في تقرير جديد، أصدرته منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، كشفت فيه عن تعرّض لاجئ سوري للاحتجاز والتعذيب في شباط/فبراير الماضي، للاشتباه بمثليته الجنسيّة، دلالة واضحة على "التدهور" في مجال حقوق الإنسان، في بلد الطوائف. ربما، شهادة الشاب السوري، تتطابق مع عشرات من الشهادات لمثليين ومثليات ومتحولين جنسيًا تعرضوا للضرب والعنف والاحتجاز ولفحوص شرجية مهينة، لكنهم لم يحظوا بفرصة للكلام.
وبحسب التقرير، احتجز الشاب شادي (اسم مستعار، 31 عامًا) لدى عناصر الجيش والأمن، وعذّب على مدى 5 أيّام في مراكز المخابرات والشرطة العسكريّة ووزارة الدفاع وقوى الأمن الداخلي. وخصّصت جميع جلسات الاستجواب لانتزاع اعتراف منه بممارسة الجنس مع رجال أو معاقبته لأنه مثلي، ولم يسمح له خلالها بالاتصال بمحامٍ، كما لم يبلّغ بالتهم الموجّهة إليه ولم يمثل أمام قاضٍ.
يتعرض المثليون في لبنان للتعذيب والضرب وفحوص شرجية مهينة في أقبية السجون
وأجرت "هيومن رايتس"، مقابلة مع شادي في بيروت في آذار/ مارس ولكن أجّلت نشر قصته، بطلب منه، إلى ما بعد إعادة توطينه بأمان في أوروبا. ووجهت رسائل في 2 و3 تشرين الثاني/نوفمبر لوزارتي الدفاع والداخلية ومخابرات الجيش والشرطة العسكرية وقوى الأمن الداخلي تسرد تفاصيل مزاعم التعذيب وتطلب إجراء تحقيق شامل. وردت وزارة الداخلية اللبنانية في 13 كانون الأول/ديسمبر بأنها تملك إجراء لتقديم الشكاوى، ولكنها لا تستطيع البدء بالتحقيق ومعاقبة العناصر المخالفين إلا إذا تقدمت الضحية بالشكوى شخصيًا.
ولا يتوقّف التعذيب المُمارس في المراكز الأمنيّة والسجون اللبنانيّة على المتهمين بالإرهاب والتجسّس والإخلال بالأمن، بل يطال أيضًا المثليين. ففي مفهوم الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة، تعدُّ الحريّات الفرديّة (ومن ضمنها الحريّة الجنسية) من الجرائم التي تهدّد "الأخلاق العامّة" وتنتهكها. وتعدّ المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، أبرز الحجج "الواهية" المستخدمة لابتزاز وانتهاك حرية الأفراد الجنسية، لا سيما عائلة "الميم" (المثليين، والمتحولين جنسيًا). حيث تنص على حظر العلاقات الجنسية التي توصف بأنها "تتعارض مع قوانين الطبيعة".
اقرأ/ي أيضًا: المثليون في تونس.. ثورة وتصوف وحقوق
وفي هذا الصدد، تؤكد لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، أن "التعذيب رائج في السجون اللبنانية ولكن الأشخاص المستضعفين مثل شادي، وهو سوري مثليّ، يواجهون مخاطر أكبر. لن يتوقف تعذيب المساجين إلى أن يرفع لبنان الحصانة عن عناصر القوى الأمنية".
ويؤكد شادي في شهادته، أن "عناصر مسلحة من مخابرات الجيش اقتحموا في كانون الثاني/يناير شقة يسكنها وبعض اللاجئين السوريين في جونيه، حيث قاموا باستجوابهم ولكمهم على وجوههم وضربهم بالعصي. وبعد رؤية صورة معلقة على حائط غرفته يظهر فيها برفقة امرأة متحولة جنسيًا، استجوبته العناصر عن ميوله الجنسية. عاد عناصر المخابرات في شباط/فبراير وأوقفوا شادي. موضحًا أنه "في كل مرة كنت أسأل ما سبب احتجازي كان رد العناصر مزيدًا من الضرب دون الإجابة على السؤال".
اقتيد شادي إلى غرفة تحقيق تحت الأرض حيث استجوبته العناصر لأكثر من 4 ساعات عن ميوله الجنسية. قال شادي إن "المحقق ضربه بكوعه على بطنه ورقبته ورفسه بين رجليه لانتزاع اعتراف بأنه يمارس الجنس مع شركائه الذكور بالسكن". يتذكر أن المحقق قال له: "أنتم اللواط تأتون هنا وتوسخون بلدنا... لا مجتمعنا ولا الله يقبل ذلك!".
يروي شادي اللاجىء السوري لـ"هيومان رايتس" شهادته عن التعذيب الذي تعرض له من الأمن اللبناني
وأضاف شادي أن عناصر أمنية نقلوه إلى مركز الريحانية التابع للشرطة العسكرية، حيث أخذه العناصر إلى غرفة وطلبوا منه نزع ملابسه. ثم قال إنه تم تكبيل يديه وقيل له أن ينحني في مواجهة الحائط وهو عار. وقال له أحد العناصر: "سأدخل هذه في شرجك لتحديد عدد المرات التي مارست الجنس فيها"، ثم أدخل العصا فأخذ شادي يصرخ من الألم ويرجو العنصر أن يتوقف.
وفي هذا المجال، تفتقر الفحوص الشرجية القسرية إلى أي قيمة إثباتية وهي أحد أشكال المعاملة الوحشية غير الإنسانية والمهينة التي ترقى في بعض الأحيان إلى التعذيب. وهي تنتهك الجسد والخصوصية، وهي مُذلة بشكل عميق، وتنتهك بوضوح التزامات الحكومات في مجال حقوق الإنسان. إذ لا ينبغي لأي أحد في العام 2016 أن يخضع لفحوص معذِّبة ومهينة تستند إلى نظريات سقطت قبل 150 عامًا.
وكان لبنان، من بين بلدان أخرى استخدمت الفحوص الشرجية في الماضي، قد اتخذ خطوات لوضع حد لهذه الممارسة. ففي شهر آب/أغسطس 2012، بعد حملة إعلامية تحت عنوان "فحوص العار" قادها ناشطون في المجال، أصدر وزير العدل في حينها شكيب قرطباوي قرارًا يمنع استخدام الفحوص الشرجية. لكن "هذا النصر كان جزئياً"، وفق "هيومن رايتس ووتش"، التي أكدت أن بعض قضاة التحقيق في لبنان لا يزالون يطلبون من الأطباء إجراء الفحوص الشرجية وأن بعض الأطباء يتجاوبون مع هذا الطلب، "كما تستمر القوى الأمنية باستخدام أشكال أخرى من التعذيب وسوء المعاملة ضد المتهمين بالمثلية الجنسية في لبنان".
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. جدل المثليين والحريات الجنسية مجددًا
كما حصل في كانون الثاني/يناير 2014، حين أوقف 5 أشخاص في منزل خاص، حيث هددوا، بعد رفضهم إجراء هذا الفحص، بأنه سيعتبر دليلاً على إخفائهم شيءًا. وحين جاء الطبيب لم يعرف بنفسه ولم يتأكد من موافقتهم على إجراء هذا الفحص، وفي النهاية كان نتيجة الفحص سلبية.
وكانت "لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" في تقرير عن تحقيق في لبنان في العام 2014، أكدت أن "التعذيب ممارسة متفشية في لبنان تلجأ إليها القوات المسلحة والأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون لأغراض التحقيق، ولضمان استخدام الاعترافات في الإجراءات الجنائية، وأحيانًا لمعاقبة الضحايا على الأعمال التي يُعتقد أﻧﻬم قد ارتكبوها".
وضرورة محاربة التعذيب وسوء المعاملة هي في صلب عدة اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات دولية على لبنان الالتزام بها في ظل القانون الدولي، وهو ملزَم بها في مقدمة دستوره. كما أن لبنان ملزم باحترام "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب" وبروتوكولها الاختياري. واتخذ البرلمان اللبناني في 19 أكتوبر/تشرين الأول خطوة إيجابية باتجاه إنهاء استخدام التعذيب عبر قانون جديد لإنشاء "المعهد الوطني لحقوق الإنسان"، الذي سيشمل "لجنة الوقاية من التعذيب" كآلية وقائية وطنية. ستملك اللجنة السلطة لإجراء زيارات منتظمة ومفاجئة لجميع أماكن الاحتجاز والتحقيق في استخدام التعذيب وإصدار توصيات لتحسين معاملة المحتجزين.
اقرأ/ي أيضًا: