هل مرت أربع سنوات على فض رابعة حقًا؟ على أبشع مشاهد القتل في شوارع القاهرة في العصر الحديث، حين تحولت المدينة إلى ساحة قتال، وأصبحت الممرات الآمنة، وفقًا لتقرير هيومين رايتس ووتش، ممرات لاصطياد المتلهفين على الخروج من الجحيم.
أعاد كثير من الشباب الإسلامي في مصر ممن شهدوا فض رابعة مراجعة أفكارهم وبعضهم صار رافضًا لعديد الأفكار الدينية وللمجتمع بشكل عام
وفقاً للتقرير أيضًا، كانت خطة الهجوم معدة مسبقاً. وكأنها كانت حربًا على الذاكرة. لن يبقى أحد تقريبًا ليحكي شيئًا، ومن بقوا سوف يخشون البوح. ربما كانت هذه هي الخطة. لكن التاريخ يؤكد لنا أن الفظائع لا يمكن أن يمحوها شيء، وأنها تبقى في الذاكرة إلى الأبد.
غيرت "رابعة" وجه التاريخ والسياسة والناس في مصر. "بعد رابعة لم يعد شيء كما كان"، هي أكثر الجمل التي سمعناها من من تحدثوا في هذا التقرير، الذين سوف نعرض شهاداتهم عما غيرته أحداث فض رابعة في رؤيتهم للحياة ومنطقها، للإنسانية ومآلاتها، كما طال التغيير أيضًا رؤيتهم لله.
أعاد كثير من الشباب الإسلامي في مصر ممن شهدوا فض رابعة مراجعة أفكارهم ومعتقداتهم. بعضهم صار رافضًا لعديد الأفكار الدينية والمجتمع بشكل عام. بعضهم الآخر لا يزال يعيش الكابوس بتفاصيله ولم يخرج من جلباب الصدمة بعد.
اقرأ/ي أيضًا: "Game of Thrones" في ذكرى فضّ رابعة العدوية
شباب مصر بعد فض رابعة.. لماذا لم يستجب لنا الله؟
يقول أحمد (اسم مستعار) لـ"الترا صوت": "أنا أزهري، نشأت وتربيت في بيئة متدينة محافظة، كنت أدرس العلوم الشرعية إضافة إلى دراستي الأساسية، بدايتي في الشك وطرح الأسئلة لم تكن مع ما حدث في ميدان رابعة، كانت في 2011 مع بداية ثورة الخامس والعشرين من يناير، احتجت أن أعيد فهم كل شيء، كنت أبحث عمن يمثل الدين والثورة معًا. وكنت أرى ذلك في حازم صلاح أبو إسماعيل، ثم حين تم استبعاده من السباق الرئاسي، فقدت حماسي".
يضيف: "كانت فكرتي الساذجة وقتها بصفتي شاباً لا يزال في السنة الدراسية الثانية له في الجامعة، آمنت أن المرشح الرئاسي يجب أن يكون من خلفية إسلامية. بعد ما حدث في فض رابعة ابتعدت عن العمل السياسي، أصبح الكل لدي سواء، تساوى عندي صاحب الخلفية الإسلامية مع غيره، أما على مستوى التدين فلم أعد أفكر لماذا نصلي ولماذا نصوم.. تخففت من الكثير من الأسئلة، لم أعد أهتم بصراحة، طال الشك كل شيء في الحقيقة. وحلمي الآن هو الخروج من هذا البلد".
كان البحث عن راغبين في الحديث عن فترة "ما بعد رابعة" صعبًا، هناك من نصحنا بالتخلي عن الفكرة، حتى وصلنا إلى شخص، إخوته وابن أخيه اعتقلوا في قضايا تظاهرات ما بعد رابعة. يحكي محمود (اسم مستعار) أن أخيه وابن أخيه خرجا من المعتقل بعد ثلاث سنوات قضاياها فيه. يروي خاصة الغضب الذي يعيشه ابن أخيه والذي يردد أن "هذه الأرض ملعونة وأن النجاة في الخلاص منها". عن ذلك يعلق محمود لـ"الترا صوت": "بت أتفهم غضبه وسخطه على العالم وعلى البلاد، لكن ليس باليد حيلة".
تسيطر على الشباب المصري، الذي أثرت فيه مذبحة رابعة وما تلاها، فكرة الهجرة إضافة إلى مشاكل نفسية لم يتخلص منها الكثيرون
جلال (اسم مستعار) يعرف الكثير ممن شاركوا في رابعة وعاشوا تغييرات بعدها، يلخص ما حصل، حسب رأيه، لـ"الترا صوت": "سقط الكثير من الرموز، وخاصة من الرموز الدينية، كان هناك من بيننا من يتلقون علاجًا من الاكتئاب. أنا شخصيًا أصبت بالاكتئاب وتمردت لفترة على كثير من الأنماط الدينية السائدة. مشاهد الدم من حولي كانت مرعبة. لم أنم تلك الليلة وفي الليالي التالية، حتى أنني جربت "الحشيش". بعد فترة . حاولت استعادة توازني لكن شيئًا ما عن الانتماء والوطن انكسر ويصعب استعادته".
أما عبد الله (اسم مستعار) فهو أول من قابلناه ممن كانوا لا يؤيدون حكم الإخوان، ويعرفون أن فض اعتصام رابعة كان سيحدث لا محالة، لكنه لم يتخيل أن الأمر سينتهي بمجزرة جعلته يشعر بالذنب لتأييده فكرة 30 يونيو، ويوضح عن علاقته بالدين خلال السنوات الأخيرة: "لم يعد يشغل بالي كثيرًا جدوى العبادات التقليدية التي تربينا عليها، وعمليا انتهى الكثير من صلتي بالتدين".
اقرأ/ي أيضًا: المغتربون في ذكرى الثورة: الظلم في الوطن غُربة!
اضطراب ما بعد الصدمة
طرقنا أبواب الأطباء النفسيين لنحاول أن نفهم منهم ما حدث لهؤلاء الشباب، إذا ما كان لتلك التحولات اسماً علميًا في علم النفس. أحد الأطباء النفسيين، الدكتور محمود بوزيد، أخبرنا أن ما حدث يسمى علميًا اضطراب ما بعد الصدمة، وهو نتيجة التعرض لصدمة نفسية عنيفة نتيجة لعنف جسدي، أو نفسي تعرض له الشخص، مثل تعرضه للموت أو فقد عزيز".
سألناه عن الأعراض، فأجابنا بأن أبرزها: "الكوابيس، وشعور دائم بأن ما مر به سيحدث له مجددًا". بادرنا بسؤاله عن نوعية التغيير الذي يحدث في الشخصية وهل هو تغيير دائم أو مؤقت؟، فأجابنا: "هذا كله يحدده نوع المحنة التي تعرض لها الإنسان، ودرجة استعداده لتقبل العلاج، وحجم الصدمة التي تعرض لها والفترة التي تعرض فيها للصدمة، أي درجة المتانة النفسية". أما عن العلاج الذي من الممكن تلقيه، فيقول الدكتور بوزيد أنه "علاج يراوح بين الأدوية وجلسات علاج نفسي عميقة لتحليل الصدمة".
هكذا، كثيرون من جيل الشباب اعتبروا ما حدث في "رابعة" نقطة تحول كبيرة، ليس فقط في السياسة أو على المستوى الاجتماعي في مصر، ولكن أيضًا أعاد فتح ملفات كثيرة، فكرية ودينية، وسط مجتمعات الشباب.
اقرأ/ي أيضًا: