01-أغسطس-2024
أسرى فلسطينيون

أسرى فلسطينيون بعد إطلاق سراحهم (الأناضول)

لقي 48 أسيرًا فلسطينيًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتفهم منذ بداية الحرب على غزة، بينهم 36 أسيرًا فقدوا حياتهم تحت التعذيب وبسبب التجويع والإهمال في سجن سدي تيمان سيئ الصيت. وكان آلاف المعتقلين قد تمّ نقلهم مؤخرًا إلى منشأة سجن سدي تيمان الواقعة في صحراء النقب، حيث يعاني المعتقلون ظروفًا صعبة دفعت منظمات حقوقية وبعض الناجين من جحيمه إلى تسمية المعتقل بـ"غوانتانامو إسرائيل" في ظل مطالبات بإغلاقه ومحاسبة الضالعين في وقائع التعذيب الذي تقول "هآرتس" إنه مدعوم من أعلى المستويات في حكومة نتنياهو.

وقد سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الضوء، في تقرير مطوّل، على واقع الانتهاكات في عدة معتقلات إسرائيلية، من خلال رواية تفاصيل وفاة 3 سجناء أحدهم توفّي بتمزقٍ في الطحال وكسرٍ في الأضلاع بعد أن ضربه حراس السجن الإسرائيليون، والثاني لقي حتفه لأن حالته المزمنة لم تعالج، فيما صرخ الثالث طلبًا للمساعدة حتى الموت. والحالات الثلاثة المذكورة في التقرير أكدها أطباء من "أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل" حضروا عمليات التشريح التي تمت مشاركة نتائجها مع العائلات، وحصلت عليها الصحيفة.

وحسب المنظمة الحقوقية، فإن المتوفين من بين 13 فلسطينيًا من الضفة الغربية وإسرائيل لقوا حتفهم في السجون الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، علمًا أنه توفي عدد غير معروف من السجناء من قطاع غزة.

أكد الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير أنه يعمل جاهدًا لجعل ظروف السجناء الفلسطينيين أسوأ

ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن هناك أزمةً عميقة في النظام الجزائي الإسرائيلي، حيث "العنف منتشر في كل مكان" كما تقول جيسيكا مونتيل، المديرة التنفيذية لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "هموكيد".

وتعزو تال شتاينر، المديرة التنفيذية للّجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، الانتهاكات جزئيًا إلى جو الانتقام السائد في إسرائيل عقب هجوم السابع من أكتوبر، وتقول: "إنه مزيجٌ من المشاعر الفردية السلبية والعنيفة، ودعم صناع السياسات والافتقار إلى المساءلة".

واندلعت الفوضى في سدي تيمان احتجاجًا على اعتقال جنودٍ أساؤوا معاملة سجناء فلسطينيين، وذلك  في وقتٍ تدرس فيه المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، بسبب سلوك إسرائيل في غزة.

وكان رئيس المخابرات الإسرائيلية، رونين بار، قد حذر من أن الظروف في سجون البلاد قد تؤدّي إلى المزيد من الإجراءات القانونية الدولية، وكتب في رسالة أن: "إسرائيل تجد صعوبةً في صد الادعاءات ضدها، ويبدو أن بعضها مبرر".

وخلص بار إلى أن: "أزمة السجون تخلق تهديداتٍ للأمن القومي الإسرائيلي وتحقيق أهداف الحرب التي حددتها لنفسها"، ولكن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف الذي يشرف على نظام السجون في إسرائيل، لم يعتذر عن حربه على المعتقلين الفلسطينيين ورد على منشور بار متفاخرًا بأنه "قلّل بشكل كبير" من وقت الاستحمام وقدّم "قائمة طعام مبسطة"، وقال إن الحل الواضح للاكتظاظ في السجون هو الإعدام.

غرفة العزل تورا بورا

قالت عائلة عبد الرحمن بهاش (23 عامًا)، الذي أصبح حكم سجنه بمثابة حكم بالإعدام، إن ابنها كان عضوًا في "كتائب شهداء الأقصى" واعتقل أثناء اشتباكاتٍ مسلحة مع القوات الإسرائيلية في مدينة نابلس بالضفة الغربية.

ومن جهتها، لم تقدم مصلحة السجون الإسرائيلية أية تفاصيل عن التهم الموجهة إلى بهاش ولا لغيره من السجناء المذكورين، علمًا أن اثنين من زملائه في سجن مجيدو - حيث توفي 3 سجناء على الأقل منذ تشرين الأول/أكتوبر - قالوا إنه قتل جرّاء ضرب الحراس "الشرس" له في جناحهم في كانون الأول/ديسمبر، والذي تكرر مرتين في الأسبوع.

وقال سجين كان محتجزًا في نفس القسم إن باهاش وآخرين من زنزانته نقلوا بعد الضرب إلى غرفة من غرف العزل أطلق عليها اسم "تورا بورا"، نسبة إلى شبكة كهوف القاعدة الأفغانية، و"كان ضجيج الصراخ يملأ القسم"، وعاد باهاش مصابًا بكدمات عميقة، ويشكو من كسر محتمل في ضلوعه.

وحسب تقرير دانييل سولومون، وهو طبيب يعمل مع "أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل"، أظهر تشريح الجثة: "رضوضًا يمين الصدر ويسار البطن، مما تسبب في كسورٍ متعددة في الأضلاع وإصابةٍ في الطحال، نتيجةً لاعتداءٍ محتمل"، وكان سولومون قد حصل على إذن من سلطات السجن بحضور تشريح الجثة.

وتوفي عبد الرحمن المعري (33 عاما) في سجن مجيدو كذلك، وكان نجارًا وأبًا لـ4 أطفال، اعتقل عند نقطة تفتيش مؤقتة واتهم بالانتماء إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحيازة سلاح ناري وأدخل السجن في شباط/فبراير 2023، وفقًا لشقيقه إبراهيم.

وقال خيري حمد (32 عاما)، وهو سجين في نفس القسم، إن المعري ركل من أعلى درج معدني وهو مكبل اليدين عقوبةً له على جداله مع حراس كانوا يفتشون غرفة السجناء بعد أن جردوهم من ثيابهم.

وأضاف حمد أنه رأى المعري وهو ينزف من رأسه أسفل الدرج قبل أن ينقله الحراس إلى الحبس الانفرادي، وسمع المحامي سري خورية بعدها صراخه من الألم من الزنزانة المجاورة وهو يقول "أحتاج إلى طبيب".

وانقطع صوت المعري بحلول الرابعة صباحًا، وسمع خورية بعد ساعاتٍ ضجيج الحراس عندما اكتشفوا جثته واستدعوا الطبيب، وحاول الطبيب إنعاش الأسير بجهاز مزيل الرجفان بلا طائل، ثم رأى المحامي الحراس يحملون المعري في كيس جثث.

اكتظاظ وإهمال وتجويع

وصفت الكثير من التقارير بالاستناد إلى شهادات أسرى محررين حرمان السجناء من المساعدة الطبية، وكان من الممكن تجنب وفاة محمد الصبار (21 عامًا) لو تم التعامل مع حالته المرضية بشكل صحيح، وفقا لداني روسين من المنظمة الحقوقية.

وقالت عائلة الصبار إنه كان يعاني منذ الطفولة من مرض هيرشسبرونغ، وهو مرض مزمن يؤدي إلى انسداد الأمعاء، ويحتاج المصابون به إلى نظامٍ غذائي خاص وأدوية.

كما أن الاكتظاظ مشكلة أخرى يعاني منها السجناء، وأعلنت مصلحة السجون ووزارة الأمن القومي في إسرائيل مطلع نيسان/إبريل الماضي، أن طاقة الاحتجاز الخاصة بالمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هي 14 ألفا و500 معتقل، في حين أن العدد الفعلي للمعتقلين يتجاوز 21 ألفًا.

واشتكى العديد من الأسرى المحررين سوء المعاملة والإهانة والضرب، وتعرض سجين فلسطيني - حسب محاميه وسجلات المحكمة - للضرب أمام القاضي أثناء جلسة استماع عبر الفيديو، وجاء في سجلات المحكمة: "يمكننا الآن سماع صرخات أناس يتعرضون للضرب في الخلفية"، لكنها توقفت عندما تدخل القاضي.

اقترح وزير الأمن القومي في دولة الاحتلال، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الإعدام كحلّ للاكتظاظ في السجون الإسرائيلية

وصاحب العنف والإهمال الطبي سياسة تجويع، وفق روايات أسرى محررين، وقال كل منهم إنه فقد الكثير من الوزن في السجن، نحو 30 – 50 رطلًا.

وقال الصحفي معاذ العمارنة (37 عامًا) الذي سُجن لمدة 6 أشهر في مجيدو، إن زنزانته التي تتسع لـ6 أشخاص كانت تضم 15 شخصًا أثناء إقامته، وتحدث عن شح الطعام وقلته، وقالت المحامية آية الحاج عودة واصفةً طعام السجناء بأنه "لا يكاد يكفي للبقاء على قيد الحياة".

وبالفعل، تقدمت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل بعريضة إلى المحكمة العليا في نيسان/إبريل بشأن ما سمته "سياسة التجويع"، ورد بن غفير على الجمعية قائلًا إنه يعمل عامًدا على "جعل ظروف السجناء أسوأ".

كما ظهرت آثار التجويع والتعذيب على معزز عبيدات (37 عامًا)، والذي لم يكن قادرًا على المشي عند مغادرته سجن كتسيعوت جنوب إسرائيل، بعد أن قبض عليه أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكانت عظام وجنتيه بارزة وعيناه غائرتان.

وقال عبيدات إنه خسر أكثر من 100 رطل في 9 أشهر بعد أن كان لاعب كمال أجسام، وتحدث همسًا أثناء وصفه لاعتداء الحارس عليه جنسيًا باستخدام مكنسة، وقال أطباؤه إنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وسوء التغذية وختم عبيدات وصف ما حصل له بالسجن قائلا: "إنه غوانتانامو".