أدى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى إعادة ملايين المهاجرين أو الراغبين في الهجرة حساباتهم، لكن ربما ليس بالطريقة التي تصورها ترامب. فقد تعهد الرئيس المنتخب بتقليص الهجرة من خلال تضييق سبل الدخول القانونية، المحدودة أصلًا، إلى الولايات المتحدة، مما سيدفع المهاجرين إلى إعادة ترتيب خططهم وربما اللجوء إلى توظيف المهرّبين بشكل كبير، حسبما أفاد خبراء لوكالة "أسوشيتد برس".
وبحسب الوكالة، يعني هذا أنه في كثير من الحالات سيتم اللجوء إلى مجموعات الجريمة المنظمة التي تحقق أرباحًا متزايدة من تهريب البشر.
يأتي المهاجرون من عشرات الدول، وكثير منهم باعوا منازلهم وممتلكاتهم لتمويل رحلاتهم.ومن بين هؤلاء الفنزويليون الذين يحاولون الوصول إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بأعداد أقل من السابق، رغم أن الأعداد تبقى كبيرة. ويمثل المكسيكيون نصف عدد الذين تقوم دوريات الحدود الأميركية باعتقالهم. كما يأتي الصينيون عبر الإكوادور ويتجهون شمالًا، فيما يقوم السنغاليون برحلات متعددة ويتوقفون في نيكاراغوا، ثم يتحركون شمالًا.
تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن هناك نحو 281 مليون مهاجر حول العالم، أي ما يعادل 3.6% من سكان العالم. وتشير في تقاريرها السنوية إلى أن أعدادًا متزايدة من الناس ستهاجر لأسباب سياسية واقتصادية وأعمال عنف، وأن المزيد من المهاجرين سيطلبون اللجوء. وتحذر المنظمة من أنه عندما لا يجد الناس سبلًا للهجرة النظامية، فإنهم يلجؤون إلى "قنوات غير نظامية تعتبر خطرًا بالغًا".
يُقدّر عدد المقيمين غير النظاميين في أميركا بنحو 20 مليون شخص، جميعهم معرضون للترحيل في إطار برنامج إدارة ترامب الجديدة.
اقرأ أكثر: https://t.co/zWyvH9044p pic.twitter.com/MaF9niKl64— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 11, 2024
وخلال فترة رئاسة ترامب الأولى، كانت المدن الحدودية بين المكسيك والولايات المتحدة مكتظة بالمهاجرين. واستغلت العصابات الوضع وقامت باختطاف المهاجرين وابتزاز عائلاتهم للحصول على فدية أو لتجنيدهم قسرًا. وفي المكسيك، اضطر آلاف المهاجرين إلى انتظار إجراءات طلب اللجوء في الولايات المتحدة، والتي قد تستغرق سنوات.
في عام 2023، أدخلت إدارة بايدن برنامجًا يُعرف بـ"CBP One"، وهو نظام رقمي لضبط الهجرة، حيث لم يعد المهاجرون بحاجة إلى التوجه إلى الحدود لتحديد موعد، بل يمكنهم القيام بذلك عبر هواتفهم الذكية. وقد ساعد هذا البرنامج في إفراغ المدن الحدودية المكتظة بالمهاجرين، وساهم في دخول الكثيرين إلى الولايات المتحدة بشكل قانوني.
وخلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بإنهاء العمل ببرنامج "CBP One" في محاولة لتقييد دخول المهاجرين بشكل شرعي، مهددًا بعمليات ترحيل جماعية.
على الرغم من أن فوز ترامب أثار خيبة أمل بين المهاجرين الراغبين في دخول الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره "ضربة قاضية" لعملية الهجرة، وفق "أسوشيتد برس".
أميركيون يبحثون عن مستقبل جديد في الخارج بعد فوز #ترامب. pic.twitter.com/8VwJ2kYfQq
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 10, 2024
في ليلة الثلاثاء، كان ينبغي على الفنزويلية باربرا رودريغيز، البالغة من العمر 33 عامًا، أن تكون نائمة بعد أن سارت لأكثر من 12 كلم تحت حرارة مرتفعة في جنوب المكسيك مع نحو 2500 مهاجر من 12 دولة على الأقل. لكن بدلًا من ذلك، كانت تتابع نتائج الانتخابات الأميركية على هاتفها.
في كراكاس، كانت رودريغيز تعمل كمراقبة في أحد مراكز الاقتراع لصالح المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في تموز/يوليو الماضي. وبعد إعلان الرئيس نيكولاس مادورو عن فوزه، بدأ مؤيدوه في مضايقة أسرتها. تقول رودريغيز لـ"أسوشيتد برس": "إما أن تكون حياة عائلتي في خطر، أو علي مغادرة البلاد". في أيلول/سبتمبر الماضي، باعت منزلها وتركت أطفالها الثلاثة مع والدتها. والآن تخطط للانتظار على الحدود الأميركية للحصول على موعد عبر "CBP One" لطلب اللجوء.
تشير رودريغيز إلى أن خططها تغيرت، فلديها وقت حتى 20 كانون الثاني/يناير القادم، في إشارة إلى يوم التنصيب. وأوضحت أنها لا تستبعد اللجوء إلى مهرّب.
تحدثت سفيرة المكسيك السابقة لدى الولايات المتحدة، مارثا بارسينا، عن أن المهاجرين كانوا هم الخاسرين من سياسات ترامب خلال معظم فترة إدارته الأولى، وقد يتكرر الأمر الآن. ولفتت إلى أن الجريمة المنظمة هي المستفيد الأكبر، لأن "إيرادات تهريب البشر تعادل أو تفوق إيرادات تهريب المخدرات".
في صباح إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، استيقظت إستيفانيا راموس من غواتيمالا وهي قلقة. تقيم الشابة، البالغة من العمر 19 عامًا، في ملجأ بمدينة سيوداد خواريز المكسيكية، قبالة مدينة إل باسو بولاية تكساس الأميركية.
تقول راموس: "نحن نحاول معرفة ما سيحدث لنا، هذا لم يكن ضمن خطتنا"، وأوضحت أنها وزوجها غادرا غواتيمالا بعد أن هددت عصابة بإلحاق الأذى به وخطفها. وقد انتظرا ثلاثة أشهر للحصول على موعد على برنامج "CBP One"، وأنجبا طفلة قبل شهرين. وتضيف: "إذا استطعنا الاستمرار في الانتظار للحصول على موعد، سنفعل ذلك"، مؤكدة أنها لا تريد المخاطرة بالعبور غير القانوني ومعها طفلتها.
في سيوداد خواريز، انتظر بضع عشرات من طالبي اللجوء ممن لديهم مواعيد بصبر ليتم استدعاؤهم عبر الجسر الدولي. تقول مديرة منظمة "IMUMI"، وهي منظمة غير حكومية تقدم خدمات قانونية في المكسيك، غريتشين كونر، إنها وجدت عائلات مهاجرة في مدينة توكستلا غوتيريز جنوب المكسيك تعيش في الشوارع منتظرةً مواعيد على "CBP One".
وأضافت: "يقومون بشحن هواتفهم يوميًا في مكان مؤقت في الشارع حتى يتمكنوا من متابعة مواعيدهم.. بينما يقيمون مع أطفالهم وينامون في خيم بالشارع". وأضافت: "الأشخاص الذين يحتاجون للحماية يحاولون حقًا فعل ذلك بالطريقة الصحيحة".
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمنظمة "HIAS" لدعم اللاجئين، مارك هيتفيلد: "المزيد من القيود على عملية الهجرة، التي هي صعبة بالفعل، ستترك الفئات الضعيفة دون خيارات تذكر".
وأضاف: "هذا يعني أنه لن يكون لهم مكان يذهبون إليه، لأن هناك العديد من الدول في نصف الكرة الأرضية التي لا يوجد فيها فعليًا نظام للجوء، أو حتى لو تمكنوا من الحصول على اللجوء، قد لا يكونون بالضرورة آمنين".
يشار إلى أن ترامب هدد بالقيام بعمليات ترحيل جماعي، كما فعل خلال فترته الرئاسية الأولى، لكنه لم ينفذها، ومع ذلك هناك قلق حقيقي.
تشير "أسوشيتد برس" إلى أن عمليات الترحيل إلى دول مثل كوبا وفنزويلا قد تكون معقدة بسبب العلاقات المتوترة، رغم أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بعث برسالة تهنئة لترامب. كما طالبت منظمات حقوقية في هايتي الدول، بما فيها الولايات المتحدة، بوقف عمليات الترحيل نظرًا للأزمة الداخلية التي تمر بها البلاد.
أما المكسيك فهي أكثر الدول التي ستتأثر من عمليات الترحيل، إذ يعيش في الولايات المتحدة حوالي 11 مليون مكسيكي، منهم حوالي 5 ملايين دون وضع قانوني.
وقد أرسل المكسيكيون إلى بلادهم أكثر من 63 مليار دولار في شكل تحويلات مالية العام الماضي، معظمها من الولايات المتحدة. ستؤدي عمليات الترحيل الجماعية إلى هزة في أوضاع ملايين العائلات وستواجه المكسيك صعوبة في استيعابهم.
وتحدث نشطاء ومسؤولون حقوقيون في المكسيك عن أنهم لم يسمعوا عن أي خطط حكومية للتعامل مع أعداد كبيرة من المرحلين. وقال مدير لجنة الإنقاذ الدولية في المكسيك، رافائيل فيلاسكيز غارسيا: "المجموعات الإغاثية المكسيكية ليست في وضع يمكنها من استقبال هذا العدد الكبير من الناس، ولنكن صادقين، فالمجتمع المدني هو الذي يتحمل الجزء الأكبر من الاستجابة الإنسانية تجاه هؤلاء المرحّلين أو المارين عبر البلاد".
بدوره، أشار أستاذ العلاقات الدولية في مركز الأبحاث العامة المكسيكي، كارلوس بيريز ريكارت، إلى أن المكسيك يجب أن تهيئ نفسها لمواجهة ضغوط متعددة قد تأتي من إدارة ترامب، مضيفًا: "ما يجب على المكسيك قبوله هو أن بلادنا ستصبح منطقة انتظار للمهاجرين، سواء أرادت ذلك أم لا".