في مطلع 2012، وقّع وزير الداخلية والبلديات اللبناني مروان شربل، على عقد زواج نضال درويش وخلود سكرية، وسُجّل العقد في دائرة الأحوال الشخصية، ليكون هذا أول زواج مدني يُعقد في لبنان، ويدخل سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصية.
ما يثير الريبة أنه في حين ترفض الدولة اللبنانية الزواج المدني في الداخل، فإنها تُسجل وتثبت حالات الزواج المدني اللبناني في الخارج!
وخاض الثنائي درويش وسكرية دروبًا طويلًا من المطالبة بحقهما، مستعينيين بالجمعيات والناشطين الحقوقيين، وقدّموا ملفًا متماسكًا دفع الوزير شربل إلى التوقيع عليه، علمًا بأن الأخير اشترط عليهما الامتثال لقانون الأحوال الشخصية في الأمور المتعلقة بالزواج ومفاعيله.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يمنع الزواج المدني في لبنان؟
وشكل زواج درويش وسكرية آنذاك، بارقة أمل للبنانيين المؤيدين للزواج المدني الاختياري، في بلد تكثر فيه الطوائف والمذاهب، وتتعدّد الانتماءات والتيارات الفكرية والعقائدية، وفيه شريحة واسعة ممن يرفضون الخضوع للمؤسسات الدينية في أمورهم الشخصية. كما تكثر فيه حالات الحب العابرة للطوائف، والتي عادةً ما تقف المؤسسات الدينية عائقًا في وجهها، فيبقى الزواج المدني الاختياري هو الحل الوحيد.
ومع ذلك فإن الآمال تبخرت في الهواء، وبدا أن حالة سكرية ودرويش كانت استثناءً ومبادرة وصفت بالشجاعة من الوزير شربل، بينما تتمسك قوى الحكم بوجوهها السياسية والاقتصادية والدينية، بالزواج الديني، الذي لا يخلوا بحسب معلقين، من فوائد مالية لهم، كما أنه يُجيّش المواطنين تحت عباءة الطائفية والمذهبية بقيادة زعمائهما.
يُذكر أن الدولة اللبنانية التي ترفض تمرير المطالب بتقنين السماح بالزواج المدني داخل لبنان، تقوم هي نفسها بتسجيل وإثبات الزيجات التي تقع خارج لبنان بالطريقة المدنية، الأمر الذي يثير الريبة والسخرية، ويدفع كثيرًا من المواطنين الراغبين في إتمام الزواج مدنيًا بالسفر للخارج، ثم تسجيل زواجهم في لبنان، وليس الجميع قادرون على فعل ذلك!
"قبرص مش بعيدة"!
في ربيع 2015، احتشد العشرات من الشباب أمام مبنى وزارة الداخلية في بيروت، مطالبين بإقرار قانون يسمح بالزواج المدني داخل لبنان. حينها، خرج وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ليصرح بجملته الشهيرة: "قبرص مش بعيدة"! في إشارة إلى أن من يريد إتمام زواجٍ مدني، فعليه أن يسافر لقبرص ويُتمّ ذلك، ثُم يُسجّله في لبنان، وهو التصريح الذي أثار غضب نشطاء المجتمع المدني، الذي اعتبروا أن ثمّة تناقض واضح، و"مُستفز" في موقف الدولة اللبنانية.
ولا يُعد الخلاف حول مسألة الزواج المدني جديدًا في لبنان، بل يعود لخمسينات القرن المنصرم. وخلال تاريخه الحديث، عرف لبنان تقديم عدة مشاريع قوانين لإقرار الزواج المدني، غير أن جميعها كانت تستقر في الأدراج.
كما برزت آراء متشددة من زعماء سياسيين ودينيين في لبنان ضد الزواج المدني، منها فتوى المفتي السابق محمد رشيد قباني، في 2013، بأن "أي مسؤول يوافق على الزواج المدني فهو مرتد خارج عن الإسلام، ولا يُغسّل ولا يُصلى عليه، ولا يدفن في مدافن المسلمين"!
ريا الحسن تعيد الزخم إلى قضية الزواج المدني
وعاد الجدل حول الزواج المدني ليشغل الساحة اللبنانية، بعد حديث وزيرة الداخلية الجديدة ريا الحسن، عن رغبتها في أن يكون هناك إطار وباب للنقاش حول مسألة الزواج المدني في لبنان، الأمر الذي رحب به نشطاء المجتمع المدني، ورأوا فيه موقفًا تقدميًا.
في المقابل، وقف آخرون في وجه مقولة ريا الحسن، فقال رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأحد أبرز زعماء الشيعة في لبنان، إن قضية الزواج المدني "غير مطروحة، ولا يتحملها أحد"، فيما قال عبدو أبو كسم، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، إن "الكنيسة ترفض بشكل حاسم إقرار الزواج المدني".
يُذكر أن الزواج المدني بصيغته الحديثة، ظهر في أوروبا أولًا في القرن الـ18. ويُعد اليوم معتمدًا في كثير من دول العالم، بما في ذلك دول إسلامية مثل تركيا.
في المقابل تمنع غالبية دول المنطقة العربية تطبيق الزواج المدني الاختياري داخل أراضيها، وإن كانت بعضها تسمح بتسجيله إذا ما عُقد هذا الزواج في الخارج. وتذهب بعض التيارات الدينية إلى اعتبار أبناء الزواج المدني الاختياري، أبناء غير شرعيين، أو بالتعبير الديني "أبناء زنا".
خصوصية التعددية الطائفية والمذهبية بلبنان التي تحدد اختيارات الإنسان في الزواج بأبناء طائفته، يعتبرها المجتمع المدني دافعًا لإقرار الزواج المدني
ويعرف لبنان خصوصية تدفع المجتمع المدني إلى اعتبارها داعية إلى الدفع نحو إقرار الزواج المدني، وهي المتمثلة في التعددية الطائفية والمذهبية التي تحدد للإنسان اختياراته في الارتباط العاطفي والزواج بأبناء طائفته أو مذهبة.
اقرأ/ي أيضًا: