من أبرز الكتاب الإيرلنديين الشباب، الذين حققوا نجاحًا على المستوى المحلي والعالمي، في سن مبكرة جدًا، جاءت سالي روني برواياتها الثلاثة، لتضيف إلى عالم الأدب نصوصًا تخاطب الشباب بلغتهم وتعرض مشكلاتهم، ومشاعرهم، وتخبطهم في هذا العالم الذي يمور بهم دون استقرار.
برعم يتفتح
ولدت سالي روني في الـ20 من شباط عام 1991، في مقاطعة مايو الإيرلندية، وهي الابنة الثانية لأب يعمل في مجال الاتصالات، وأم تعمل مديرة مركز فنون. تلقت تعليمها في كلية ترينيتي، ونالت شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية. وقضت فترة في نيويورك لدراسة السياسة، لكنها تركت السياسة وأكملت دراسة الأدب الأمريكي، وتخرجت بدرجة الماجستير عام 2013.
برزت روني أثناء دراستها في الجامعة بوصفها مناظِرة، واستحقت لقب المناظِرة الأولى في بطولة مناظرات على مستوى الجامعات الأوروبية.
كانت بدايتها مع الكتابة مبكرة جدًا، ففي سن الـ 15 كتبت نصًا أقرب إلى السيرة الذاتية، لكنها تخلت عنها، لكن هذه التجربة صقلت مهارتها، فاستطاعت أثناء مرحلة الماجستير كتابة نص يزيد عن 350 صفحة خلال 3 أشهر، كان روايتها الأولى فيما بعد.
سالي روني ليست روائية فقط، بل هي كاتبة قصص قصيرة ومقالات، ولها أشعار أيضًا. ورغم أنها ابتدأت مشوارها العملي كإدارية في مطعم، إلا أنها بعد نشر روايتها الأولى اشتغلت محررة وكاتبة مساهمة في مجلة أدبية إيرلندية، وأشرفت على عددين في المجلة.
أصبحت رواية أناس عاديون على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة، وبيع منها 64 ألف نسخة خلال 4 أشهر فقط، كما صُنفت كأفضل الكتب في العقد الأول من القرن الحالي.
شهرة واسعة في وقت قياسي
كانت بداية دخول سالي روني إلى عالم الشهرة ككاتبة بارزة في الوسط الشبابي مع رواية (محادثات مع الأصدقاء) عام 2017، ثم بعد عام ألحقتها بالرواية الثانية (أناس عاديون) عام 2018، حتى كتبت آخر رواياتها حتى الآن وهي رواية (أيها العالم الجميل، أين أنت؟)
رواية محادثات مع الأصدقاء
كانت هذه الرواية باكورة أعمال سالي روني التي تُنشر، والتي جعلت اسمها محط الأنظار، إذ تنافست 7 دور نشر على أخذ حقوق نشر الرواية، ونشرت في 2017، وحصلت على عديد من الترشيحات والجوائز.
- 2017 فازت الرواية بجائزة الصنداي تايمز، وجائزة بيتر فرازر ودانلوب للكاتب الشاب.
- 2018 رشحت لجائزة جامعة سوانسي الدولية، وفازت بجائزة فوليو في العام نفسه
تعرِض رواية محادثات مع الأصدقاء قصة صديقتين تتعرفان على مصورة وكاتبة مقالات وزوجها الممثل، وتروي كيف تتشابك العلاقات وتتورط المشاعر، في الدائرة التي تضم أربعتهم.
لم تحظَ الرواية بالإشادة فقط، بل وحوّلت إلى مسلسل تلفزيوني من 12 حلقة في 2020.
يُذكر أن هذه الرواية لم تُترجم إلى العربية.
رواية أناس عاديون
رواية سالي روني الثانية أناس عاديون كانت نقطة انطلاق شهرة الكاتبة في الأوساط الأدبية خارج إيرلندا، إذ أصبحت على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة، وبيع منها 64 ألف نسخة خلال 4 أشهر فقط، كما صُنفت كأفضل الكتب في العقد الأول من القرن الحالي. كما كانت هذه الرواية العمل الأول لروني الذي يُقتبس لعمل تلفزيوني 2020، حصد 4 جوائز إيمي.
- 2018 أُدرجت رواية أناس عاديون في القائمة الطويلة لجائزة المان بوكر، وكذلك حصدت الرواية لقب (جائزة العام الإيرلندية) في حفل جوائز الكتاب الإيرلندي.
- 2019 أُدرجت الرواية ضمن القائمة الطويلة لجائزة ديلان توماس، كما فازت الرواية بجائزة كوستا للكتاب عن فئة الرواية، وأما الكاتبة ففازت بجائزة المرأة للأدب في العام نفسه.
تروي رواية أناس عاديون قصة حبيبين ينتمي كل منهما إلى طبقة اجتماعية، في فترة الركود الاقتصادي الذي عصف بإيرلندا، فالبطلة ماريان تنتمي للطبقة العليا، والبطل ينتمي إلى طبقة متواضعة، فأمه تعمل خادمة في منزل ماريان.ورغم أنه يتمتع بالكاريزما والذكاء والوسامة والشعبية في المدرسة على عكس ماريان الانطوائية رغم تفوقها الدراسي، إلا أنه في سنوات الجامعة يعجز عن الانخراط مع الطبقة التي تنتمي إليها ماريان وترتاح بصحبة أصدقائها المنتمين إلى نفس الطبقة.
الرواية تتناول قدرة الحب على شفاء النفس، وكيف تغير العاطفة والعلاقات الناس خلال رحلتهم في الحياة. فهل يصمد الحب أمام الفروق الاجتماعية وبهرجتها المزيفة؟ هذا ما تحاول الرواية الإجابة عنه.
يُذكر أن الرواية ترجمت إلى العربية عن المركز الثقافي العربي
رواية أيها العالم الجميل، أين أنت؟
رواية سالي روني الثالثة أيها العالم الجميل أين أنت؟ صدرت في 2021، وقد أحدثت منذ صدورها ضجة لا تتعلق بموضوع الرواية تحديدًا، بل بسبب تصريح الكاتبة برفضها إعطاء حقوق الترجمة لناشر إسرائيلي، وتسبب موقف الكاتبة بجدل كثير، واتهمت على إثره بمعاداة السامية، بل تعمد الناشر الإسرائيلي إحراجها والتقليل من قيمة موقفها بأن أوضح أن الكاتبة قد أعطت حقوق ترجمة روايتيها السابقتين للناشر، فما الذي اختلف الآن؟ وما سبب عدم مقاطعتها للناشرين الروس والصينيين الذين لا يمكن اعتبار دولتيهم منزهتين عن ارتكاب الظلم. فأوضحت الكاتبة أن قرارها جاء برغبة منها في التضامن مع حركة (BDS) وهي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الإسرائيلي. وبينت أنها تدعم القضية الفلسطينية وتؤيد حقوق الشعب الفلسطيني التي تنص عليها الأمم المتحدة، وترفض سياسة الفصل العنصري للكيان، وفي خطوة لحفظ خط الرجعة أعلنت الكاتبة أنها تتشرف بنقل رواياتها إلى العبرية، لكنها لا ترغب في إعطاء الحقوق لدار نشر مقرها دولة الاحتلال.
الرواية تتحدث عن علاقة بين صديقتين، إحداهما روائية ثرية، والأخرى محررة في مجلة أدبية بأجر زهيد، وتعتمد الرواية في سردها تقنية الرسائل الإلكترونية، حيث تبوح كل واحدة منهما للأخرى يجول في خاطرها من أفكار وأحداث ومشاعر، إذ تفتح إحداهما قلبها لشاب جديد يدخل إلى حياتها، والأخرى تحاول استعادة حب قديم كان قد خسر فرصته في الازدهار. كما تنتقل من الحديث عن مشاعرهما إلى مناقشتهما لكل ما يدور في هذا العالم من مشاكل المناخ، ومشاكل اللاجئين، مثلًا. كل ذلك بلغة نثرية مميزة قريبة من اللغة اليومية المألوفة، وتبرز التناقضات بين شخصياتها من خلال وصف الملامح المميزة لكل منهم، فتخلق بذلك عمقًا روائيًا يجذب القارئ إلى عالم رواياتها المألوف والغامض والمثير والمعقد.
تُرجمت هذه الرواية أيضًا إلى العربية، عن دار ديوان للنشر والتوزيع، بترجمة أحمد جمال سعد الدين
جوائز وترشيحات أخرى
لم تنل سالي روني التكريمات والترشيحات عن رواياتها فقط، بل استحقتها في مجال كتابة القصة القصيرة ولنتاجها الأدبي ككل، ومن بعض الترشيحات وأبرزها:
- 2017 رشحت قصة راتب السيد لجائزة الصنداي تايمز للقصة القصيرة
- 2018 أُعلن عن مشاركة روني في مهرجان سيرت الدولي للأدب
بعد رفض الكاتبة لإعطاء حقوق ترجمة روايتها الأخيرة لدار النشر الإسرائيلية، وبسبب موقفها الذي وصف بالشجاع تجاه دعم عدالة القضية الفلسطينية، قرر القائمون على مؤسسة محمود درويش عرض الجائزة على سالي روني تكريمًا لها واحتفاءً بموقفها، لكن كان من المستغرب أن الروائية لم تقبل الجائزة، والأغرب كان عدم صدور أي تبرير من قبلها أو توضيح أو اعتذار. وبكل الأحوال لم يُذع خبر رفض الكاتبة للجائزة ولم ينتشر إعلاميًا.
تظل سالي روني بما كتبت من روايات حتى الآن، كاتبة شابة واعدة، تحظى بشعبية كبيرة وتقدير من القراء والناشرين والنقاد، بل حتى المنتجين التلفزيونيين الذي اختاروا عملين من 3 من رواياتها للإنتاج التلفزيوني، وذلك لما تطرحه روني من أفكار معاصرة، تلامس القراء بحساسيتها، وتشابكها، فيشعرون بأن شخصيات الروايات منهم، يعيشون آلامهم ومخاوفهم، وطموحاتهم ورغباتهم، ويتعرضون للصعاب نفسها التي يتعرض لها القراء، وما ذلك إلا لأنها هي نفسها ما تزال روائية في مقتبل العمر، إنما تكتب ما تعايشه وتحس به وترصده في الحياة والناس الذين تقابلهم.