31-أغسطس-2023
gettyimages

وزير الخارجية البريطاني، وصل إلى بكين وناقش المواضيع الحقوقية (Getty)

يستمر توافد المسؤولين الغربيين إلى بكين، في محاولة لترميم العلاقات البينية وإصلاح ما يمكن إصلاحه فيها، في ظل التحدي الذي تمثله الصين للمصالح الغربية، وكان آخر تلك الزيارات، زيارة وزير الخارجية البريطانية جيمس كليفرلي أمس الأربعاء إلى بكين، حيث وصف علاقة حكومته مع بكين بأنها "معقدة ومتطورة" في آن واحد، مضيفًا القول إن نهج المملكة المتحدة كان واضحًا وعمليًا، ولا يسعى إلى عزل ثاني أكبر اقتصاد في العالم ولا يخجل من إثارة الخلافات.

وعلّقت صحيفة الغارديان البريطانية على المساعي الغربية لدى الصين، بالقول إنها تواجه صعوبات، لناحية تحقيق التوازن والنجاح خلال زيارات المسؤولين الغربيين لبكين، بدءًا بزيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مرورًا بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووصولًا إلى زيارة يوم أمس التي أجراها وزير الخارجية البريطاني كليفرلي، والتي أظهرت على وجه خاص صعوبة في تحقيق التوازن والنجاح المنشود بين محاولة إصلاح العلاقات من جهة، ومعالجة التحدي الذي تفرضه الصين على الغرب من جهة ثانية.

علّقت صحيفة الغارديان البريطانية على المساعي الغربية للتوجه نحو الصين، بالقول إنها تواجه صعوبات، لناحية تحقيق التوازن والنجاح خلال زيارات المسؤولين الغربيين لبكين

وتظل الصين، حسب الغارديان، شريكًا تجاريًا بالغ الأهمية، ولاعبًا ضروريًا في الجهود المبذولة لمكافحة أزمة المناخ. لكن، وفي الوقت نفسه، في ظل الحكم الاستبدادي المتزايد لشي جين بينغ، أصبحت حكومتها أكثر عزلة عن أجزاء كبيرة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفائهم. الذين يعترضون على سلوك الصين التوسعي في بحر الصين الجنوبي، وانتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ، والعدوان العسكري على تايوان، والقمع المناهض للديمقراطية في هونغ كونغ. 

كما أنّ هناك قلقًا واسع النطاق بشأن دعم بكين لروسيا بينما تشن موسكو حربًا على أوكرانيا.

ويرفض الرئيس الصيني شي جين بينغ كل الانتقادات، متهماً الولايات المتحدة بقيادة مؤامرة غربية لتشويه سمعة الصين أو التدخل في شؤون الصين الداخلية. وأدى ذلك إلى عقوبات وإدانات ومواجهات اقتصادية وعسكرية.

زيارة بريطانية للصين

وأمس الأربعاء قال كليفرلي، مثل من سبقوه من المسؤولين الغربيين الذين زاروا بكين مؤخرا، إن قضايا حقوق الإنسان مثل الانتهاكات في شينجيانغ، وكذلك الحرب الأوكرانية، كانت على جدول الأعمال. لكنه مع ذلك واجه انتقادات من حزب المحافظين الذين يريدون موقفا أكثر صرامة ضد بكين. 

وأكّد كليفرلي لشبكة سكاي نيوز أمس الأربعاء، أنه أثار قضايا حقوق الإنسان في "كل اجتماع". وعندما سئل عما إذا كان مجرد إثارة هذه القضايا كافيًا، قال: "أعتقد أن الحكومة الصينية تفهم أن المملكة المتحدة متسقة في نهجها".

وفي إجابة عن سؤال: ما الذي يمكن أن تحققه هذه الزيارات؟ قال البروفيسور ستيف تسانغ، مدير معهد Soas China، إن الاتصال الشخصي على المستوى الوزاري كان مفيدًا دائمًا. وأضاف: "لكن من غير المرجح أن يغير هذا سياسة الصين الخارجية، التي وضعها شي الذي يريد أن يبقى بوتين في السلطة وأن يظل قويًا، وهذا لن يتغير، مهما قال كليفرلي".

وقال سكوت سينجر، أحد مؤسسي مختبر أكسفورد لسياسة الصين، إن مثل هذا الحوار لا يزال حاسمًا لمنع الأزمات، مضيفًا القول: "إن أنواعًا معينة من التعاون يمكن أن تعزز الأمن البشري والعالمي وبالتالي تجعل بريطانيا أكثر أمانًا. والمفتاح هو تحديد تلك المجالات التي يوجد فيها احتمال كبير لتحقيق مكاسب مشتركة ومخاطر منخفضة على الأمن القومي".

getty

يشار إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن أثار موضوع الغزو الروسي خلال اجتماعاته في حزيران/يونيو مع شي جين بينغ، ومع وزير الخارجية آنذاك تشين جانغ، ومع كبير الدبلوماسيين الصينيين ــ الذي أصبح الآن بديل تشين وانغ يي، وتلقى حينها تأكيدات بأن بكين لن تزود روسيا بالأسلحة، لكن تقارير متعددة وجدت أن مصادر صينية ساعدت القوات الروسية بشكل غير مباشر بالإمدادات.

غزو أوكرانيا والصين

وقال وين تي سونغ، الخبير في شؤون الصين في الجامعة الوطنية الأسترالية: "أتصور أن الحكومات الغربية لم تعد تحمل الكثير من الأمل في أن تلعب الصين دورًا استباقيًا في التوسط لإنهاء الحرب الأوكرانية. وهم يثيرون الموضوع على أي حال مع بكين، لإظهار التزامهم المستمر بمخاوف أوكرانيا وإلقاء جزء من المسؤولية عن استمرار الحرب على السلبية الصينية تجاه الحرب".

وقد تم إحراز تقدم أقل عندما تعلق الأمر بمناشدات بكين التراجع عن تايوان، التي تعتبرها الصين مقاطعة صينية عازمة على "إعادة توحيدها".

واعتبر وين تي سونغ أن المسؤولين الأجانب ربما يواصلون إثارة المخاوف بشأن حقوق الإنسان، لكن تركيزهم الرئيسي سيكون على إدارة العلاقة الاقتصادية. 

وفي هذا الصدد، قالت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو، التي تزور بكين حاليًا إنها عقدت اجتماعات "صريحة لم تمارس فيها أي انتقادات" بشأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين. وأضافت الوزيرة الأمريكية "لقد تمكنت من أن أشرح بوضوح أننا سنحمي ما يجب علينا ونعزز ما نستطيع". 

وهذا يعني حسب متابعين أن الأمن القومي غير قابل للتفاوض، ولكن هناك الكثير من الأعمال التي يمكن القيام بها بين الصين والغرب.

وتتبع العديد من الحكومات والاتحاد الأوروبي استراتيجية لتقليل المخاطر، في حين تتولى الولايات المتحدة عملية الفصل التكنولوجي جزئيا. لكن السؤال المطروح، حسب المتابعين، هو كيفية إدارة ذلك دون إثارة ردود فعل انتقامية من جانب بكين؟

تتبع العديد من الحكومات والاتحاد الأوروبي استراتيجية لتقليل المخاطر، في حين تتولى الولايات المتحدة عملية الفصل التكنولوجي جزئيا

علمًا بأن الاقتصاد الصيني يعاني من مشاكل، ويتساءل بعض المحللين عما إذا كان المسؤولون الأجانب يأملون في أن يجعل ذلك بكين أكثر قابلية للتكيف مع علاقات تجارية أكثر ودية؟ لكن الذين تحدثوا من المحللين إلى صحيفة الغارديان قالوا إنه من الصعب التكهن بما إذا كانت المشاكل الاقتصادية في الصين يمكن أن تجعل الرئيس الصيني أكثر انفتاحًا على الحوار.

وفي هذا الصدد، قال أحد المحللين "إن الفهم الغربي لعمليات اتخاذ القرار السياسي للنخبة الصينية ضعيف للغاية بشكل عام"، فيما قال آخر "إن بكين ربما تصبح أكثر انتقائية في كيفية تنفيذ الانتقام الاقتصادي، ولكن ليس بطريقة أقل شدة".