كرنفال للكتاب والحياة في بغداد. هذا ما حصل في "معرض بغداد الدولي للكتاب"، وهذه الانتقالة قادمة من رغبة في خلق الجمال في بلد يتوق إليه، وربما، بل أكيد، أنّ جمهور القراءة والكتب لم يحبّ تكرار فشل المعارض السابقة التي حصلت خلال السنتين الماضيتين، لذا جاء تحقيق المراد والمأمول مثلما حلموا، ومثلما استحقوا، هم والمدينة على السواء.
شكّل "معرض بغداد الدولي للكتاب" على مستوى التجربة وسيلة إثبات للحياة، وأن رغبة العيش لا زالت حيّةً تتوثب في شرايين بغداد
شكّل هذا المعرض على مستوى التجربة وسيلة إثبات للحياة، وأن رغبة العيش لا زالت حيّةً تتوثب في شرايين بغداد، وأننا على قيد الثقافة نتنفّس روح الكتب والكتابة والأفكار والأحلام، وأن المثال القائل "بغداد تقرأ" لا زال ساري المفعول أيها العالم، رغم كل تناقضات المجتمع، ورغم بعض المفاهيم التي تفهم بشكل خاطئ والتي تحسب على وعي المجتمع، وعلى جمهور القراء، إلا أننا سنأخذ من ذلك أي نسبة تعد لوعي متكامل، وتحاول الوصول ببغداد إلى مصاف المدن التي ارتقت بمثقفيها وكتابها.
اقرأ/ي أيضًا: من سنجار إلى بغداد
من جميل ما حدث في المعرض هو دعوة الكتاب العرب، الذين كانت بغداد حلمًا لهم، وروعة هذه الدعوة أنها ستملك حسنة نقل هؤلاء المبدعين سواء في نصوصهم، أو بشكل شفوي، ما نعيشه الآن بشكل حقيقي، ولا أعتقد أن أحدًا منهم ذم فيها شيئًا، ليس خوفًا أو تملقًا، بل كانوا صادقين فيما قالوا كل القول من حبّهم لبغداد.
من أسباب النجاح الأخرى التي ساعدت على تألق هذا العرس، أو الكرنفال، هو الإعلام الذي توفّر له، إذ كان جادًا بشكل حقيقي وصداق في بيان حقيقة القارئ العراقي للعالم، ولضيوفه من العرب الذي قدموا إلى المعرض، ورغم بعض هفوات التنظيم، إلا أن ذلك لا يعني الانتقاص منه أو ذمه، ومن أسباب الروعة أن صالة العرض بقية ممتلئة حتى آخر أيامه.
"بغداد مدينة الكتب"، تصلح هذه العبارة عنوانًا للتاريخ، وسيكون على جمهور القراءة العراقي أن يحققها يومًا تلو يوم، وليس فقط خلال المعرض.
أذكر هنا حديث أحد المثقفين العرب من زوّار المعرض عن بغداد، إذ قال: "أمي تفتخر بين الأهل والأحبة أنني في بغداد الآن، الأمر يشبه الذهاب إلى الحج بالنسبة لها". ثم شبّه بغداد ببيت الجد الذي تذهب إليه فرحًا، تمرح فيه وتلعب، وتجد أثاثه قديمًا"، ولعلَّ أكثر ما حزن على قوله لي: "لكم تمنيت أن يكون لها ذلك المعمار الذي طالما مثل روح بغداد على الدوام!".
شارع المتنبي، معرض العراق الدائم للكتاب، يمثّل وجدان العراق، والمحافظ الأكبر على أوكسجين الثقافة
اقرأ/ي أيضًا: "معرض بغداد الدولي للكتاب": فاتحة لحياة عراقية جديدة
ما أضاف نكهة إلى المعرض هو ذلك اللقاء المباشر مع أشخاص نعرفهم في العالم الافتراضي، حيث انتقلنا معهم من عالم التراسل إلى المقابلة واللقاء والعناق. وعني شخصيًا كان لي اللقاء مع بعض الأحبة العرب من الشعراء الذين أحبّهم صدقًا، خصوصًا الشاعرة الكويتية هدى أشكناني، التي ذاقت متعجبة القهوة الحلوة بعد أن تجولنا في حي المنصور - شارع الأميرات، وأبلغتها أنها أميرة كويتية في شوارع بغداد. وعن قبلة الروائية علوية صبح، المليئة بالحب وروح الشباب، إذ رافقتها إلى شارع المتنبي، معرض العراق الدائم للكتاب، الشارع الذي يمثّل وجدان العراق، والمحافظ الأكبر على أوكسجين الثقافة. ناولت السيدة علوية كتبًا قيمة عن الفن الإسلامي، فأخذتها بحب إلى حضنها، وقالت إنها من أروع ما حصلت عليه، ثم منحتي قبلةً.
هذه أيام ستبقى للذكرى، ولن تكون عادية في حياة القارئ العراقي. وسيكون علينا، نحن محبي الكتب، أن ننتظر تكرارها في السنوات القادمة بشكل أوسع، فبهذه الفعاليات يكون ملح المدينة الذي يعطيها طعهما.
اقرأ/ي أيضًا: