تُعد القصة القصيرة أحد الأنماط الأدبية قليلة الاحتفاء مقارنًة بالرواية العربية رغم ظهور العديد من الأسماء التي قدمت مجموعات مليئة بسردها للواقع اليومي المعاش من مختلف جوانبه السياسة، الاجتماعية، الاقتصادية، والعاطفية، في هذا المقال اخترنا أن نعرفكم على 5 مجموعات قصصية لكتاب عرب من أجيال مختلفة.
1. أرخص ليالي
"أرخص ليالي" واحدة من بواكير المجموعات القصصية للمصري يوسف إدريس الصادرة لأول مرة منتصف خمسينيات القرن المنصرم، والتي يمثل بطلها عبد الكريم نموذجًا للقرويين الفقراء، يحكي فيها قصًة عن عالم القرى المصرية التي أصبحت المدن حاليًا مشابهة لها بعد تكاثر العشوائيات فيها، وارتفاع المعيشة اليومية، لذلك فأن قصة إدريس تحكي في سردها تفاصيل مشابهة يعيشها المواطن المصري في يومه الحالي.
القصة ببساطتها عن عبد الكريم الذي كان يشتم الأولاد بسبب صراخهم أثناء عودته من المسجد إلى المنزل، وحين يصل لينام يذهب عنه النعاس فيقرر أن يذهب للسهر لكنه لا يملك قرشًا واحدًا ليبدأ بطرح أسئلة وجودية على نفسه أثناء تفكيره، وفي النهاية يقرر أن يتخطى أولاده عاتبًا على "من رزقه بستة بطون تأكل الطوب" حتى يصل إلى زوجته من أجل إيقاظها رغم فظاظتها كي يضاجعها، وبعد أشهر كانت النسوة تخبره بقدوم ولده السابع، وهو بقي كل ليلة يسأل نفسه "عن الفتحة التي في الأرض أو السماء والتي منها يجيئون!".
2. النمور في اليوم العاشر
صدرت لأول مرة "النمور في اليوم العاشر" للسوري زكريا تامر عام 1978 إبان الفترة التي كانت فيها الدكتاتوريات العسكرية توطد لحكمها في البلدان العربية، فهي توصف سياسة الفرد الواحد التي سارت عليها الأنظمة العربية عبر حوار يدور يوميًا بين مروض مع نمر محبوس داخل قفص ليعلم تلاميذه "مهنة الترويض"، حيثُ يقول لهم في درسه الأول: "عليكم ألا تنسوا في أي لحظه أن معدة خصمكم هدفكم الأول".
تخلو القصة من السرد التوصيفي مقابل الحوارات المكثفة التي تدور على مدار تسعة أيام بين المروض والنمر، الذي يستخدم أسلوب تجويع النمر حتى يقوم بإرضاخه، وأن يتجنب التفكير بشكل صحيح في أحواله إلى أن يصل الأمر بتحول النمر من أكل اللحم إلى العشب، مستخدمًا معها مفردات سياسية حتى تصبح مباشرة للقارئ، فعندما يلقي المروض خطبته على النمر يقول له: "عليك أن تعجب بكل ما أقول، وأن تصفق إعجاباً به"، وبعد تسعة أيام من تجويع النمر يأتي اليوم العاشر الذي يختفي فيه "المروض وتلاميذه والنمر والقفص فصار النمر مواطنًا والقفص مدينة".
3. صورة شاكيرا
يأخذنا الفلسطيني محمود شقير في مجموعته "صورة شاكيرا" الصادرة 2003 عبر رحلة قصيرة ليعرفنا على الصراع الذي يعيشه الفلسطينيون يوميًا مع مؤسسات الاحتلال المدنية في عاملين، الأول بالمحافظة على هويتهم العربية في ظل عصر الثقافة الاستهلاكية والعولمة، والثاني تعبيرها عن الواقع الفلسطيني اليومي من مختلف جوانبه الجيدة والسيئة، ومعهما عامل آخر ممثل بالحفاظ على الهوية الفلسطينية بالأسماء والأماكن التي يحاول الاحتلال تبديلها بأسماء عبرية مثل مناداة موظف مكتب الداخلية شاكيرات بدلًا من شقيرات.
في "صورة شاكيرا" تشاء الصدف أن ينطق بواب مكتب الداخلية روني باسم طلحة شاكيرات الذي يثيره الفضول بأن يسأله إن كانت شاكيرا تقربه، ليساعده اسمها بعد ذلك بالحصول على ورقته سريعًا، ومعها تصبح شاكيرا على قول والد طلحة من أبناء العائلة المهاجرين، وتتصدر صورها منزل العائلة التي تحاول التنصل من أفعالها غير المحتشمة لأنها ولدت في كولومبيا لا فلسطين، وفي النهاية عندما يظن طلحة أن روني أصبح صديقه لأن شاكيرا قريبته يقوم روني عكس ذلك بالرد على طلحة بشكل باهت كأنه يراه لأول مرة.
4. حيوانات أيامنا
سيكون القارئ في افتتاحية "حيوانات أيامنا" للمصري محمد المخزنجي مع مقدمة مقتبسة من "كتاب الحيوان" للجاحظ، ومثلها ستكون كافة القصص التي يفتتحها باقتباسات عن كتب تراثية أو مترجمة للغة العربية، مقدمًا مجموعة من القصص عن علاقة الإنسان مع الحيوان نلمسها في القصص الثلاث الأولى، وكيف يتعامل المارينز الأمريكي بعد غزوهم لإحدى الدول مع الحيوانات، مقدمًا صورًا موجعة في سردها توازي بين مصائر الإنسان والحيوان في الحروب.
هكذا يقوم جنود المارينز بشوي 20 عزالًا من نوع المها العربي، وعشرة من ظباء الرمل وجدوها في منزل الرئيس، ويموت المهر تحت بطن والدته التي قرر المارينز إعدامها لأنها ملك للسيد (الدكتاتور)، حتى صار "ينسحق بين دفء بطنها وأسفلت الطريق"، والجراء التي لديها "أسماع شديدة الرهافة" أصبحت "ترتجف ارتجافًا شديدًا غريبًا"، بهذا السرد القصصي غير المتكلف يقدم المخزنجي صورة متسعة لإنسان اللحظة.
5. حين لا بلاد
لا يختلف أحد على أن السوري جميل حتمل (1956 – 1994) يعتبر واحدًا من أهم كتاب القصة على مستوى العالم العربي، لما قدمه في قصصه من تقنية سرد مختلفة عن الكتابات القصصية الأخرى، والتي قارب فيها النثري مع القصصي في تصاوير مختلفة الإيقاع اليومي، مقدمًا تفاصيل التفاصيل الذاتية، حياة المعتقلين السياسيين في المعتقلات، المرأة غير الموجودة أو البعيد، والحنين إلى البلاد التي ليست بلاد.
في مجموعته القصصية الثالثة "حين لا بلاد" لم يخرج حتمل عن الخط الذي رسمه فيما سبقها من مجموعات، إنما تحدث عن الخوف من كل شيء، الحديث مع المرأة التي يحبها، سؤال عامل التنظيف عن الشخص المجهول، ومن عدم الرد على الهاتف، أو كيف أصبح حلم المعتقل السياسي أن يطلب وضع اسمه في جدول الأعمال الشاقة لبناء سجون أخرى حتى يستطيع رؤية الشمس، أو حتى بلعبه على فكرة المرض نفسها "أكتب عن الفتاة الشاحبة التي تعود دائمًا أخر الليل وحيدًة – أكتب متخيلًا مصائر البشر الآخرين..".
اقرأ/ي أيضًا: