في خطوة لافتة تُعبّر عن حجم الاستياء والامتعاض من موقف ألمانيا ومؤسساتها الثقافية والإعلامية والأكاديمية من الحرب الإسرائيلية على غزة، أنهت الكاتبة البوسنية اليهودية لانا باستاسيتش عقدها مع دار النشر الألمانية الشهيرة "S. Fischer"، احتجاجًا على موقفها من الحرب التي خلّفت أكثر من 24 ألف شهيد، و61 ألف مصاب، وتسببت بدمار هائل وغير مسبوق يجعل منها واحدة من أكثر الحروب تدميرًا في القرن الحادي والعشرين.
وأعلنت باستاسيتش عن ذلك في منشور على حسابها في منصة "إنستغرام"، أوضحت فيه أنها أنهت عقدها مع الدار بسبب التزامها الصمت إزاء الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، خاصةً بعد إصدار الدار بيانًا ألقت فيه باللوم على الفلسطينيين، ولم يتضمن أي ردة فعل تجاه "إسرائيل".
وقّع مئات المثقفين والفنانين حول العالم على عريضة تدعو إلى مقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية بسبب قمعها صوت الفلسطينيين
وأضافت الكاتبة البوسنية: "بالنظر إلى الوضع السياسي العالمي الذي نعيشه اليوم، فإنني أعتبر أنه من الواجب الأخلاقي والمعنوي إنهاء عقدي مع (S. Fischer)"، مشيرةً إلى أن الدار لم تصمت تجاه الحرب على غزة فقط، بل وتجاه الرقابة المنهجية في البلاد على كل ما يتعلّق بفلسطين.
وفي وقت سابق، وقّعت لانا باستاسيتش على عريضة، أطلقتها حملة تحمل اسم "قاطعوا ألمانيا"، تدعو إلى مقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية بسبب قمعها صوت الفلسطينيين خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقال منظمو الحملة، التي تُعرّف نفسها بأنها: "مقاطِعة للعنصرية المناهضة للفلسطينيين وللرقابة بأشكالها الرسمية الأكثر تقدّمًا"، إن مئات المثقفين والفنانين حول العالم قد وقّعوا على عريضتهم التي جمعت أكثر من 1000 توقيع، ومن بينهم الكاتبة الفرنسية آني إرنو الحائزة على جائزة نوبل للآداب لعام 2022.
وتؤكد هذه الحملة أيضًا على أنه: "في الوقت الذي يجري فيه القضاء على غزة، تقع على عاتق الفنانين والعاملين في مجال الثقافة مسؤولية النضال من أجل التضامن الدولي والحقّ في التحدّث علنًا ضد المذبحة المستمرة".
ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة، انحازت ألمانيا إلى "إسرائيل" واتخذت موقفًا متطرفًا في دعمها غير المشروط. فبالإضافة إلى مواقفها السياسية، ودعمها الأهداف المعلنة من الحرب، أي القضاء على "حماس"، ورفضها الدعوة إلى وقف إطلاق النار؛ قمعت ألمانيا المظاهرات التضامنية مع غزة، ووصفتها بأنها "معادية للسامية"، ومنعت الطلاب من ارتداء الكوفية، كما حُظر شعار "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر" في ولاية بافاريا على اعتبار أنه، وبحسب زعمها، معادٍ للسامية.
وألغت كذلك العديد من الفعاليات الثقافية التضامنية. وقد حذت المؤسسات الثقافية المستقلة حذوها أيضًا في فرض الرقابة على الأصوات الداعمة لفلسطين وإسكاتها. فبعد أيام قليلة من بداية الحرب، قرّرت إدارة معرض فرانكفورت للكتاب عدم تكريم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي بجائزة ليبيراتوربريس (LiBeraturpreis) عن روايتها "تفصيل ثانوي"، بعد اتهامها بمعاداة السامية.
وكان مدير المعرض يورغن بوس قد أعلن وقوف "معرض فرانكفورت" إلى جانب "إسرائيل" بشكل كامل، حيث قال في بيان تعليقًا على ما يجري في قطاع غزة: "إننا ندين الإرهاب الهمجي الذي تمارسه حماس ضد إسرائيل بأشد العبارات الممكنة". وأضاف قائلًا: "الإرهاب ضد إسرائيل يتناقض مع كل قيم معرض فرانكفورت للكتاب".
وفي كانون الأول/ديسمبر الفائت، أعلنت "مؤسسة هاينريش بل" الألمانية انسحابها من منح "جائزة حنة أرندت للفكر السياسي"، للكاتبة والصحفية الأمريكية – الروسية ماشا جيسن، وقرّر مجلس شيوخ مدينة بريمن الألمانية إلغاء حفل منح الجائزة، بسبب موقفها من الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، ومقارنتها بين ما يتعرّض له أهالي القطاع بما تعرّض له اليهود في أوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية، في مقال نشرته في مجلة "نيويوركر" بعنوان "في ظل الهولوكوست".