في حلقةٍ جديدة من حلقات تسونامي التسريبات التي عصفت بالبريد الإلكتروني لسفير أبوظبي في واشنطن يوسف العتيبة، نشر موقع ميدل إيست مونيتور، بداية الشهر الجاري، تقريرًا بالاستناد لرسائل مسربة تُظهر استياءً إماراتيًا من الدور الذي تلعبه قطر في دعم حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS)، ومحاولة الضغط عليها من خلال التهديد بنقل قاعدة العديد العسكرية الأمريكية من الدوحة لدولة مجاورة.
كشفت تسريبات اُخرى من البريد الإلكتروني ليوسف العتيبة، عن استياء أبوظبي من الدور الذي تلعبه قطر في دعم حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)
العتيبة: "يجب أن يفهم القطريين الرسالة"
التسريبات التي نشرها الموقع البريطاني، ضمن سلسلة رسائل حصلت عليها مجموعة "غلوبال ليكس" بعد اختراقها البريد الإلكتروني للعتيبة، كشفت رسائل متبادلة بين سفير أبوظبي والدبلوماسي الأمريكي السابق دينيس روس، بحث فيها "إمكانية محاسبة" الدوحة بسبب مواقفها الداعمة لحركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، تضمنها حديث عن اتخاذ سلسلة "إجراءات عقابية" لإجبارها على "تغيير سلوكها" في منطقة الشرق الأوسط.
اقرأ/ي أيضًا: تسريبات العتيبة.. إرهاب أبوظبي "الدبلوماسي" برعاية إسرائيلية
وشغل دينيس روس سابقًا منصب مبعوث الرئاسة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، خلال عهديّ الرئيسين بوش الأب وبيل كلينتون، ويصفه البعض بأنه "الحارس الأمين لمصالح إسرائيل"، وهو من الداعين لأن يكون اليهود الإسرائيليين أصحاب "الحق الحصري" في تقرير مصيرهم داخل الأراضي المحتلة، كما أن معظم المراقبين اعتبروه سببًا رئيسيًا في إخفاق واشنطن بلعب دور الوسيط النزيه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويرجع تاريخ تبادل الرسائل بين العتيبة وروس، لما يزيد عن 10 أعوام. ويقول الموقع البريطاني إن الحزمة الجديدة من التسريبات تحتوي على آلاف الرسائل المتبادلة، إذ كشفت عن استيائهما من المؤتمر الذي نظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في آب/أغسطس 2016 بتونس، تحت عنوان: "استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد: الواقع والطموح"، كمثال على ما تضمنته الرسائل لاتخاذ خطوات اتجاه موقف قطر الداعم لمقاطعة إسرائيل. وللمصادفة هو المؤتمر عينه الذي حاولت زمرة من داعمي نظام بشار الأسد في تونس اختراق إحدى جلساته والتشويش على الحضور.
العتيبة وروس.. بين التواطؤ والرداءة السياسية
والإشارة في التسريبات لدور المركز العربي للأبحاث، في الحملات الرامية لتشكيل رأي عام واضح لمقاطعة إسرائيل دوليًا؛ كان فصلًا من فصول ممارسات أبوظبي التي تحاول الضغط بها على مجموعة من وسائل الإعلام العربية والمؤسسات الأكاديمية لتغيير سياستها في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ومحاولة تخفيف التصعيد الإعلامي، مقابل التركيز على أهمية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتماشى مع سياسة خلف أبو ظبي- الرياض الحالية في المنطقة.
وكان المؤتمر الذي ورد ذكره ضمن مجموعة الرسائل المسربة، قد أكد في نهايته على "دعم جهود حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، وهو الذي تعرض في نفس الوقت لهجوم من الصحافة اليمينية الغربية، التي اعتبرته ضمن محاولات "شيطنة إسرائيل".
وردًا على ما ورد في تسريبات العتيبة، قال المدير التنفيذي للمركز العربي، محمد المصري، إن ذلك "يعكس مستوى التواطؤ والرداءة السياسية بين هذين الشخصين"، في إشارة لروس والعتيبة، معتبرًا أن هذه التسريبات تكشف في جوهرها عن "عدم قبول الشخصين مبدأ الحرية الأكاديمية"، وأن ذلك يدل على تطابق الرؤى بينهما فيما يتعلق بالهجوم على كل من ينتقد الاحتلال الإسرائيلي، وسياسات الفصل العنصري في فلسطين.
وكانت إسرائيل قد قررت في أب/أغسطس الماضي، إغلاق مكتب قناة الجزيرة الإخبارية في القدس المحتلة، مبررة قرارها بأنه جاء استنادًا لمواقف دول عربية حظرت عملها على أراضيها، في إشارة للدول الذي فرضت حصارًا على قطر منذ حزيران/يونيو الماضي. وكان وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، قد وصف تلك الدول حينها بأنها "سنية معتدلة، تريد إسرائيل عقد تحالفات وتحقيق شراكة اقتصادية وإبرام سلام معها".
مراحل متقدمة لتطبيع دول الحصار مع إسرائيل
وتضمنت الرسائل الإلكترونية المتبادلة، حديث روس في واحدة منها عن ممارسته بشكل شخصي خلال ما أسماها بالمرحلة الانتقالية (أغلب الظن أن المقصود بها بدايات استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمهامه في البيت الأبيض) ضغوطًا على الدوحة، وأنه في حال لم "تنأى بنفسها رسميًا"، بتعبيره، عن دورها في دعم المركز العربي للأبحاث، أو حركة "BDS"، فإنه سيتم اتخاذ خطوات معينة اتجاهها.
ويشير روس لمحاولة دفعه واشنطن اتخاذ خطوات لإغلاق القاعدة الأمريكية في منطقة العديد القطرية، وهي أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي إحدى الرسائل، أظهر روس إصرارًا على نقل القاعدة الأمريكية في حال هددت الدوحة ما وصفه بـ"المصلحة الجماعية"، وهو تعبيرٌ يبدو جليًا أنه استخدمه للربط بين إسرائيل ودول الحصار في "مصلحة" واحدة "جماعية".
تسريبات العتيبة الأخيرة، تنسجم تمامًا مع الجهود الدبلوماسية لدول الحصار للضغط على القرار العربي للتطبيع مع إسرائيل
والتسريبات الأخيرة المرتبطة بالعداء لحملات المقاطعة الدولية لإسرائيل، تنسجم مع الجهود الدبلوماسية لدول الحصار التي تحاول ممارسة ضغوطًا مختلفة على القرار العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعدما كشفته مجموعة من التقارير الغربية عن زيارات لمسؤولين خليجيين إلى تل أبيب، أو اتصالات متبادلة مع دول عربية يعود تاريخها لفترات زمنية طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: مشروع "نيوم".. ذريعة ابن سلمان لإعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل
ولا تخرج الرسائل المسربة في سياقها عمّا أثارته تقارير غربية مؤخرًا، تحدثت عن زيارة سرية قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تل أبيب، وذكرت وكالة الأناضول التركية مؤخرًا، أن شركات إسرائيلية أبلغت صحيفةً عبرية عن وجود محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة السعودية، تُمهد لدخولها في تنفيذ مشروع نيوم الذي يطمح بن سلمان تنفيذه انطلاقًا من داخل السعودية، عابرًا لحدودها إلى الأردن ومصر.
وجميع هذه الفصول، تدخل في إطار سياسة مختلفة بدأت تنتهجها الدول الأربعة التي فرضت حصارًا على الدوحة، فقد اتخذت البحرين سلسلة مماثلة من الإجراءات، حيثُ كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، رفض ما يثار من أحاديث عن مقاطعة الدول العربية لإسرائيل، ونقلت عنه قوله إنه "يحق للمواطنين البحرينيين زيارة تل أبيب".
ولعل ذلك يفسر تصعيد المنامة الأخير اتجاه الدوحة، حيثُ نقل موقع العربية السعودي، في سلسلة تغريدات نهاية الشهر الماضي، رفض الملك البحريني حضور أي قمة خليجية تتواجد فيها قطر ما لم تبدل سياستها في المنطقة، بالإضافة لذهاب وزير الخارجية البحريني خالد بن حمد آل خليفة، للمطالبة بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. وجاءت التصريحات الأخيرة برفقة إصدار الملك البحريني قرارًا بفرض تأشيرات على القطريين الراغبين بزيارة بلاده، في خطوة مخالفة لما تنص عليه اتفاقيات الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ليتضح مع التسريبات، وفي السياق العام، أن سياسات قطر في المنطقة التي ترغب البحرين في تغييرها، مقصود بها بدرجة كبيرة، المضي نحو التطبيع مع إسرائيل.
زيارات سرية قديمة
والتسريبات تكشف بشكل تدريجي مجموعة ترتيبات بدأت الإمارات العمل عليها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فقد تحدث تقرير نشره قبل نحو ثلاثة أعوام موقع "ميدل إيست آي" عن إجراء رحلات طيران خاصة بين أبوظبي وتل أبيب. وقال الموقع إن رادارات الطيران أظهرت أن الرحلة رقم "PTG 315" توقفت فترة وجيزة في الأردن، بعد مغادرتها تل أبيب، قبل أن تتابع طريقها إلى أبوظبي.
ويشير التقرير عينه إلى أن وكالة الاستخبارات الفرنسية، كشفت في تقرير لها عام 2012، أن شركة مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوتشافي، ومقرها جنيف، وقعت عقدًا مع أبوظبي بقيمة 800 مليون دولار، مقابل بيعها معدات للمراقبة والتنقيب عن النفط. وبحسب التقرير فإن كوتشافي واحد من رجال الأعمال الأكثر نشاطًا في أبوظبي.
والتسريبات الأخيرة حملت في مضمونها مساعي دول الحصار الأربعة للتأثير على الرأي العام العربي في محاولة إنجاح عملية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي المحاولات التي بدأت بشكل فاضح منذ انتهاء قمة الرياض في أيار/مايو الماضي، والتي كلفت دول الحصار الخليجية مليارات الدولارات مقابل صفقة عقدت مع الرئيس الأمريكي ترامب، والتي تظهر الرسائل المسربة من البريد الإلكتروني الخاص بالعتيبة ارتباطها الوثيق بالاتفاقيات المبرمة ضمنها دون أن يعلن عنها بشكل مباشر، وهي تتوافق مع ما ذكره روس في إحدى رسائله بأنه سيتم الإعلان "على الملأ اتخاذ كل خطوة معينة" ضد قطر.
المثير في تسريبات العتيبة، فضحها على الملأ ألعاب أبو ظبي في المنطقة إما بقيادة التطبيع مع إسرائيل أو بدعم قوى الثورة المضادة
ولعل الأكثر إثارةً لما يرتبط في الرسائل المسربة عن بريد العتيبة المخترق، أنها تفضح في مخزونها حجم تشابك العلاقات الإماراتية الإسرائيلية السرية، والذي يظهر أن صفقة تاريخية أبرمت مع ترامب عجلّت من كشفها على هذا النطاق الواسع، إن كان في قيادتها عملية التطبيع مع إسرائيل، أو في دورها الريادي بالقضاء على ثورات الربيع العربي من خلال دعمها للقوى المضادة لها، وفي كلا الأمرين فإن ما كشفته الرسائل المسربة تثبت تخبطًا في السياسة الإماراتية التي تحاول احتواء ما أثارته التسريبات من وثائق أصبحت في متناول اليد في ظل ثورة الإنترنت التي يشهدها عالمنا المعاصر، أو أن أبوظبي لا يعنيها افتضاح أمرها إن كانت لا ترى فيه فضيحة!
اقرأ/ي أيضًا:
العتيبة "الراشي الأكبر".. حفلة فضائح أبوظبي في واشنطن مستمرة
حملة عبرية "عربية" ضد الدوحة.. القصة الكاملة للتحريض الإسرائيلي على قطر