يسمّي الجزائريون الشابّ الذي لا يعمل "حيطيست"، نسبةً إلى الاتكاء على الحائط الدالّ على أنّ صاحبه بلا وظيفة تشغله. وتتضارب المصادر في تحديد نسبة البطالة في الجزائر، ما بين 9 و13 في المائة، غير أن الاعتماد على العين في رصد مشاهد الشباب الذين يؤثثون الشّوارع والمقاهي والسّاحات العامّة، يعطي انطباعًا أنّ النّسبة أكبر من ذلك بكثير.
ظهرت فئة من الشباب الجزائري تعمل على توفير رأس مال وتسافر إلى دول معينة لتعود منها بسلع تبيعها في الجزائر وهي تجارة في ازدهار
يكبر الجزائري على ثقافة شعبية تقول "الخبزة مُرّة"، أي أن العيش لا يأتي "بالسّاهل"، وتقول أيضًا "أخدم بالدّورو وحاسب البطّال"، أي اشتغل مقابل فلس وتكبّر على الذي لا شغل له. غير أن التحوّلات المختلفة التي عرفها المشهد الجزائري، في العشرية الأخيرة، جعلت هذا المنطق مدعاةً للسخرية لدى قطاع واسع من الشّباب الجزائريين؛ "فهم يريدون أن يحصلوا على مصروفهم بأقلّ الجهود، حتى أنّ الجميع يريد أن يصبح حارسًا ليليًا، أي يعمل نائمًا"، كما يقول طالب التّكوين المهني نذير شرقي.
اقرأ/ي أيضًا: بنو مزاب.. ملائكة التجارة في الجزائر
في المقابل يُسمّى الشّاب الذي يحصّل لقمته ومصروفه، رغم أنف الظروف بـ"القافز"، ربّما من القفز، و"الفحل"، من الفحولة، ويحظى باحترام الجميع، بما فيهم الجنس اللطيف الذي يدرج ذلك ضمن مقتضيات الرّجولة. تقول خولة لـ"الترا صوت" إنها لا تستطيع أن ترتبط بشاب يتسوّل حتى قهوة الصّباح من الآخرين، بينما هو قادر على أن يكون بائعًا لها. "استغناء الرجل عن غيره ممّا يغريني به ويثير أنوثتي".
في السّنوات الأخيرة، ظهرت فئة من الشباب، تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والثلاثين، تعمل على توفير رأس مال، في حدود 5000 دولار أمريكي، بحسب مصادر متطابقة، وتسافر إلى مدن معيّنة في العالم، لتعود منها بسلع تبيعها في الجزائر، مثل الألبسة والهواتف النّقالة والسّاعات والذّهب والعطور وأدوات الزّينة.
تأتي دبي وإسطنبول وكوالا لمبور وهونغ كونغ في صدارة المدن المقصودة، لاعتبارات يلخصها لنا بلال علي، أحد الشباب الجزائريين الذين يماريسون هذه الأعمال، في "انخفاض تكاليف الطيران والفنادق، وخفّة الإجراءات الجمركية وسهولة الحصول على التأشيرة، وسمعة السّلع القادمة من هذه المناطق في أوساط الجزائريين، إلى جانب كونها مدنًا سياحية". يضيف: "الفارق الصّارخ بين الأسعار في البلدين، يجعل هامش الرّبح مشجعًا".
يُدخلنا المتحدّثُ نفسُه في مناخات تجربته بالقول: "غادرت الدّراسة مبكرًا، لأسباب تتعلّق بإعالة أسرتي، فاشتغلت في البناء ثمّ في التحميل ثمّ في بيع الخردوات، وكلّها أشغال متعبة وذات مردود مادي ضعيف، فما كان منّي إلا أن طلبت من والدتي أن تسمح لي ببيع حليها الذهبية، على أن أعوّضها لها لاحقًا، وسافرت إلى إسطنبول التي أدهشتني بجمالها وفرصها التجارية".
تعتبر تجارة الشنطة في الجزائر حلًا لتعاظم مشكل البطالة في صفوف الشباب
عدت محمّلاً بألبسة رجالية مختلفة، يقول بلال، واستأجرت مؤقتًا محلًّا صغيرًا في مدينة بودواو، 38 كيلومترًا إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، فلم تمض ثلاثة أيام حتى بعت كلّ سلعتي، ما عدا قطعًا محدودة، وبعد أن خصمت تكاليف الطائرة والفندق والأكل وإيجار المحلّ، وجدتني قد ربحت 700 دولار أمريكي. يواصل: "فصرت أفعل ذلك مرّتين في الشّهر، علمًا أنّ مبلغ 1400 دولار في الجزائر شهريًا، تعادل راتب معلّم ستّ مرات، وهو ما أهلني لأن أشتري سيارة وأفتح محلّا خلال سنتين فقط".
اقرأ/ي أيضًا: "أسواق البطالين" في الجزائر.. عبقرية الحاجة
يكفي الوقوف لمدّة ربع ساعة في مطار هواري بومدين الدّولي في الجزائر العاصمة، في أيّ يوم من أيّام الأسبوع، لإدراك أنّ هذه الحركة باتت تستقطب عددًا معتبرًا من الشّباب الجزائريين. يقول محمد العمري من مدينة العلمة، 300 كيلومتر شرقًا، وهي أكثر المدن الجزائرية استقبالًا لهذه السّلع، "لم يعد المطار الجزائري يسفّر إلا المعتمرين و"تجار الشّنطة"، وذلك أن حركتنا لا تنقطع على مدار العام، فقد بتنا نتوفّر على خبرة في معرفة السّلع المطلوبة هنا، والتكيّف مع متطلبات الفصول، كما بتنا نملك علاقاتٍ تحكمها الثقة مع المموّنين في الدّول المقصودة، وقد باتت معرفتنا باللغات المستعملة هناك عامل نجاح إضافيًا".
ولفت العمري انتباهنا إلى جملة من الحيل التي يعتمدها في تمرير الوزن الزائد، "أقف عند بوّابة المطار، فأرتّب علاقاتٍ سريعةً مع بعض الجزائريين العائدين، تسمح لي بأن أحمّلهم بعض الحقائب، على أن أمنحهم هدايا معيّنة عند الوصول، كما أنّني أصطحب معي بعض الأصدقاء والأقارب للسّياحة، على أن يدخلوا سلعًا إضافية لي بأسمائهم".
بعض هؤلاء الشّباب، لا يكلّفون أنفسهم بيع سلعهم بأنفسهم، ربحًا للوقت والجهد، بإقدامهم على بيعها دفعةً واحدةً لأصحاب المحالّ التجارية. يقول نصر الدين من مدينة حمّام بوحجر، 600 كيلومتر غربًا، إنّ هذه الطريقة تسمح له بأن يسافر ثلاث مرات في الشّهر، "وهو ما يعزّز من فرص حصولي على المال، لأنني أنوي أن أشتري محلّا مستقلّا يخلفني فيه أخي الأكبر الذي موّلتُ زواجه". ويبدي المتحدّث اعتزازه بنشاطه: "أنا أفضل من شابّ أكل الحائط ظهره، ومن آخر يهدر يومه في الدردشة الفارغة في "فيسبوك"، ومن مثقف يعتقد أنّه يعارض الحكومة، لكنّه ينتظر دعمها في النهاية".
اقرأ/ي أيضًا: