صارت حوادث الانتحار مألوفة عند المغاربة، إذ بين الحين والآخر تتردد هذه الكلمة على مسامعهم، سواء عبر الأخبار التي يقرؤونها على الصحف والمجلات، أو عبر المذياع والتلفزيون أو حين سماع الخبر من أفراد يلتقونهم في حياتهم اليومية. والأصعب عندما يكون المنتحر طفلًا بريئًا قرر أن يضع حدًا لحياته، مما يدفعنا لطرح تساؤلات عديدة؛ فما السر وراء انتحار الأطفال وارتفاع نسبته في المغرب؟
تتعدد حوادث انتحار الأطفال في المغرب مما يثير مخاوف الأهل والمختصين من تفاقم الظاهرة وانتشارها في ظل غياب للأرقام والإحصاءات
تتعدد أسباب انتخار الأطفال في المغرب، لكن يصعب على المقربين من المنتحر معرفة حجم المعاناة التي يعاني منها الطفل الذي يقرر فجأة أن يضع حدًا لحياته، والتي غالبًا ما تكون عبر شنق نفسه.
اقرأ/ي أيضًا: نورهان حمود.. جدل تصاعد الانتحار في لبنان مجددًا
عثمان، والد مريم، الطفلة التي انتحرت قبل أربع سنوات، يرفض الحديث مطولًا عن الموضوع، فالجرح يأبى أن يلتئم، خصوصًا وأن المجتمع المغربي لا يزال ينظر إلى المنتحر، مهما كان سنه ووضعه، على أنه مذنب، حتى وإن كان طفلاً، فسينهالون على أسرته بالأسئلة المحرجة عن السبب وراء الانتحار عدا عن الاتهامات وأشكال سوء الظن.
قبل أربع سنوات، فوجئت أسرة مريم، وهي طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها 11 سنة، بانتحارها شنقًا، بالدار البيضاء، وسط المغرب. حينها لم يستوعب أحد الحادث المأساوي والأسباب التي دفعت الطفلة للانتحار. يحكي والدها لـ"الترا صوت": "لم أكن أتخيل يومًا أنني سأعيش هذه الواقعة التي ساهمت في تغيير حياة أسرة بكاملها".
يقول عثمان بنبرة حزينة، لـ"الترا صوت": "كنت أتمنى أن تعود بي الأيام وأتقرب من مريم، واستغل كل الفرص المتاحة لأكون معها أكثر". يستطرد قائلاً:" لم أتصور أنها من الممكن أن تفعلها، فهي حنونة، لا تستطيع إيذاء أي شخص، فكيف يمكن لهذه الطفلة البريئة أن تقتل نفسها".
عثمان كغيره من المغاربة يسمع بين الفينة والأخرى عن خبر مفاده شنق شاب لنفسه، أو عن سيدة ألقت بنفسها أمام سكة القطار، لكنه لم يتخيل أن تقدم ابنته مريم على الانتحار. يقول عثمان في هذا السياق، لـ"الترا صوت": "كانت طفلة عادية في نظري، صحيح أنها كتومة وانطوائية، إلا أنني اعتبرت أن الأمر عادي، تعيش مريم رفقة شقيقتها حياة طبيعية مثل باقي الأطفال".
بعد الحادث، انفصل عثمان عن زوجته، فالأخيرة لم تستطع الاستمرار مع زوجها تحت سقف واحد، فقد تأثرت كثيرًا بوفاة طفلتها بتلك الطريقة، تلوم نفسها وتؤكد أنها "سبب انتحار طفلتها"، ودخلت إثر ذلك في نوبات عصبية.
لا توجد أرقام رسمية تخص الانتحار بالمغرب، سواء المتعلقة بأشخاص راشدين أو الأطفال، إلا أن المختصين يدقون مؤخرًا ناقوس الخطر
أما عثمان فلم يسلم من ثرثرة الجارات وأفراد العائلة ونظراتهن المريبة له، فبين الحين والآخر يتناهى إلى سمعه بعض التعليقات القاسية من طرفهن. يقول: "أحاول أن أتأقلم مع واقع حياتي الجديد، لكن المجتمع لا يكف عن تذكيري بما حدث"، ويضيف: "أحيانًا أسمع همسات الجيران، صحيح أنهم لا يترددون في مواساتي، لكنهم في المقابل يزعجونني بتعليقاتهم".
اقرأ/ي أيضًا: مذكّرات قبل الانتحار
حاول عثمان أن يستشير أحد الأخصائيين عن سبب انتحار طفلته، لكن لا توجد أسباب واضحة تدفع الأطفال إلى الانتحار. تقول الأخصائية النفسية خديجة شدادي لـ"الترا صوت": "يحاول الطفل أن يرسل إلينا عادة رسائل مفادها أنه في القريب العاجل سينهي حياته، لهذا يجب علينا أن ننتبه للتصرفات المفاجئة لأطفالناعندما يظل الطفل حبيس غرفته، أو فجأة يصبح عدوانيًا، ولا يتحدث إلا نادرًا، وتتغير معاملته مع الآخرين خصوصًا أفراد أسرته، فهذه كلها رسائل يجب أن ننتبه إليها".
لا توجد أرقام أو إحصائيات رسمية تخص الانتحار بالمغرب، سواء المتعلقة بأشخاص راشدين أو الأطفال، إلا أن المختصين النفسيين والحقوقيين يدقون مؤخرًا ناقوس الخطر حول عدد المنتحرين مغربيًا، والذي يرتفع بشكل مستمر.
كما يؤكدون أن على وزارة الصحة أن تهتم بشكل مستعجل بظاهرة الانتحار وانتحار الأطفال في المغرب، والتي تتنامى يومًا بعد يوم. تعلق في هذا الشأن خديجة شدادي وتقول: "ظاهرة الانتحار يجب أن تقلق المسؤولين، لاسيما وأن الانتحار مشكل وطني، فيجب على وزارة الصحة أن تبحث عن استراتيجية لمعرفة الرقم الحقيقي للمنتحرين ودراسة هذه الحالات". وفيما يتعلق بالأمراض النفسية التي تساهم في بلوغ حالة الانتحار، يؤكد المختصون وجود ثلاثة أمراض نفسية أساسية بالمغرب، في مقدمتها الاكتئاب، ثم مرض الفصام، وثالثًا الاضطراب ذو القطبين.
اقرأ/ي أيضًا: