المترهلة.
اقرأ/ي أيضًا: سؤال الحداثة بين الرّؤية الغربية والتلقّي العربي في الجزائر
في سياق الاستثناء، بعثت دار الثّقافة في مدينة برج بوعريريج، 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، ناديًا أدبيًا كان متخصّصًا في الأدب النّسوي تمخّض عنه ملتقًى وطني في هذا الباب. لكنّ معطياتٍ موضوعية منها قلّة الأقلام النّسوية في المدينة حملت مديرية دار الثّقافة على تغيير اسمه واهتمامه، ليصبح شاملًا لكلّ أجناس الكتابة الأدبية. وأوكلت مهمّة إعداد جلساته نصف الشّهرية وتقديمها، قبل عام، للرّوائي والشّاعر محمّد رفيق طيبي (1991).
في فترة وجيزة، بات النّادي شبيهًا بأسرة حميمة للشّعراء والقصّاصين والرّوائيين والنّقاد والمترجمين، بعد ركود شهدته المدينة، إذ باتت العبارة الأكثر شيوعًا بين المهتمّين بالقراءة والكتابة "لسنا نلتقي". يقول محمّد رفيق طيبي: "كان يجب، في ظلّ حالة الغربة هذه، أن تطلع مبادرة غير خاضعة للحسابات الضيّقة ومبرمجة على الرّغبة الفعلية في لمّ شمل المواهب وتمكينها من أن تفيد وتستفيد". يضيف: "علينا أن نتجاوز واقعًا جزائريًا مزعجًا يفتقر إلى نوادٍ ثقافية حقيقية، ويعاني من كثير ممّا هو موجود منها بالنّظر إلى قيامها على تصفية الحسابات. لقد آن لخطاب المحبّة أن يهيمن على نوادينا وملتقياتنا ومهرجاناتنا".
لفتت جلسات النّادي المسرحيين والسّينمائيين والتّشكليين والموسيقيين، يقول محدّث "الترا صوت"، فباتوا يحضرونها ويشاركون في نقاشاتها المفتوحة، بما يؤشّر على أنّ هناك شراكاتٍ فنّيةً بين الفاعلين في هذه الحقول ستعلن عن نفسها قريبًا. يسأل صاحب ديوان "أعراس الغبار": ما الذي يمنع تجربة شعرية من التماهي مع تجربة تشكيلية، أو من تماهي تجربة سردية مع تجربة مسرحية؟ إنّ التجارب الإبداعية، التي لا تقوم على محاورة مختلف الفنون مجرّد شطحات في الهواء".
محمّد رفيق طيبي: علينا أن نتجاوز واقعًا جزائريًا مزعجًا يفتقر إلى نوادٍ ثقافية حقيقية
من هنا، يقول محمّد رفيق طيبي، سيبعث النّادي ورشاتٍ تكوينية في أجناس الكتابة الأدبية من شعر وقصّة ورواية وسيرة ذاتية وأدب رحلة ونصّ مسرحي وسيناريو، يؤطّرها مبدعون ذوو خبرة في الكتابة المنفتحة على الأشكال والأنفاس والهواجس والأسئلة الجديدة، "علينا أن نقطع مع منطق استقدام الكاتب ليقرأ في قاعة عدد مقاعدها أقلّ من عدد جمهورها، وندخل إلى مرحلة يحكمها منطق التفاعل واستقطاب محبّين جددًا للإبداع الأدبي". يشرح فكرته: "لا أفهم أن يتحمّس رجال الدّين والسّياسة والرّياضة للعمل على توسيع دائرة المهتمّين، بينما يكتفي رجال الفنّ والثّقافة والأدب بالتحسّر على انحسار منسوب المقروئية! إنهم يتّهمون المنظومات كلها ما عدا أنفسهم وكأنهم ليسوا طرفًا في الرّهان!".
اقرأ/ي أيضًا: منصّة رقمية للجوائز الأدبية في الجزائر
من جهته، يقول مدير دار الثّقافة ساعد ميهوبي إنه إذا استطاعت الحكومة أن تبني دُورًا ومراكز للثقافة في كلّ تجمّع سكّاني تقريبًا، وتجهزها بأحدث الوسائل، فإنها لا تستطيع أن تحلّ محلّ النّخبة المثقفة في تفعيل المشهد، "إنّ هناك تراجعًا لروح المبادرة لدى مثقفينا، قابله إنجاز منشئات ثقافية كثيرة في البلاد، ممّا جعل بعضها مجرّد جدران بلا روح، أو تنحاز لمهامّ غير المهامّ التي وجدت من أجلها". يختم: "إنّ التّحلّي بروح المبادرة والاقتراح واحد من شروط تحقّق صفة المثقف".
اقرأ/ي أيضًا: