19-نوفمبر-2023
دانيال هاغاري

دانيال هاغاري بطل فضيحة دعائية أثارت الرأي العام العالمي (DailyBeast)

 

مع توالي الكشف عن الثغرات الكبيرة والمعلومات المضللة في الدعاية الإسرائيلية الرسمية خلال الحرب المدمّرة التي يتعرض لها قطاع غزّة، والتي راح ضحيتها زهاء 13،000 شهيدة وشهيد على الأقل، بدأت تتداعى رواية الاحتلال في الأوساط الإعلامية الغربيّة، وهي التي اتخّذت مع بداية الحرب موقفًا مؤيدًا بشكل مطلق للعدوان، تجلّى بشكل واضح في تغطيات كبرى الشبكات الأمريكية والأوروبية التي كانت الأكثر تورطًا في التماهي المجانيّ مع الدعاية الحربيّة الإسرائيلية. 

الترا فلسطين

 فقد جرى في هذه المنصات الإعلامية من صحف ومجلات وقنوات إخبارية التوقيع على بياض على صدقيّة الرواية الإسرائيلية بما فيها من أرقام، وكأنها حقائق تتعالى عن المراجعة والفحص، مع الإصرار في المقابل على اللمز بأرقام الضحايا المؤلّفة في غزّة.كما أدت وسائل إعلام غربية مرموقة (مهيمنة) دورًا وصفه مراقبون كثر بأنه دور "وضيع"، رضي فيه صحفيون وصحفيات بالاندماج المعنوي والفعلي ضمنّ آلة البروباغاندا الإسرائيلية، والتجول رفقة الجيش الإسرائيلي فوق جثث الضحايا وبين أحيائهم المدمّرة، ونقل ما تبيّن أنّه محض أكاذيب في مجمع الشفاء الطبي ومستشفى الرنتيسي وغيرها من المنشآت المدنيّة التي ادّعى الاحتلال أنّها مقارّ للمقاومة، وتبرير قصفها والاعتداء على كل من فيها من مرضى وطواقم طبية ونازحين، بالاتكاء على جدار دعاية لطالما انكشفت عند أي تمحيص بسيط. 

فوفق تقرير لشبكة "إن بي سي نيوز"، فإن إسرائيل تعاني من فشل ذريع في تدعيم ادعاءاتها بالأدلة، رغم ما بذلته من جهود مفرطة في الأسابيع الأخيرة للتأكيد على أن قصفها الشامل على غزة كان "ضروريا" وأنه قد تم تنفيذه على نحو "موجّه" حرصًا على تفادي الخسائر بين المدنيين، إلا أنّ جميع الأدلة المتوفرة للعيان اليوم باتت تكذب هذه الرواية وتجعل من الصعب الدفاع عنها. فقد بثت الدعاية الإسرائيلية والناطقون باسم جيش الاحتلال عبر الحسابات الرسميّة على وسائل التواصل الاجتماعي سيلًا من المعلومات المضلّلة التي تدل بحسب التقرير على ارتباك شديد وتخبّط في الرواية الإسرائيلية، خصوصًا فيما يتعلق باستهداف المشافي بذريعة أنّها مقرّات ومراكز قيادة وتحكّم لحركات المقاومة، وهو ما ثبت أنّه غير صحيح، على الرغم من استعانة الاحتلال بصحفيين "دافئين" مدمجين معهم في جولات على مجمع الشفاء تحديدًا، لعرض ما ادعوا أنّه أدلّة على وجود مقاتلي كتائب القسّام فيها. 

الدعاية الاسرائيلية في مستشفى الشفاء

قبل ذلك نشرت حسابات إسرائيلية رسمية ما ادعت أنه فيديو لممرضة تدعي أنها تتحدث من داخل مستشفى الشفاء، تدعي فيه أن عناصر من حماس قد هاجموا المستشفى واستولوا على ما فيه من مستلزمات وطعام وشراب ودواء، وهو ما تبيّن زيفه بشكل قاطع بعد كشف هويّة الممثّلة التي أدّت المقطع المفبرك، وتبيّن لاحقًا أنّه جزء من حملة تضليل إسرائيلية منظّمة، لبناء دعايتها بشأن مستشفى الشفاء وضرورة إخلائه من المرضى والنازحين الذين لجأوا إليه، حتى لو عنى ذلك القضاء عليهم جميعًا. 

هنالك أيضًا الفضائح الدعائية التي وردت على لسان دانيال هاغاري نفسه، رئيس وحدة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي كان هذه المرّة على رأس فضيحة مطبقة، وهو يستعرض أمام الكاميرا ما ادّعى أنّه أسماء مقاومين فلسطينين، رغم أنّه لم يكن سوى تقويم بأيام الأسبوع، هذا عدا عن فضيحة الستارة التي تندّر عليها بأسى فلسطينيون وأجانب، وهم يدللون على خفّة الدعاية الإسرائيلية التي راح ضحيتها آلاف من الأبرياء، ونجم عنها تدمير واسع للقطاع الذي ظل محاصرًا لما يقارب العقدين من الزمن، وما يزال يرزح تحت إغلاق كامل حتى اليوم. 

هذه الأخطاء الفضائحية ليست خروجًا عن القاعدة بطبيعة الحال، بل تأتي ضمن سلسلة من المحاولات الهامشية اليائسة من قبل أجهزة الدعاية الإسرائيلية لتقديم مبررات شكليّة للتزايد الوحشي في أعداد القتلى من المدنيين، ومحاولة تقديم ما من شأنه أن يخفف الضغط على الحكومات الغربيّة التي تقدّم دعمًا مطلقًا لإسرائيل في حربها على غزّة، إلا أنّها بدأت تلتفت مؤخرًا إلى حساباتها الداخلية مع تنامي الاحتجاجات الشعبيّة الداعية لوقف إطلاق النار ووضع حدّ للجرائم الإسرائيلية في غزّة ومحاسبة المسؤولين عنها. 

ثمّة من يرى أن الرأي العام العالمي، الذي هو دائمًا ساحة حقيقية للتأثير وكسب جانب من أي معركة، لم يعد ضمن ما يمكن لإسرائيل تقليبه والتأثير به بعد سلسلة الأكاذيب التي تم كشفها في الآونة الأخيرة بالتزامن مع حربها على غزّة

ثمّة من يرى أن الرأي العام العالمي، الذي هو دائمًا ساحة حقيقية للتأثير وكسب جانب من أي معركة، لم يعد ضمن ما يمكن لإسرائيل تقليبه والتأثير به بعد سلسلة الأكاذيب التي تم كشفها في الآونة الأخيرة بالتزامن مع حربها على غزّة، والتي ترتقي بوصف العديد من المراقبين والهيئات الحقوقية إلى العقاب الجماعي، بل والإبادة بحسب التصريحات التي تصدر عن القادة الإسرائيليين أنفسهم والتي تعبر بشكل واضح عن النيّة بالتطهير العرقي لقطاع غزّة وإبادة أي إمكان للحياة الفلسطينية فيه.

وإزاء هذا الإخفاق الذريع، يرى الصحفي البريطاني هير جيت، في مقال على مجلة "ذا نيشن" أن الدعاية الإسرائيلة نفسها قد أخذت منعطفًا غريبًا في هذه الحرب، تنمّ عن عدم اكتراث عميق بالرأي العام، وهذا هو وحده ما يفسّر بحسب الكاتب عدم بذل الجهد الكافي بحدّه الأدنى لتقديم رواية متسقة ومتماسكة أمام حجم الدمار الذي تلحقه آلتها الحربيّة في غزّة ومقدار الخسائر البشريّة في الأرواح بين المدنيين، بما فيهم من أطفال ونساء ومسنين ومرضى. إن الدعاية الإسرائيلية بحسب الكاتب أشبه ما تكون اليوم بـ"خدعة سحريّة على يد مشعوذ أخرق" يسمح لجمهوره برؤية تفاصيل خدعه البصريّة من مرايا وأسلاك، رغم ما يعنيه ذلك من انفضاح الأوهام البصريّة التي هي أساس عرضه.