افتتحت يوم الجمعة 22 أيلول/ سبتمبر 2017، في مدينة الحمامات التونسية، أعمال الدورة السادسة من المؤتمر السنوي لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي: "الجيل والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي"، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين العرب من تخصصات علمية وأكاديمية مختلفة.
كان للشباب دور بارز في الثورات العربية الأخيرة لذلك كانت دراسة مسألة الجيل خلال مراحل الانتقال الديمقراطي أمرًا في غاية الأهمية
وقد أشار الدكتور مهدي مبروك، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (فرع تونس)، في كلمته الافتتاحية، إلى الدور الكبير للشباب، وحضورهم المكثف خلال ثورات الربيع العربي. وهو أمر يجعل من دراسة مسألة الجيل خلال مراحل الانتقال الديمقراطي أمرًا في غاية الأهمية. وبعد الوقوف على تعثر آمال الشباب وتجاربهم بعد انتكاس مسار الثورات العربيّة، نوه مهدي مبروك إلى أن المؤتمر سيخوض في مجموعة من الأسئلة الهامة من قبيل: هل يكفي الإقرار بالصراع الجيلي لفهم المآلات التي صار عليها الانتقال الديمقراطي؟ وهل يمكن للمقاربة الجيلية أن تتصدى لتفسير ما حدث وما سيحدث؟
وفي السياق ذاته أشار الدكتور عبد الفتاح ماضي، منسق المؤتمر والباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، خلال الجلسة الافتتاحية إلى أهمية انعقاد المؤتمر في تونس، والتي برهنت تجربتها على أن الديمقراطية في العالم العربيّ ممكنة، إذا ما توافر التوافق بين الفرقاء السياسيين، وتمسك الجميع بإدارة الخلافات بالطرق السلمية.
وأكد عبد الفتاح ماضي أن عنوان المؤتمر "الجيل والانتقال الديمقراطي" يبرز أهمية دراسة دور الشباب في هذه الثورات ومدى انخراطه في تعزيز المحاولات الناشئة لبناء ديمقراطية حقيقية في الدول العربية، ما يضعه على رأس الأجندة البحثية للمركز العربي، الذي ينظم سنويًا مجموعة هامة من الفعاليات العلمية والأكاديمية والبحثية، تهدف إلى إثراء وتعزيز الجهود البحثية في دراسة المجتمعات العربية والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، وتقديم المقاربات الملائمة لمعالجتها.
اقرأ/ي أيضًا: شباب تونس والتحزب.. عزوف ومخاوف
وقدم عبد الفتاح ماضي بعض التفاصيل بشأن مسار المؤتمر منذ الإعلان عنه، وأشار إلى أن اللجنة العلمية استقبلت نحو 160 مقترحًا بحثيًا، قبلت في المرحلة الأولى ما يربو عن 100 منها. كما استلمت 94 بحثًا علميًا أقرت منها 37 بعد إخضاعها لعملية التحكيم العلمي والأكاديمي وفق الشروط المتبعة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
ينعقد المؤتمر السنوي لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي في تونس وهي التي برهنت أن الديمقراطية في العالم العربي ممكنة
الجيل: عن المفهوم ومداخله
وعلى الفور، التأمت الجلسة الأولى المعنونة "الجيل: مداخل مفاهيمية"، برئاسة الدكتور فرج معتوق. وكانت أولى المداخلات العلمية للباحث المنجي الزيدي، الذي تناول مفهوم الجيل وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب. انطلق الزيدي من أن الجيل مصطلح "مفهوم رخو"، منتقدًا استخدامه في حدود مفهومه البيولوجي. وأشار إلى أن ذلك يفتقد إلى الدقة الواجبة، منوهًا إلى ضرورة التمييز بين أنواع الجيل والوحدات الجيلية.
وفي إجابته عن بعض القضايا النظرية المرتبطة بالمصطلح واستخداماته، أشار المنجي الزيدي إلى أن الجيل مفهوم عريق لكن حدوده غير ثابتة، فهو حدث اجتماعي مرتبط بالتطور الاجتماعي. أما مفهوم الجيل السياسي فيشير إلى وجود زمرة تتسم بوعي جيلي في مرحلة ما تقوم بعملية التعبئة السياسية تمهيدًا لإحداث التغيير على أن يتزامن ذلك مع وجود حدث مؤسس أو حدث مولد. وانتهى الزيدي إلى أن العرب استعملوا مفهوم الجيل حديثًا، ولم يزل مشحونًا بدلالة أخلاقية وأدبية تثير التفاضل والتمايز بهذا المعنى الذي يبطن التنافس والصراع والخلاف.
أما الدكتور أحمد التهامي عبد الحي، فقد عمد في ورقته البحثية إلى تفنيد المقولات النظرية المرتبطة بالجيل، وعلاقة التفاعل المتبادل بين المتغير الجيلي وسياقات التغير السياسي والانتقال الديمقراطي. وتوصل في نهايتها إلى مجموعة من الخلاصات لعل أبرزها: إنّ الجيل السياسي كمتغير مستقل لا يؤدي وحسب إلى تغيرات في الثقافة السياسية ويدفع بالمشاركة السياسية، بل يمكن من خلاله دراسة التنمية السياسية والتحول الديمقراطي. وبيّن أن المتغير الجيلي يساهم في حدوث تغيرات سياسية واجتماعية كبرى، وإن كان في الأصل ردّةَ فعل أو استجابةً للتغيرات المجتمعية والأحداث التأسيسية التي تخلق وعيًا وهويةً خاصّين بالجيل السياسي دون أن يعني ذلك ظهور جيل أكثر ديمقراطية.
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. شباب الثورة هذا زمانكم!
أما جابر القفصي، فقد عدّ "الجيل" حالة اجتماعيّة لا ترتبط بالضرورة بالفئة العمريّة، بل ترتبط من المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي قد تنتج أيديولوجيا شبابية حول قضية أو مسألة ما. وبهدي من التجربة التونسية، أكد القفصي أن المعطى التواصلي قد عوض الوعي التنظيمي، الذي تبحث عنه الأحزاب السياسية، وأن الأيديولوجيا الشبابية عوضت الأيديولوجيا الأبوية، فيما الأيديولوجيا الفردية عوضت الأيديولوجيا العائلية، وأكد أن النزعة المساواتية المميزة للأيديولوجيا الشبابية عوضت من جهتها النزعة التراتبية.
وبانتهاء عرض أوراق الباحثين، فتح الباب المداخلات النقاشية، التي ركز غالبها على أهمية تدقيق بعض المفاهيم والمقاربات التي تم تداولها على غرار "الجيل" و"المقاربة الجيلية" و"الجيل الرقمي" و"رأس المال الرمزي" وغيرها. وجرت الإشارة أيضًا إلى أن الجيل المعاصر قد أنتج العديد من المنجزات الهامة، ومنها الثورات. كما هذب بعض الأفكار القديمة؛ وبالتالي لا يمكن تهميش دور الشباب في السياق الحالي للمجتمعات العربية.
وقد تابع المؤتمر أعمال يومه الأول بثلاث جلسات أخرى ناقشت متغير الجيل الشبابي وعلاقته بالانتقال الديمقراطي في حالات عربية مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا:
عزمي بشارة: "الإجابة لا تزال تونس"