"هل تجاوزت كرة اليابان الخط؟" وأشهر الجدليات في تاريخ المونديال
سُئل مدرّب المنتخب الإسباني لويس إنريكه بعد هزيمة منتخب بلاده أمام إسبانيا عن شعوره في الدقائق الثلاث التي كانت فيها كوستا ريكا متفوّقةً على ألمانيا وهو ما كان سيُقصي إسبانيا لو بقيت النتيجة على حالها.
اعترف إنريكه بكل بساطة أنه لم يكن يعرف أن منتخب بلاده كان سيودّع المونديال مبكّراً، وتأهّلت إسبانيا بكل الأحوال، لكن المفارقة أنه للحظة كانت إسبانيا في البطولة وخارجها، تماماً مثل كرة اليابان التي كانت، أيضاً للحظة، داخل الملعب وخارجه.
لم يتوقّع أحدٌ في النهاية أن اليابان كانت بطلة "مجموعة الموت". ولكن رافق هذا التأهّل جدلّ تحكيميٌّ جديد في مونديال قطر، لا ينفي بكل الأحوال الالتزام التكتيكي والحضور الذهني للمنتخب الياباني. "هل تجاوزت كرة اليابان الخط؟" كان في أمسية الأول من كانون الأول/ديسمبر السؤال الذي أرّق العالم بأسره، ولا غرابة فقد حسم ذاك الهدف الحسابات المعقّدة لـ"مجموعة الموت"، التي كانت بدون مبالغة أقرب إلى اختبارٍ معتبرٍ في مسائل الاحتمالات حتى لحظاتها الأخيرة.
وعلى ذلك كان هذا حتى اللحظة السؤال التحكيمي الأبرز في المونديال. فتويتر، في تلك الليلة، كان أقرب إلى فريقٍ من الحكّام والخبراء يحاول البتّ في مسألة فيما إن تجاوزت كرة الهدف الثاني خطّ المرمى قبل دخولها، مستخدماً كل ما أوتي من أدوات الفار والفيزياء والهندسة والخطوط والمثلّثات، ولو أن الفيفا قد أصدر بياناً رسمياً يؤكّد أن الكرة لم تتجاوز بكاملها الخطّ، وعلى ذلك فإن هدف اليابان الذي سجّله تاتاكا كان هدفاَ شرعياً.
وطبعاً، وككل الأمور الجدلية، لم يخلُ الأمر من بعض نظريات المؤامرة، إذ ذهب البعض أن إسبانيا تحرّت قاصدةً الخسارة أمام اليابان لكي تتخلّص من أحد المنافسين الثقيلين على لقب المونديال، وفي الوقت نفسه تجنّب مواجهة البرازيل.
بكل الأحوال، ولأننا نهوى الجدل خصوصاً في الكرة، وجدنا في ذلك مناسبةً لاستذكار بعضٍ من الأحداث التي أثارت الجدل تاريخ المونديال، والتي غيّرت مجرى مونديالاتٍ بحالها، والبداية من جديد... مع حالة يابانية.
1) مونديال 2018: تأهّل قذرٌ بفضل "اللعب النظيف"
حسناً، ربما من التجاوز أن نُطلق على هذه الحالة "جدلاً"، ولكن ربما يجدر الإشارة إليها لأنها المرة الوحيدة التي يتأهّل بها فريقٌ باللعب النظيف في تاريخ المونديال. كانت هذه "الملحمة القانونية" في المجموعة H في المونديال الماضي التي ضمّت كولومبيا واليابان والسنغال وبولندا، وفي المباراة الأخيرة كان هناك مباراتان في نفس الوقت: اليابان وبولندا (التي لم يكن لديها أية فرصةٍ بالتأهّل)، وكولومبيا والسنغال.
دخل المنتخب الياباني والسنغالي الجولة الثالثة من دور المجموعات بالعدد نفسه من النقاط وفارق الأهداف والأهداف المسجّلة، كما أن الفريقان تعادلا بنتيجة 2-2 في المباراة التي جمعتهما. وبحسب قوانين الفيفا، ففي حال تساوي جميع المؤهّلات السابقة، يتأهّل الفريق الذي لعب كرةً "أنظف"، ويعني ذلك الفريق الذي ارتكب أخطاءً أقل. ويبدو أن اليابان تحبّ التأهّل بطرقٍ "دراماتكية"، فاختار المدرّب "هاليدزويتش" أن يدوّر الكرة بين لاعبيه في آخر 10 دقائق دون محاولة التقدّم بالكرة على الإطلاق، حتى إن عدت إلى ملخّصٍ مكتوبٍ لتلك المباراة فستجد أن سجل الأحداث كان فارغاً تماماً بين ركنيةٍ للمنتخب البولندي في الدقيقة 82 ونهاية المباراة.
2) مونديال 1982: فضيحة خيخون
إن كنت تظنّ أن مشاهدة فريقٍ يدوّر الكرة لعشر دقائق هو أمرٌ سلبي، فلا ننصحك أبداً بمشاهدة المباراة التي جمعت بين النمسا وألمانيا الغربية في مونديال 1982، والتي كانت السبب في قرار الفيفا بإقامة مباريات الجولة الثالثة من دور المجموعات في الوقت نفسه. ضمّت المجموعة الثانية فرق النمسا وألمانيا الغربية وتشيلي والجزائر.
صعقت الجزائر العالم بفوزٍ تاريخي على ألمانيا الغربية في مباراتها الأولى، والذي كان أول فوزٍ لفريقٍ أفريقيٍّ أو عربي على فريقٍ أوروبي في تاريخ مباريات كأس العالم، ومن ثم خسرت أمام النمسا في مباراتها الثانية، وفازت بالثالثة أمام تشيلي. كانت حظوظ الجزائر قويةً بالتأهّل بعد مبارياتها الثلاث وتقاسمها الصدارة مع النمسا بأربع نقاط (كان الفوز يمنح صاحبه نقطتين بدلاً من ثلاث كما هو متعارفٌ عليه اليوم)، مع بقاء المباراة الأخيرة في المجموعة بعد مباراة الجزائر بيوم بين النمسا وألمانيا الغربية التي كانت بالمركز الثالث برصيد نقطتين. كان فوز النمسا أو تعادلها يصعد بالجزائر إلى الدور الثاني، فيما كانت ألمانيا الغربية ستتساوى مع النقاط مع كلا الفريقين ويكون الفيصل هو فارق الأهداف، مع وجود أفضليةٍ مريحة للنمسا التي ضمنت التأهّل بشكلٍ شبه كامل.
ما حصل هو مباراةٌ حاميةٌ وشرسةٌ جداً في الدقائق العشر الأولى سجّل فيها الألمان هدفاً يتيماً، وبعد ذلك تحوّلت المباراة إلى أحد أكثر المباريات مللاً وبرودة في تاريخ المونديال، إذ بقي اللاعبون يدوّرون الكرة فيما بينهم مدة 80 دقيقة تحت استهجان الجماهير، حتى جماهير ألمانيا الغربية نفسها، الذين كانوا يأملون بمشاهدة الجزء الثاني مما عُرف بمعجزة قرطبة التي فازت فيها النمسا على ألمانيا الغربية في مونديال 1978 في الأرجنتين.
وكانت "الفضيحة" في أن تواطأت النمسا وألمانيا الغربية على إقصاء الجزائر بعد ضمان الفريقين التأهّل. بطبيعة الحال أنكر كلا الفريقين وجود مؤامرةٍ لإقصاء الجزائر، لكن في عام 2007، أي بعد 25 عاماً من الحادثة، اعترف المدافع الألماني السابق بريغل، الذي كان مدرّباً للبحرين في ذاك الوقت، بوجود اتفاقٍ يُفضي إلى صعود النمسا وألمانيا الغربية معاً وإقصاء الجزائر.
3) مونديال 2002: مؤامرةٌ كورية
نظرية مؤامرةٍ أخرى حابت المستضيفين كوريا الجنوبية. لو نظر أحدٌ ما إلى مسيرة كوريا الجنوبية في مونديال 2002، لأشاد برجال الهولندي غوس هيدينك الذين أقصوا فريقين من أقوى فرق العالم في ذاك الوقت في طريقهم إلى نصف النهائي. ولكن لمن تابع المونديال، فسيعرف تماماً حجم القرارات التحكيمية الغريبة التي رجّحت كفة المنتخب الكوري في مباراتيه أمام إيطاليا وإسبانيا في دور الـستة عشر ودور الثمانية. أربعة أهدافٍ صحيحةٍ ملغاة لإيطاليا في دور المجموعات، وطردٌ مشكوكٌ في صحته لتوتي، وهدفان صحيحان ملغيان لإسبانيا، كلها رسمت طريق كوريا الجنوبية إلى نصف النهائي.
4) نهائي مونديال 1990: ظلمٌ تحكيميٌّ وجزاءٌ عادل
يُقال أن أرجنتين 1990 هو أسوأ فريقٍ يصل إلى نهائي كأس عالم، بتقديمه لأداءٍ باهتٍ في معظم مبارياته، وربما أكبر دليلٍ على ذلك هو تجاوز مرحلتي ربع النهائي ونصف النهائي بركلات الجزاء أمام كلٍّ من يوغسلافيا (0-0 في الوقت الأصلي) وإيطاليا (1-1 في الوقت الأصلي)، هذا بعد صعوده أصلاً إلى أدوار خروج المغلوب عن ملحق الفرق الحاصلة على المركز الثالث.
في المباراة النهائية أمام ألمانيا، التي عُرفت هي الأخرى بانها أحد أكثر المباريات النهائية المملة في تاريخ كأس العالم، استمرت الأرجنتين بأدائها السلبي، ولكن للإنصاف عانت الأرجنتين من إصابة وإيقاف عددٍ من لاعبيها. بكل الأحوال نالت الأرجنتين عقابها بحصول مونزون على بطاقةٍ حمراء بعد تمثيل كلينزمان في الدقيقة 65، وخسرت الأرجنتين المباراة في الدقائق الأخيرة بعد سقوط المهاجم الألماني فولر وحصوله على ضربة جزاء أيضاً مشكوكٍ بصحتها، سجّلت منها ألمانيا لتحصل على نجمتها الثالثة.
5) مونديال 1966: مونديالٌ جدلي ينتهي بهدف الأشباح
"هل تجاوزت كرة إنجلترا الخط؟" الجدلية الأخيرة شبيهةٌ بجدلية اليابان، ولكن هذه المرة كانت المناسبة نهائي كأس العالم بين إنجلترا وألمانيا الغربية. احتُسب الهدف الثالث لمنتخب إنجلترا في الوقت الإضافي بعد كرةٍ ضربت العارضة وارتدت على الأرض. طالب الإنجليز باحتساب هدف تحت اعتراض الألمان، ليكون القرار في النهاية بيد حكم الخط السوفيتي/الأذربيجاني باكراموف الذي منح الهدف لإنجلترا، ولتنتهي المباراة لاحقاً بنتيجة 4-2.
ولكن الحقيقة هي أن الكرة لم تتجاوز خط المرمى أبداً، ليكون فوز إنجلترا الوحيد بكأس العالم بفضل هدفٍ غير حقيقي، كانت ختاماً لمونديالٍ مليءٍ بالقرارات الجدلية، كقرعةٍ أُقيمت دون حضور معظم ممثّلي المنتخبات المتأهّلة وتحت أنظار رئيس الفيفا الإنجليزي وقتها السير ستانلي روس، تبعها تصريحٌ مشهورٌ وقتها لحكمٍ هولندي قال: "الفيفا بيد ثلاثة أشخاص: السير، ستانلي، روس."
يمتلئ تاريخ كأس العالم بالكثير من اللحظات المثيرة للجدل
قد يقول قائل أن حظ إنجلترا العاثر في كأس العالم، على الرغم من امتلاكها دائماً لتشكيلةٍ مدجّجةٍ بالنجوم، هو عقابها على ما حصل في مونديال 1966، من ذلك مثلاً حرمانها من هدفٍ صحيح في مونديال 2010 أمام ألمانيا، وهدفا مارادونا التاريخيين في مونديال 1986، وطردٌ ظالمٌ لبيكهام في مونديال 1998.