لا يمكن رؤية سوى القليل من علامات الحياة على طول الطريق السريع في وادي البقاع، شرقي لبنان، حيث أُغلقت جميع المتاجر على جانبي الطريق، بينما كانت الأرصفة خالية من المارة، وحتى الحواجز الإسمنتية المطلية باللونين الأحمر والأبيض لبعض نقاط التفتيش الخاصة بالجيش اللبناني كانت أيضًا خالية من الجنود، مثل الطريق الذي كان كذلك معظم الوقت، وفقًا لتقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
يصف التقرير الذي ساهمت بإعداده كريستينا غولدباو بالاشتراك مع هويدا سعد، مشاهد الدمار التي خلفتها غارات الجيش الإسرائيلي على وادي البقاع، حيثُ تحولت المنازل والمصانع والمحال التجارية إلى أكوام من الكتل الإسمنتية، بينما غيّر الغبار لون أوراق الأشجار من الأخضر إلى الرمادي، وسوِّيت أعمدة الكهرباء التي اقتُلعت بفعل الانفجارات العنيفة بالأرض.
"إنها تقترب أكثر.. فأكثر"
تقول مريم صالح (23 عامًا)، التي كانت تزور أقاربها في بلدة بريتال في وادي البقاع عندما شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات عنيفة على جنوب وشرق لبنان، الاثنين الماضي، لـ"نيويورك تايمز": "كل ضربة تشعرين بأنها تقترب أكثر فأكثر. لا تعرفين أين تختبئين، وأين تهربين".
أدت الغارات الجوية العنيفة إلى نزوح آلاف السكان من وادي البقاع بحثًا عن مأوى في منازل أقاربهم في العاصمة بيروت، أو توجهوا إلى الفنادق في شتورة
ويُعد وادي البقاع جزءًا من باقي المدن والبلدات التي استهدفتها المقاتلات الإسرائيلية بأكثر من 2000 غارة جوية منذ الثنين الماضي. وبحسب "نيويورك تايمز"، قال الخبراء إن الغارات الجوية التي شنتها "إسرائيل" على لبنان تمثل واحدة من أكثر الغارات الجوية كثافة في الحروب المعاصرة، وأسفرت عن سقوط مئات الشهداء والجرحى.
وقد أدت الغارات الجوية العنيفة إلى نزوح آلاف السكان من وادي البقاع بحثًا عن مأوى في منازل أقاربهم في العاصمة بيروت، أو توجهوا إلى الفنادق في شتورة، وهي بلدة تقع على الجانب الغربي للبقاع، التي حُجزت جميع غرف فنادقها تقريبًا.
وبحسب "نيويورك تايمز"، استقبل مستشفى "دار الأمل الجامعي" في دوريس، جنوب غرب بعلبك، وهي المدينة التي استهدفتها الغارات الجوية الإسرائيلية بشكل متكرر، حوالي 100 جريح في الضربات التي شنتها، ليل الثلاثاء - الأربعاء، بينهم 40 طفلًا.
وفي قسم الأطفال، جلست صابرين شرف (46 عامًا) أمام سرير ابنتها البالغة من العمر تسع سنوات، زينب، الفاقدة للوعي بعد إصابتها جراء الغارات التي ضربت وداي البقاع، الاثنين الماضي. تقول شرف، إنها كانت تظن أن الغرفة الأبعد في المنزل عن الطريق الرئيسي ستكون الأكثر أمانًا من باقي الغرف، لكن بحلول الساعة التاسعة من ذلك اليوم، أدت غارة إسرائيلية إلى تدمير الغرفة التي كانت تحتمي بها مع أطفالها الخمسة.
تتذكر شرف مناداتها لابنتها بعد الغارة بـ"زوزو! زوزو! أين أنت يا زوزو؟"، قبل أن يجد ابنها البالغ من العمر 14 عامًا زينب تحت الأنقاض، وسارعوا بنقلها إلى المستشفى بسيارة أحد الجيران، ومنذ ذلك الوقت لم تستعد زينب وعيها.
"ماذا نستفيد من هذه الحرب؟"
من جانبه، يقول علي رواد حمزة (41 عامًا)، الذي كان يقف قريبًا من قسم الأطفال في المستشفى، للصحيفة الأميركية، إن غارة شنتها المقاتلات الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، أدت إلى استشهاد أربعة من أبناء وبنات، شقيقه وشقيقته، وبينما فقدت ابنته البالغة من العمر 16 عامًا بصرها كليًا في الضربة، فإن ابنه البالغ من العمر سبع سنوات نجا بإصابة متوسطة من الغارة، يقول حمزة بصوت خافت، وهو ينظر إلى ابنه: "لقد نجا بمعجزة".
وسائل الإعلام الأميركية والغربية تعتمد خطاب جيش الاحتلال ودعايته في كل مرة ترد فيها أنباء من جنوب بيروت.
اقرأ أكثر: https://t.co/2Q2Z7jVFLW pic.twitter.com/79OkJRuvH3— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 27, 2024
صدم الهجوم الجوي الذي أدى إلى دمار هائل وموجة نزوح جماعية، العديد من سكان وادي البقاع، وهي منطقة متنوّعة يقطن فيها سكان من مختلف الطوائف اللبنانية، يقول عبدو عقيقي (51 عامًا)، وهو من قرية دوريس، لـ"نيويورك تايمز": "بالطبع، لا أريد هذه الحرب، لدي أطفال"، حيثُ أُصيبت ابنته البلغة من العمر ثلاث سنوات بجروح خطيرة، ويتابع مضيفًا "لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ الأمر متروك لهم لاتخاذ القرار"، في إشارة لـ"حزب الله".
يشير عقيقي إلى أنه يفكر مرارًا وتكرارًا في القرارات التي اتخذها في الليلة التي قصف فيها منزله، ويضيف أنه عندما سمع أصوات الغارات الجوية لأول مرة، حاول إقناع زوجته سعاد بضرورة مغادرة المنزل، لكنها كانت جالسة على الأرض مع ابنتهما البالغة من العمر عامًا واحدًا، مشلولة من الخوف، وحين طلب منها أن "تحاول الوقوف عند العد إلى ثلاثة: واحد. اثنان. ثلاثة. لكنها لم تتحرك".
ومع تقدم الليل واقتراب صوت الغارات الجوية أكثر، توقف عقيقي عن محاولة إقناع زوجته بمغادرة المنزل، يقول: "كيف يمكن الهروب عندما يكون القصف خلفك وأمامك؟"، وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً انهار الجدار الخلفي لمنزله جراء غارة جوية، يختم عقيقي حديثه مع "نيويورك تايمز"، بالقول: "كنت على وشك أن أفقد ابنتي. كنت على وشك أن أفقد عائلتي بأكملها. ماذا نستفيد من هذه الحرب؟".