لم يتوقف الجدل حول هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بسبب سياساتها التحريرية تجاه ما يحدث في غزة، والإجراءات التي اتخذتها ضد بعض صحفييها على خلفية موقفهم المناهض للمذابح التي ترتكبها "إسرائيل" بحق المدنيين الفلسطينيين.
ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أحالت "بي بي سي" 6 من صحفييها العرب إلى التحقيق بعد إشادتهم بعملية "طوفان الأقصى" في حساباتهم على منصة "إكس"، وأوقفتهم عن العمل.
جاء قرار "بي بي سي" بإحالة صحفييها إلى التحقيق استجابةً لبلاغٍ تقدمت به منظمة "كاميرا لتحري الدقة في تغطية أخبار الشرق الأوسط"، التي قالت على موقعها الإلكتروني إن صحفيي هيئة الإذاعة البريطانية: "أدلوا على مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات تبرّر قتل المدنيين الإسرائيليين على يد حماس"، متهمةً الشبكة بـ"تبييض استهداف المدنيين اليهود في إسرائيل منذ ما قبل التصعيد الأخير".
تتعرّض "بي بي سي" لانتقادات مستمرة بسبب تحيّزها الواضح لـ"إسرائيل" وتبنيها للرواية الإسرائيلية حول ما يجري في غزة
ورغم أن "كاميرا" تقدم نفسها كطرف مستقل لا يتبع أي تيار سياسي أو حزبي، ولا يتخذ أي موقف من القضايا المتعلقة بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية، وبالصراع العربي الإسرائيلي؛ إلا أن أهدافها تصب في خدمة إسرائيل بحسب تحقيق نشره موقع"مسبار" يوضح فيه انحياز المنظمة لـ"إسرائيل" ومساهمتها في الترويج للرواية الإسرائيلية.
وفي سياق متصل، وصفت "بي بي سي" المتظاهرون البريطانيون المتضامنون مع فلسطين بأنهم داعمون لـ"حركة حماس" المصنفة في بريطانيا على أنها جماعة إرهابية، وقد تراجعت القناة عن هذا التعبير لاحقًا، وأقرّت أنه كان وضفًا مضللًا.
ورأى ناشطون ومدونون أن ما قامت به "بي بي سي" ليس خطًأ عرضيًا، بل توصيف متعمد منها تترتب عليه آثار سلبية من شأنها إحداث ضرر بالمجتمع والمشاركين في المظاهرات والجالية المسلمة في بريطانيا، ومن ثّم الحياة بشكل عام.
وعلّق الكاتب في صحيفة "الغارديان" أوين جونس على ما قامت به "بي بي سي" بقوله إن: "هذا التشويه كان مثالًا خطيرًا للتحيز الإعلامي، فالعديد من المحتجين مسلمون بريطانيون، تألموا لمقتل إخوانهم في فلسطين"، مؤكدًا في عبر تغريدة على موقع "إكس" أن: "تصنيفهم داعمين لحماس يزيد من خطر الهجمات المعادية للمسلمين".
وفي وقت سابق، نشرت صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية تقريرًا أوردت فيه أسماء الصحفيين العرب الذين تم إيقافهم عن العمل بشكل مؤقت، وهم: مراسلة الشؤون الدينية اللبنانية سناء الخوري، ومديرة البرامج اللبنانية ندى عبد الصمد، والمراسلة المصرية سالي نبيل، والصحافي والمنتج المصري محمود شليب، والصحافية في مكتب القاهرة المصرية سلمى خطاب، والمتعاونة (فريلانسر) آية حسام، والمراسل الرياضي عمرو فكري.
ووفقًا لما نشرته صحيفة "العربي الجديد"، في 15 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أوقفت إدارة "بي بي سي" هؤلاء الصحافيين عن العمل مؤقتًا إلى حين انتهاء "تحقيق النزاهة". وقد اتجه بعض هؤلاء، بطلب من الإدارة، إلى حذف التغريدات والمنشورات التي اعتبرت "مسيئة".
وبعد أقل من شهر على إيقاف الصحافيين، أرسلت "بي بي سي" إلى 5 منهم رسالة إلكترونية أبلغتهم فيها بأنها لن تتخذ أي إجراء تأديبي بحقهم: "رغم أن تغريداتهم تضمّنت خرقًا لسياسة مواقع التواصل" الخاصة بالهيئة. كما أبلغت الصحافيين الذين جرى التحقيق معهم بأنهم سيخضعون: "لتدريب على سياسة مواقع التواصل الاجتماعي والحياد"، إلى جانب دعوتهم للعودة إلى ممارسة مهاهم بشكل طبيعي.
أما مديرة البرامج اللبنانية ندى عبد الصمد، فلم تحضر التحقيق أساسًا، وأعلنت عبر حسابها على منصة "إكس" أنّها تتجه إلى مقاضاة الهيئة: "الآن يمكنني القول أني ادعيت على بي بي سي للإساءة المهنية بحقي والضرر الذي لحق بسمعتي وعدم اهتمامها بحمايتي من خلال السماح للتلغراف بنشر صورتي واسمي".
وتتواصل الانتقادات للهيئة البريطانية التي أظهرت تحيّزًا واضحًا للرواية الإسرائيلية. وقد سخّر مدونون ومغرّدون من إبلاغ الهيئة صحفييها الذين أوقفوا الشهر الماضي بأنّهم سيخضعون لدورة عن سياسة مواقع التواصل الاجتماعي والحياد، معتبرين أن المؤسسة نفسها بحاجة إلى مثل هذه الدورة، إذ لم يظهر حيادها في تغطية العدوان على غزّة.
وأشار بعضهم إلى أن فكرة الإنصاف تعني التعامل مع البشر بنفس الأهمية على الأقل، مستشهدين بتغطية "بي بي سي" للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، حيث اكتفت بصورة صغيرة لهم أسفل الشاشة على صفحتها الأولى، مقابل حيّز واسع غطّى الصفحة الأولى للمحتجزين الإسرائيليين الذين تم الإفراج عنهم.
تجاهلت "بي بي سي" في تغطيتها لما يحدث في قطاع غزة معاناة الفلسطينيين وجرائم الاحتلال بحقهم
واتهم صحفيون عاملون في "بي بي سي" مؤسستهم بالتحيز لـ"إسرائيل" في تغطيتها الحرب على قطاع غزة، والاستماتة في إضفاء طابع إنساني على الإسرائيليين، مقابل تجاهل معاناة الضحايا الفلسطينيين، وحذف السياق التاريخي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقالت مجلة "تايمز" البريطانية إن صحفيين في المؤسسة يتهمونها بالتساهل الشديد مع إسرائيل و"تجريد" المدنيين الفلسطينيين من إنسانيتهم، مؤكدين أن موظفيها يبكون في المراحيض بسبب ذلك.