تعرف مدينة وهران، 500 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، بعاصمة الغرب الجزائري وبباريس الصغيرة. وتميّزت بكونها غذّت المدونة الموسيقية والغنائية في الجزائر بأغنية الرّاي، التي امتدّت عالميًا وصار لنجومها صيت وحضور. ينقسم فنّ الرّاي إلى قديم تمتدّ جذوره إلى القرن السادس عشر، وحديث ظهر مطلع ثمانينيات القرن العشرين، مواكبة للتحوّلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عرفها الفضاء الجزائري، بعد رحيل الرئيس هوّاري بومدين ذي النزعة الاشتراكية، ومجيء الرئيس الشاذلي بن جديد ذي النزعة الرأسمالية.
أسّس بلاوي الهواري (1926 - 2017) حساسية عرفت بالأغنية الوهرانية المعاصرة
بين هذين النوعين من الرّاي، أسّس بلاوي الهواري (1926 - 2017) الذي رحل الثلاثاء الماضي، حساسية عرفت بالأغنية الوهرانية المعاصرة، في زمن كانت الدعوة فيه إلى الجديد نوعًا من النكوص والخيانة للموروث. كان ذلك في ستينيات القرن العشرين.
اقرأ/ي أيضًا: محمد روّان.. رحلة في حلم
لاحقًا، فرضت أغانيه نفسها، مثل "بختة" و"الوشّام" و"يا حمام" و"طال عذابي وطال نكدي" و"أصحاب البارود"، بين مجايليه وبين جيل الرّاي نفسه. إذ أقدم العديد من نجومه على إعادة أغانيه، بما أعطاها نفسًا جديدًا. مثلما فعل الشاب خالد مع أغنية "بختة"، وهي اسم يطلق كثيرًا على النساء في منطقة الغرب الجزائري، فصار هذا الاسم، بالإضافة إلى اسم "عيشة" من أكثر الأسماء الجزائرية شهرةً في العالم.
مساهمة بلاوي الهوّاري بفنه في ترسيخ خطاب الثورة والاستقلال، في خمسينات القرن العشرين، واستحداثه مبكرًا لحساسية موسيقية جديدة، وابتعاده عن المعارك والروح الشللية، وشغفه بمدّ يد العون للأصوات الشابّة، مواصفات جعلته من الأصوات التي اخترقت الزمن والأجيال، وبقيت محافظة على هالتها واحترامها، رغم الانقلابات الفنية التي حدثت في المشهد الفنّي الجزائري.
لمسنا ذلك في الدورات المختلفة لـ"مهرجان الأغنية الوهرانية"، وفي البرنامج التلفزيوني الشبابي "ألحان وشباب"، حيث كانت الأصوات الشابّة تتهافت على إعادة أغانيه والإشادة بكلماتها وألحانها. يقول إبراهيم حدرباش أحد خرّيجي هذا البرنامج لـ"الترا صوت" إن الفقيد بلاوي الهوّاري حظي باحترام الجيل الجديد لأنه كان خادمًا للجديد في الفن ولم يكن معرقلًا، "كان يفرح بظهور صوت حقيقي جديد، ولم يحدث أن زكّى صوتًا مغشوشًا".
اقرأ/ي أيضًا: