28-يناير-2024
بابلو بيكاسو رسام ونحات الفن التكعيبي

بابلو بيكاسو والمدرسة التكعيبية

من الممكن الوصول إلى الغاية مع الإصرار لبلوغها حتى وإن تكالبت علينا المصاعب والظروف، ولكن، من الصعب تجاوز خذلان المحيطين ممن عليهم مدّنا بالقوة اللازمة للوصول، أما من كان القدر حليفه وحاز الدعم إلى جانب الإرادة والإصرار فكأنما حيزت له أسباب النجاح كلها، ولربما أصبح في يوم ما وهو يشار إليه بالبنان، تمامًا كما كان بابلو بيكاسو.

 

بابلو بيكاسو تلميذ أبيه

كان بابلو بيكاسو إسباني المولد والنشأة، الابن الأول لأمه ماريا بيكاسو وأبيه خوسيه رويث، وكان خوسيه رويث أستاذًا للرسم والتصوير في إحدى مدارس الرسم، كما كان أمينًا للمتحف المحلي كذلك، وتخصص في رسم الطيور والطبيعة، لذا، لم يكن الفن دخيلًا على عالم بيكاسو لاحقًا، بل كان من تكوين شخصيته، وأمرًا اعتاد عليه. وقد قدم خوسيه رويث لولده الدعم الكامل في كل ما يتعلق بالرسم والفن عامةً، حيث دربه على الرسم الزيتي ورسم الأجساد بشكل منضبط ومن نماذج حية، ونعلل ذلك لكونه أستاذًا أكاديميًا لا يهوى الرسم فقط بل يتناوله من زاوية أكاديمية معينة.

كان بابلو بيكاسو في سن الثالثة عشرة عندما أنهى رسمًا للوحة كان والده قد بدأها ولم ينهها بعد، أدرك خوسيه في ذلك الوقت أن ولده قد تفوق عليه، فأصبح شغله الشاغل تدريب بيكاسو أكثر والاهتمام به وبموهبته من ناحية أكاديمية، لذا، وبعد شغله لمنصب أستاذ للرسم في كلية الفنون الجميلة في برشلونة، وبعد محاولات ناجحة في إقناعه لجنة التحكيم في الكلية تمت الموافقة على تقدم بيكاسو لامتحان القبول للمستوى المتقدم، والذي أنهى متطلباته بأسبوع واحد بدلًا من الشهر كبقية المتقدمين، مما أثار إعجاب لجنة التحكيم، ومن هنا بدأ بيكاسو بالخروج من شرنقته للعالم الرحب.

تمت الموافقة على تقدم بيكاسو لامتحان القبول للمستوى المتقدم، والذي أنهى متطلباته بأسبوع واحد بدلًا من الشهر كبقية المتقدمين

بابلو بيكاسو الفنان الشاب

من قلب عاصمة الفن في أوروبا، باريس، مدينة النور، كانت البداية، حيث كانت أول رحلة لبابلو بيكاسو لخوض تجربته الخاصة في الفن بعد تعبئته وصقله بكل ما يحتاج إليه من أستاذه خوسيه رويث. وكأي شاب مبتدئ عانى بيكاسو في بداياته من الفقر بل ومن اليأس كذلك. استمرت إقامة بيكاسو في باريس خمسة أشهر تعلم فيها اللغة الفرنسية وولج عالم الأدب الفرنسي مما أضفى عليه ميزة جديدة لسبر أغوار الفن والأدب الفرنسي.

عاد بعد ذلك إلى مدريد ليؤسس مجلة مع صديقه سولير والذي كان يكتب المقالات للمجلة بدوره بينما عُني بيكاسو في الرسوم الكاريكاتورية. صور بيكاسو في رسومه معاناة الفقراء وأحوالهم مما جلب الأنظار إليه وأثار اهتمام العديد من النقاد، وعلى رأسهم ليو شتاين وأخته الكاتبة غيرترود شتاين. 

وبالإضافة لحبهم وإعجابهم برسوماته فقد كانا من جامعي لوحاته، وكانت الكاتبة غيرترود شتاين تعرض لوحاته في صالوناتها في باريس.

كان لدخول بيكاسو عوالم تجمعات الفنانين والصالونات الثقافية دور كبير لارتقاء درجة جديدة على سلم النجاح، حيث تعرف فيها على هنري ماتيس والذي أصبح صديقه ومنافسه لاحقًا، تعرف كذلك إلى إيتا كون وأختها كلاريبيل كون وهما أمريكيتا الجنسية ومن جامعي اللوحات كذلك.

بهذا بدأت شهرة بيكاسو تتسع شيئًا فشيئًا إلى أن شارك في معرض اللوحات في باريس برعاية من دانيال هنري كانفيلير، وقد كان راعيًا للفن وداعمًا للفنانين الشبان، كما تعرف على العديد من الشعراء والفنانين الفرنسيين مما زاد من سطوة حضوره في باريس.

 

بابلو بيكاسو الفنان العاشق

كانت حياة بابلو بيكاسو العاطفية مليئة بالمغامرات التي لم تنته حتى بعد تقدمه في العمر، ولقد كان لتغير النظم الأخلاقية والقيمية التي رافقت ثورة ما بعد الحداثة دور كبير في تعدد علاقات الفنان الشاب، ليس هو وحده بطبيعة الحال، ولكن، كان هذا أمرًا شائعًا عند كل أبناء جيله، فما بالنا إن كان نجمًا فنانًا شابًا. وكان لكل امرأة في حياة بيكاسو دور أساسي لعبته في فنه، والكثير من اللوحات رسمها معبرًا بها عن علاقة عاطفية مع هذه أو تلك، أبرزهن سبع نساء وهن:

  • فرنانده
  • إيفا
  •  أولغا كوكلوفا
  • ماري تيريزا
  • دورا
  • فرانسواز جيلو
  • جاكلين

 

بابلو بيكاسو رائد المدرسة التكعيبية

يقولون: "تتجدد نظرتك للحياة عندما تجدد أفكارك". من يتابع تاريخ النصف الأول من القرن العشرين سيلحظ حتمًا ثورة التجديد التي طرأت عليها من كل النواحي الفكرية، والتي بدورها انعكست على كل مظاهر الحياة الفنية والثقافية والقيمية، وكان للفن التشكيلي حظ وافر من هذا التجديد.

 

نشأة المدرسة التكعيبية

إلى جانب جورج براك ابتدع بيكاسو المدرسة التكعيبية، والتي ولدت من رحم المدرسة الانطباعية لرائدها كلود مونيه والذي كان له الدور الأكبر في تجديد النظرة لفن الطبيعة بشكل خاص، ولكن كيف نشأت المدرسة التكعيبية وما هو الأثر الذي خلفته في الفن التشكيلي لاحقًا.

كانت الرغبة في الخروج عن المألوف هي السبب الأول الذي دفع بيكاسو وجورج براك لابتداع المدرسة التكعيبية، وربما ساهم إتقانه للنحت في إرساء قواعد أكثر أكاديمية للوحات الفن التكعيبي من حيث اعتماد الشكل الهندسي والأبعاد المتوازنة، فما هي إذن أهم خصائص المدرسة التكعيبية؟

 

أهم خصائص المدرسة التكعيبية

بفرعيها التحليلية والتركيبية، للمدرسة التكعيبية خصائص ميزتها عن غيرها، ومنها:

  • اعتماد الأبعاد الهندسية في الرسم.
  • تشكيل الرسومات من مكعبات صغيرة ومربعات ومثلثات كذلك.
  • يغلب على اللوحة في الفن التكعيبي التحليلي أن تبدو وكأنها كاللوح الزجاجي المكسور والمجزء.
  • استخدام لون واحد في اللوحات المنسوبة للتكعيبية التحليلية على عكس التكعيبية التركيبية حيث يتجرأ الفنان فيها باستخدام الألوان أكثر.

  

أبرز أعمل الفنان بابلو بيكاسو

لبابلو بيكاسو العديد من اللوحات التي لا تحصى، إلا أننا سنذكر هنا أبرزها:

  • لوحة غيرنيكا – Guernica
  • لوحة  The Weeping Woman
  • لوحة Girl Before Mirror
  • لوحة عازف القيثارة العجوز
  • لوحة آنسات أفنيون
  • لوحة الموسيقيين الثلاثة

 

بابلو بيكاسو ما قبل الانطباعية وما بعدها

بدا لي من خلال مطالعتي لتاريخ حقبة النصف الأول من القرن العشرين أن الثورة في القارة الأوروبية كانت شاملة وعامة، ولكن لمَ عساي أقول هذا وما هي مناسبة القول؟

حسنًا، إذا ما ألقينا نظرة سريعة على النصف الثاني من القرن التاسع عشر سنجد أن ثورة التجديد بدأت من ذلك الوقت، ولكن، دون وعي أصحابها بها.

لم يقصد كلود مونيه مؤسس المدرسة الانطباعية إرساء قواعد جديدة بالفن، بقدر ما كان يطمح إلى التعبير عن نظرته للطبيعة من خلال الفن، وكان قادرًا بكل أمانة على إيصال إحساس اللوحة للناظر، ما حدث بعد ذلك من أتباع المدرسة التكعيبية وعلى رأسهم بطبيعة الحال بابلو بيكاسو كان غير ذلك تمامًا، لقد كانت ثورة تجديدية مع سبق الإصرار والترصد.

تجردت المدرسة التكعيبية من أساسيات الرسم التقليدي تمامًا، لذا أنشأت فنًا خاصًا بها قد يبدو للناظر غير مفهوم في معظمه على خلاف ما سبق من الانطباعيين الذين أرادوا التغيير ولكن وفق أسس واضحة، وبخطوات مدروسة.

انعكس أثر الثورة التجديدية الشاملة أو ثورة ما بعد الحداثة على كل نواحي الحياة الثقافية والأخلاقية والقيمية، وكان لها دور كبير في تقبل المجتمع للفكر الجديد الذي نادى به أصحاب المدرسة التكعيبية وأتباعهم، فلو أردنا المقارنة بين ما تلقاه الانطباعيون من تصدٍ عنيف لفكرهم الجديد في الفن وما تلقاه التكعيبيون من دعم وتبنٍ لفكرهم الجديد لأدركت حقًا أن لكل ثورة ضحايا وقد كان مونيه وأتباعه ضحايا تلك الثورة. 

توفي بيكاسو عام 1973 تاركًا ورائه إرثًا كبيرًا من فن عبقري غيّر منحى الفن التشكيلي عامة، وتسلل منه إلى مختلف الفنون البصرية فيما بعد، وما زال للآن من أكثر الفنانين المحبوبين خاصة عند الآسيوين. وربما ما يزيد من إعجابنا برحلة بيكاسو التي أوصلته في النهاية لابتكار المدرسة التكعيبية هو الإصرار على الوصول والرغبة في تحقيق شيء مختلف وجديد، إلا أنه من الصعب التغافل عن أن الظروف المحيطة ببابلو بيكاسو من دعم أبيه وانطلاقه من عاصمة الفن باريس وعلاقاته الوثيقة مع فنانين ونقاد دعموه وتبنوا موهبته، كان لها الأثر الكبير في دعم الفنان، وكانت بلا شك ظهرًا قويًا استند عليه للثبات.