04-يونيو-2024
البرلمان الأوروبي وقضية فلسطين

(Getty) نسبة المشاركة في انتخابات الاتحاد الأوروبي كانت في كثير من الأحيان أقل بين الأقليات، لكن حرب غزة قد تكون دافعًا هذه المرة

تكشف انتخابات البرلمان الأوروبي عن صراع يدور حول السياسة الخارجية يرتبط في قضية فلسطين، باعتبارها واحدةً من أبرز المواضيع الحاضرة في السياسة الخارجية الأوروبية.

ويتقاطع تأثير الانتخابات الأوروبية مع قضية فلسطين، نتيجة وجود مجموعات عربية ومسلمة ومتضامنة مع القضية الفلسطينية، توجه تصويتها في الانتخابات على هذا الأساس.

وبحسب تقرير لـ"رويترز"، فإن هذه القضية تصبح حاضرةً بشكلٍ أكبر في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي. وافتتح التقرير، بحديث عن شاب من أصول مغربية وباكستانية، كان يعتزم التصويت لصالح حزب الخضر في انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستعقد نهاية هذا الأسبوع. وبدلًا من ذلك، سوف يلقي دعمه إلى حزب "ميرا 25" (Mera25)، وهو حزب يساري ناشئ يتمتع بموقف واضح مؤيد للفلسطينيين.

قضيّة فلسطين تحضر بشكل كبير في انتخابات البرلمان الأوروبّيّ، وتساهم في توجيه الأصوات وتحويل أنماط التصويت

وقال الشاب نادر أسلم (33 عامًا) لـ"رويترز" إن تحول موقفه جاء نتيجة خطاب ألقاه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي زعيم من حزب الخضر يؤكد فيه الدعم الألماني لإسرائيل، حتى مع اقتراب عدد الضحايا في غزة من 9000، وهو ما "دمر" دعمه للحزب.

ويوضح تقرير "رويترز": "يمثل هذا التحول في الدعم، والذي تردد صداه في مختلف أنحاء أوروبا، أحدث تهديد، وهذه المرة من اليسار، للأحزاب السياسية الرئيسية التي يتعرض مشروعها لتعميق التكامل الأوروبي بالفعل للهجوم من قِبَل اليمين المتطرف".

ويشير التقرير إلى أن هذا الاتجاه لا يقتصر على المجتمعات الإسلامية والعربية، بل يتجه للأشخاص من أصحاب الميول اليسارية، الذين ينتقدون المعايير الأوروبية المزدوجة.

وقالت سميرة عزبار، عالمة الاجتماع بجامعة رادبود في هولندا: "لدينا صعود في أحزاب اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، (الأمر الذي سيعيد) تشكيل المشهد السياسي في أوروبا، وتوازن القوى بين العديد من الأحزاب".

وأضافت أن هذا قد يكون له نتائج على موقف الاتحاد الأوروبي من إسرائيل ويدفع سياسات تمنح المزيد من سلطة اتخاذ القرار على المستوى الوطني. واعترفت إسبانيا وأيرلندا العضوان في الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية وكذلك حكومة سلوفينيا بانتظار موافقة البرلمان.

وفي حين أن شعبية اليمين المتطرف آخذة في الارتفاع في السنوات الأخيرة، تظهر الاستطلاعات أن الأقليات تصوت بشكل أكبر لصالح اليسار الراديكالي مع انجراف الأحزاب الرئيسية نحو اليمين بشأن قضايا مثل "الهجرة والقيم الثقافية".

أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس الشهر الماضي أن اليمين المتطرف سيحقق أكبر المكاسب في الانتخابات المقررة في الفترة من 6 إلى 9 حزيران/يونيو، مع حصول مجموعة اليسار في جمعية الاتحاد الأوروبي على ستة مقاعد إضافية، على حساب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، وحزب تجديد أوروبا.

وفي فرنسا، ركز حزب "فرنسا الأبية" اليساري حملته على موقف مؤيد للفلسطينيين في محاولة لكسب الناخبين المسلمين واليساريين، حسبما قالت بلاندين تشيليني بونت، المؤرخة في جامعة إيكس مرسيليا.

وهو يسعى إلى فرض حظر على الأسلحة، وعقوبات على إسرائيل، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعلى النقيض من الجماعات اليسارية الأخرى، يمتنع عن وصف حماس بأنها جماعة "إرهابية". ومن بين الناخبين المسلمين في فرنسا، تبلغ نسبة التأييد 44% مقارنة بحصة 8% من إجمالي الناخبين.

ويسعى الاشتراكيون الفرنسيون أيضًا إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنهم لا يشاركون موقف الجبهة بشأن حركة حماس.

وقال رافائيل جلوكسمان، المرشح الاشتراكي البارز، لـ"رويترز" إن "فرنسا الأبية لها علاقة بالعنف وهي ليست على ما يرام"، مضيفًا أن صعوده في استطلاعات الرأي إلى المركز الثالث بنسبة 14% يرجع جزئيا إلى اختياره النأي بنفسه عن حزب فرنسا الأبية.

وفي ألمانيا، تعمل الأحزاب الناشئة المؤيدة للفلسطينيين على المساهمة في تآكل الدعم لحزب الخضر الألماني والديمقراطيين الاشتراكيين، وهما من الأحزاب الرئيسية التي حافظت على دعم قوي لإسرائيل.

وبصرف النظر عن حزب ميرا 25 (Mera25) اليساري، تشمل الأحزاب الناشئة الأخرى المؤيدة للفلسطينيين مجموعات محافظة اجتماعيًا مثل DAVA وBIG والحزب المشكك في الاتحاد الأوروبي BSW، الذي يريد فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل بينما يدفع بسياسات مناهضة للهجرة.

وتلبغ نسبة مؤيدي حزب BSW في استطلاعات الرأي 7%، وهم أكثر احتمالًا بنسبة 50% للاعتراف بالدولة الفلسطينية مقارنة بالناخبين الألمان بشكل عام.

وفي إسبانيا، حيث تعود التوترات مع إسرائيل إلى عهد فرانكو، فإن اعتراف الحكومة بالدولة الفلسطينية يعزز الدعم للأحزاب في الائتلاف الحاكم، أي الحزب الاشتراكي، وحزب سومار اليساري الراديكالي.

وقال ديفيد هيرنانديز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، إن "القضية الفلسطينية أصبحت محور النقاش السياسي في إسبانيا".

وأشارت عزبار من جامعة رادبود إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات الاتحاد الأوروبي كانت في كثير من الأحيان أقل بين الأقليات مقارنة بعامة السكان، لكن حرب غزة قد تكون دافعًا هذه المرة.

تتمتع قضايا السياسة الخارجية بسجل حافل من التأثير على تصويت الأقليات. وفي عام 2016، خسر الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا حوالي 100 ألف ناخب تركي بعد الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في الحرب العالمية الأولى، حسبما قال تيفيك أوزجان، رئيس حزب "DAVA"، وهو حزب جديد يستهدف الناخبين الأتراك في الشتات.

وقال أوزجان، وهو عضو سابق في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إن حزبه عرض خيار التصويت الاحتجاجي الذي لم يكن موجودًا حتى الآن.

وأضاف: "الألمان لديهم الفرصة ليقولوا: حسنًا، سأصوت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا (اليميني المتطرف) احتجاجًا. لا يمكن للمسلمين أن يفعلوا ذلك".

وأظهر استطلاع أجراه معهد العلوم السياسية في جامعة دويسبيرج-إيسن في كانون الأول/ديسمبر الماضي أن واحدًا من كل ثلاثة مسلمين ألمان لا يشعر بأنه ممثل في أي حزب.

ويتردد صدى الشعور الجديد بالتمثيل السياسي لدى الناخبين الفرنسيين أيضًا. وقد رشح حزب فرنسا الأبية المحامية الفرنسية- الفلسطينية ريما حسن، التي تحضر الاحتجاجات وتنشط على وسائل التواصل الاجتماعي وتقدم التماسًا إلى الاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.

وتنقل رويترز، عن طاهية فرنسية-مغربية، قالت إنها لم تصوت قط في أي انتخابات أوروبية لكنها ستفعل هذه المرة. وأوضحت: "ربما التصويت هو عمل من أعمال المقاومة. أنا لا أعرف كل النقاط المتعلقة ببرنامج ’فرنسا الأبية’ ولكن ما تقوله هي وأعضاؤها الآخرون عن فلسطين هو أمر عادل".