19-أبريل-2019

ترسخ التعديلات الدستورية من حكم الفرد الواحد في مصر (رويترز)

بأثر رجعي ومادة انتقالية مفصلة على مقاس الرئيس عبد الفتاح  السيسي، أقر البرلمان المصري بشكل نهائي التعديلات الدستورية الجديدة، التي تمكن السيسي وحده، من البقاء كرئيس لمصر لعامين إضافيين، متضمنة تمديد الولاية الحالية إلى عام 2024 بدلًا من 2022، كما تمنحه هذه التعديلات مادة انتقالية تسمح له بالترشح لفترة ثالثة لمدة 6 سنوات أخرى (حتى 2030) مع وعد من رئيس البرلمان الحالي علي عبد العال بتعديل الدستور المعدل قبل انقضاء 2030.

بالرغم من السيطرة الواقعية للنظام المصري على السلطات كافة وجميع تفاصيل الحياة اليومية للمصريين، إلا أن  التعديلات الدستورية ستتيح السيطرة المطلقة للرئيس بنص الدستور

 وعقب إعلان البرلمان تعديل مواد الدستور، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات سريعًا دعوة المواطنين، إلى الاستفتاء على المواد المعدلة، خلال الأيام من 20 إلى 22 نيسان/أبريل الجاري داخل مصر ومن 19 إلى 21 للمصريين في الخارج. وقد لاقت تفاصيل التعديلات الدستورية بالإضافة إلى تعجيل الاستفتاء إدانات واسعة، ففي أقل من يوم تم الإعلان عن إجراء استفتاء يبدأ بعد 72 ساعة في حادثة تعد الأولى من نوعها،  ليكون هذا أسرع قرار لتنظيم استفتاء في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: دعاية الخوف.. التعديلات الدستورية في مصر نموذجًا

المواد المعدلة

أقر البرلمان المصري التعديلات على مواد دستور 2014، في جلسة عامة شهدت حضور 554 عضوًا، وافق 531 عضوًا منهم عليها، فيما رفضها 22 آخرون وامتنع عضو واحد عن التصويت، وتهدف التعديلات الدستورية إلى تركيز السلطات في يد الرئيس المصري، وتضعف من السلطة التشريعية والقضائية.

بالرغم من السيطرة الواقعية للنظام المصري على السلطات، إلا أن هذه التعديلات ستتيح السيطرة المطلقة للرئيس بنص الدستور. وتتلخص التعديلات المرتبطة بالسلطة القضائية في المواد المعدلة  "189 و190 و193" وتمنح الرئيس الحق في تعيين رؤساء الهيئات القضائية بعد أن كان ذلك شأنًا داخليًا وفقًا للدستور، كما تمنح التعديلات في المواد 200 فقرة أولى وثانية، وضعًا خاصًا للجيش المصري، تجعله حامي الديمقراطية ومدنية الدولة، كما تعيد التعديلات، دستوريًا أحقية الجيش في محاكمة المدنيين عسكريًا، إلى جانب عدد آخر من المواد، من بينها تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، ما يعني أن النظام يتجه إلى الشكل الرئاسي بدلًا من البرلماني الرئاسي المشترك، ومنحت التعديلات المرأة المصرية كوته بنحو 25 في المئة من مقاعد مجلس النواب الذي لن يقل عدد أعضاؤه عن أربعمئة وخمسين عضوًا، كما قرر البرلمان إنشاء غرفة ثانية للبرلمان تحت اسم "مجلس الشيوخ"، وليس لهذا التعديل أي ميزة غير إرضاء بعض رجال الرئيس ومنحهم حصانة برلمانية.

التعديلات الأهم والأكثر محورية في جميع المواد ستكون تمديد فترة الرئاسة الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ست سنوات، بدلًا من أربعة، في المادة الانتقالية (241 مكرر) والتي تنص على أنه "تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسًا للجمهورية 2018، ويجوز إعادة انتخابه لمرة تالية"، ما يعني أن للسيسي الحق في الترشح لفترة جديدة ثالثة مدتها ست سنوات أخرى تنتهي في 2030.

 ما وراء التعديلات

منذ صعود وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي إلى منصب رئيس الجمهورية، تتحول مصر إلى دولة فرد واحد، بينما مثل الرئيس المصري "ملكًا في مملكة غير دستورية"، وخلال الأربع سنوات الأولى لحكم السيسي عمل على السيطرة على أغلب السلطات، وتربع رجاله على رأس الأجهزة الأمنية، وتمكن من الإجهاز على معارضيه، وتوجهت له باستمرار انتقادات واسعة من جماعات حقوق الإنسان. وخلال الانتخابات الرئاسية في 2018، خاض السيسي معركة غير شريفة، استخدم فيها سلطاته على الأجهزة الأمنية والجيش، واستبعد كل من أعلن نيته في الترشح للانتخابات الرئاسية، سواء عن طريق الاعتقال أو التضييق، وقبل غلق باب الترشح بساعات، دفع النظام برئيس حزب غير معروف من كبار مؤيدي السيسي، لمنافسته في الانتخابات الرئاسية.

وإضافة إلى سوء حالة حقوق الإنسان، هناك أزمات اقتصادية، نتيجة الإجراءات الاقتصادية "المتحررة" التي اتخذتها إدارة السيسي، لإرضاء البنك الدولي طمعًا للحصول على قروض. فيما تأثر المواطن المصري بطبيعة الحال من تلك الخطوات السريعة والمتصاعدة بشكل مباشر، وظهرت ملامحها في رفع أسعار السلع الأساسية والوقود، وكذلك خفض الدعم الحكومي، مع ثبات المرتبات، إضافة إلى تحرير سعر الصرف للعملة المصرية، مقابل الدولار الأمريكي.

السيطرة الواضحة للسيسي على السلطات والتخلص من معارضيه، لم تمنحه إلا استمرارًا في الحكم لعام 2022، وكان سيواجه عقبة دستورية لا يمكن الالتفاف عليها، تمنعه من الترشح لفترة ثالثة، لذلك كان من الضروري تعديل مواد الدستور، والتي كان هدفها الرئيسي، زيادة فترة حكم الرئيس، ويصاحبها دسترة بعض القوانين والإجراءات التي مكنت للسيسي السيطرة على الدولة.

سرعة الإجراءات

في مطلع شباط /فبراير الماضي، اقترح نحو 155 نائبًا، أغلبيتهم من ائتلاف دعم مصر، وهو ائتلاف برلماني قريب من الأجهزة الأمنية، بطلب لتعديل بعض مواد الدستور في بداية 14 شباط/فبراير الماضي، ولكن بعض المعوقات حالت أمام إنهاء التعديلات بشكل سريع، فكان لزامًا مناقشة المواد لفترة لا تقل عن 60 يومًا، ما تسبب في تأخير إنتاج المواد والتصويت عليها داخل البرلمان.

تأخر إصدار البرلمان للمواد لم يثن الحكومة المصرية عن التجهيز للاستفتاء الذي كانت موافقة البرلمان عليه مضمونة، وبدأت الدعاية لصالحه تنتشر في الشوارع المصرية، وكذلك الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات، كل ذلك قبل أن تقر المواد أصلًا، وقبل أن يعرف أحد نصها النهائي، وانطلقت الهيئة الوطنية للانتخابات في التجهيز للاستفتاء لضمان إصدار مواعيد سريعة بالإجراءات، وبعد انقضاء فترة الـ60 بين الموافقة من حيث المبدأ على تعديل المواد، عرضت المواد بصيغتها النهائية على البرلمان المصري الذي أقرها في جلسة واحدة يوم الثلاثاء.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح تعديل الدستور.. كل شيء للسيسي!

كان نص المواد المطلوب تعديلها يتحدث عن مادة انتقالية تمنح الرئيس المصري فترتين إضافيتين (12 عامًا) كوضع خاص، بعد انتهاء ولايته الحالية في 2022، ما كان يعني استمراره في الحكم حتى عام 2034، إلا أن تعديلًا ما حدث في الأيام الأخيرة قبل عرض المواد على البرلمان، ولا يعرف سببه الحقيقي، لتقر اللجنة التشريعية مادة انتقالية، تمنح الرئيس المصري تمديد فترة حكمه الحالية لعامين آخرين، تنتهي في 2024 بدلًا من 2022، ويحق له الترشح للمرة الثالثة بما يعني استمرار السيسي في منصب الرئيس حتى 2030.

منذ صعود وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي إلى منصب رئيس الجمهورية، تتحول مصر إلى دولة فرد واحد، يصير فيها الرئيس المصري "ملكًا في مملكة غير دستورية"

ليست هناك إجابة تفسر سبب حدوث التعديل ويصعب تقدير فرص رفض التعديلات في ظل إجراءات سريعة وضغوط أمنية على المعارضة، تمنع نشاطها في الشارع، هذا إن تحقق استفتاء نزيه أصلًا. ويبقى أمام المعارضة الحشد أو تشكيل جبهة رفض تتحول في المستقبل للجنة عمل مشتركة بينها، أو استغلال عملية "سلق الاستفتاء" للضغط على السيسي دوليًا عبر برلمانات ومنظمات مجتمع مدني خارجية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد مسلسل من الانتهاكات.. السيسي يسعى لتعديل دستور "النوايا الحسنة"