كيف يمكن للتلميذ أن يفكر ويقرأ ويكتب في مجال الفلسفة دون أن ينوب عنه المدرس في ذلك؟ للإجابة عن هذا السؤال تطرقت شانتال دمونك في مقالها المعنون بـ"الحلقات المفقودة" لفعل القراءة والكتابة الفلسفيتين لدى التلاميذ، حيث استلهمت الباحثة مقالها من مقولة بول ريكور مفادها أن "فعل القراءة هو التحام خطاب جديد يخاطب النص"، وحين يتعلق الأمر بالخطاب الفلسفي فإن التلميذ يكون مطالبًا بالتفكير والكتابة كما يفعل الفيلسوف، من هنا تبدأ الرحلة الشاقة: يجد التلميذ نفسه أمام الخطاب الفلسفي (النص) مثل شخص أمام لغة أجنبية لا يعرف منها سوى المبادئ الأولية (حروف الهجاء/ تركيب الجمل )، بينما "إذا أردنا أن نتكلم اللغة و نفهمها، لا يلزمنا فقط أن ننتمي الى مجال ثقافي و ذهني".
التلميذ الذي يدرس الفلسفة لأول مرة، مثله مثل ذلك الشخص الذي يتكلم لغة أجنبية بعتاد قليل
وهكذا فالتلميذ الذي يدرس الفلسفة لأول مرة، مثله مثل ذلك الشخص الذي يتكلم لغة أجنبية بعتاد قليل، إنه يترجم حرفيًا ما يتناهى إلى سمعه، ومن ثم يفهم الأشياء مغايرة لما يفهمه من يتكلم اللغة الأم.
اقرأ/ي أيضًا: الصراع من أجل الاعتراف
إن المفاهيم الفلسفية ترد في النص بلغة قد تكون عادية لدى التلميذ، لكنها تأخذ دلالات مخالفة لما تعود عليه: الأنا/ الشخص/ الغير/ الوعي... إلخ. لهذا فهو في حاجة الى تفكيك اللغة الفلسفية، بغية الوصول إلى نواتها التي تصدر منها "الإشعاعات المفاهمية"، واستخراج المعنى من النص يرتكز على الخبرة الشخصية للقارئ، وبما أن الخطاب الفلسفي يعالج عمومًا القضايا الكبرى التي تدور حول الوضع الإنساني أو مشكلة الوجود أو معنى الحياة... إلخ. فإن خبرات التلميذ تظل محددة ولا تساعده على فهم مثل هذه الإشكالات الكبرى. هناك إذن "حلقات مفقودة " بين الإشكال الفلسفي من جهة، وتجارب التلميذ وخبراته المعرفية من جهة أخرى، فما الحل؟
إن الحالة السابقة تحاكي إلى حد ما حالة الطفل أثناء تعلم اللغة، فماذا تعمل المدرسة الابتدائية بالضبط؟ إن الطفل لا يتعلم اللغة كلغة ـ فهو يجهل معنى اللغة وضرورة تعلمهاـ بل إن تعلمه إياها يتوافق فقط مع رغبته في معرفة الأشياء. ومعرفة "لا تكون موجهة للاسم في حد ذاته، بل إلى الشيء الذي يحتاج تسميته، وهو ليس في حاجة سوى لتثبيت بعض التمثلات عن الأشياء".
هنا لا يوجد تشابه بين الطفل الذي يتعلم اللغة والتلميذ الذي يتعلم الفلسفة، فالانتقال من اللغة العادية إلى اللغة الفلسفية عند متمدرس الثانوي، يحاكي الانتقال من حالة الشفوي إلى الحالة الكتابية عند الطفل إبان المرحلة الاولية، الانتقال الفلسفي يتلخص في تكسير الرمز المكتوب لكي يصبح دالًا، بتعبير ميشال فايول.
والانتقال من الرمز إلى الدلالة يحتاج امتلاك مجموعة من المؤشرات والمؤشرات المساعدة، تفضي إلى بيان منطق الحجاج الذي يؤسس النص، كما أنها ترسم معالمه، وبما أن الذاكرة محدودة فإن التوجه المباشر إلى الفكرة الرئيسية (الأطروحة) يكون مَعبرًا ضروريًا لعملية التفكيك من أجل الوصل إلى المعنى.
اقرأ/ي أيضًا: