ألترا صوت – فريق التحرير
صدر حديثًا في العاصمة اللبنانية بيروت، العدد 30 من مجلة "بدايات"، وهي دورية فصلية تُعنى بشؤون الثقافة والفكر، صدر عددها الأول في مطلع الانتفاضات الشعبية العربية، وسعت منذ ذلك الوقت إلى متابعة التحولات والتقلبات العميقة التي طرأت على المنطقة، وتوفير منبرٍ نقدي لقراءتها والإجابة على الأسئلة والتحديات الجديدة التي تطرحها.
خصصت مجلة "بدايات" ملف عددها الجديد للتعريف بـ "النيوليبرالية"، بصفتها الظاهرة التي تحكم معيشتنا وحياتنا منذ أكثر من أربعة عقود
وتهدف المجلة البيروتية إلى تحفيز البحث والكتابة عن تحولات المنطقة العربية، وموقعها في منظومة العولمة الرأسمالية، ومناقشة دورها فيها، إلى جانب رد الاعتبار لدراسة ونقد العلاقات الاجتماعية في تحولاتها المتشعبة، وفيما تنطوي عليه أيضًا من تمييز وتراتب وفوارق اجتماعية مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: العدد الرابع من مجلة "منهجيات".. التعليم والتعلّم في ظروف النزاعات
خصصت "بدايات" ملف عددها الجديد للتعريف بـ "النيوليبرالية"، بصفتها: "الظاهرة التي تحكم معيشتنا وحياتنا منذ أكثر من أربعة عقودٍ من الزمن تقريبًا دون اسم"، بحسب الكاتب والمفكر اللبناني فواز طرابلسي، الذي كتب في تقديمه للملف أن الدافع الرئيسي لإعداده هو: "شحة الأدبيات، النقدية خصوصًا، عن هذا الموضوع في بلادنا، في مقابل طوفان ما تضخه المؤسسات المالية التنموية من نظريات ومفاهيم ذات مرجع مشترك هو النيوليبرالية".
ويرى طرابلسي أنه: "في زمن يراد فيه إقناعنا بنهاية زمن الأيديولوجيات، هذه أيديولوجيا متكاملة تشتمل على نظرة شاملة للحياة والكون، وتقدم نفسها على أنها مذهب طبيعي جبري لا بديل عنه، حسب عبارة مارغريت تاتشر الشهيرة، بل هي عقيدة إيمانية لا تخلوا من السحر إذ تبشر بـ (اليد الخفية التي تحرك السوق)".
افتُتِحَ الملف بمقالة معنونة بـ "تاريخ موجز للنيوليبرالية"، سعت فيه عالمة الاجتماع الأمريكية سوزان جورج للتعريف بجوهر النيوليبرالية، بما هو أداة تحكّم آليات السوق في مصائر البشر، وفرض الاقتصاد إرادته على المجتمع. وترى جورج أن القيمة المركزية للنيوليبرالية هي وجوب تقليص القطاع العام لأنه لا ولن يطيع القانون الأساس، وهو المنافسة قصد الربح وانتزاع حصة من السوق.
ويستعرض الصحافي البريطاني جورج مونبيوت في دراسته "النيوليبرالية – الأيديولوجية في أساس مشاكلنا كلها"، مفاهيم وشبكات ترويج أيديولوجيا تسيطر على حياتنا كلها بغير اسم، على الرغم من أنها أيديولوجيا واعية، تضع من إعادة تشكيل الحياة البشرية، ونقل محور السلطة التي تتحكم بتلك الحياة، هدفًا لها.
وتحت عنوان "الأنجزة والمقاومات الشعبية"، تحذر الكاتبة والروائية الهندية أرونداتي روي من دور المنظمات غير الحكومية "الأنجيووز"، في تبديد الغضب الشعبي، وإضعاف المقاومة الشعبية السياسية، حيث ترى أن: "رأس المال المتوافر للأنجيووز يلعب، على نطاق أضيق ولكن بطريقة أكثر خفاء، الدور ذاته في السياسات البديلة كالذي يلعبه الرأسمال المضارب الذي يتدفق من وإلى اقتصاديات البلدان الفقيرة".
وفي دراسته المعنونة بـ "الحرية ضد العدالة والمساواة"، يناقش المفكر اللبناني فواز طرابلسي أفكار المفكر الليبرالي النمساوي فريدريش فون هايك، ويعرض لأبرز أوجه نظامه الاقتصادية والحضارية والفلسفية والسياسية أيضًا، ومحوره مركزية السوق التنافسية ومجابهة المساواة بالحرية. ويرى طرابلسي أن هايك لم يكتفي بنعته العدالة الاجتماعية بـ "السراب والوهم"، بل اتهمها بأنها عبارة فارغة ومفهوم مشبوه من الناحية الفكرية.
وتشارك أستاذة الفلسفة والقانون البريطانية جيسيكا وايت في الملف، من خلال تقديمها لكتابها المعنون بـ "أخلاقيات السوق: حقوق الإنسان وصعود النيوليبرالية"، ويختتم الملف بمقالة للكاتب الأوروغوياني إدواردو غاليانو بعنوان "مبيدو الكوكب"، يتحدث فيها عن كبريات الشركات والسياسيين الذين يسممون الهواء والغذاء والبشر، ويحولون بلدان الجنوب إلى مكب للنفايات، في إطار عملية إبادة الكوكب.
وضم العدد أيضًا في باب "ذاكرة"، دراسة للكاتب والروائي العُماني محمد الشحري، تحت عنوان "آلهة ظفار قبل الإسلام: تحولات القمر والشمس والزهرة"، يستعرض فيها طبيعة وأشكال الحياة الدينية والثقافية في ظفار قبل الإسلام، إلى جانب مقالة لأستاذ الأدب العربي والمقارن في جامعة أكسفورد البريطانية، محمد صالح عُمري بعنوان "أن تكون جيلبير النقّاش: سيرة تونسية في النضال والأدب". وخصصت الكاتبة والصحافية اليمنية بشرى المقطري مقالتها "يمن الحرب: داخل الحرب/ السور"، للحديث عن القتل والتدمير والاستباحة والتجويع في اليمن. عن: "العالقون بين رصاصة وقذيفة، بين غارةٍ عمياء ومدفع، بين موتٍ يترصدهم في طرقات البلاد التي ما عادت لهم والعدو بحثًا عن نجاةٍ في يومٍ آخر".
يرى فواز طرابلسي أن النيوليبرالية أيديولوجيا متكاملة تشتكل على نظرة شاملة للحياة والكون، في زمن يراد فيه إقناعنا بنهاية الأيديولوجيات
تضمن العدد في باب "نون والقلم"، ثلاثة نصوص، هي: "في حضرة الجثة" للكاتب والفنان اللبناني وليد صادق. و"رجوع الشيخ إلى غفلته" للكاتب والمسرحي المصري رؤوف مسعد. و"في حب فتية صيدا وبيروت" للشاعر المصري – اليوناني قسطنطين كفافي. فيما ضم باب "فيها نظر"، دراسة لأستاذ الفلسفة في جامعة سان دييغو الأمريكية توماس ويستون بعنوان "الفلسفة والحياة اليومية في ظل الرأسمالية"، إلى جانب نص لكارس ماركس نقله فواز طرابلسي إلى العربية تحت عنوان "مقدمة لأسس نقد الاقتصاد السياسي".
اقرأ/ي أيضًا: العدد 162 من مجلة "الدوحة".. نيتشه وجدوى الحديث عن الطعام
وفي باب "كتاب"، قدّم الجامعي الأمريكي جيريمي راي جويل مراجعة لكتاب الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك "الجائحة! كوفيد – 19 يهز العالم"، نقلتها إلى العربية رباب عُبيد. بينما اشتمل باب "يا عين"، على مقالة للمعماري اللبناني جاد تابت بعنوان "إعادة إعمار بيروت بعد الرابع من آب: تجارب الماضي وأسئلة الحاضر"، ونص للكاتب والسينمائي العُماني عبد الله حبيب، يقدِّم فيه فيلمه "أصابع – فيلم شخصي"، الذي فاز بجائزة "اعتراف"، ضمن فئة الأفلام التجريبية في "مسابقة أفضل الأفلام القصيرة"، في الولايات المتحدة 2020.
اقرأ/ي أيضًا: