كانت الأديان فيما قبل، المنظور الرئيسي لفهم العالم. وكانت قادرة على رسم مسارات التاريخ، مما تسبب في صعود إمبراطوريات وسقوط أخرى. ورغم أنه يبدو ظاهريًا أن تأثيرها على الحياة البشرية قد تراجع مقارنة بالماضي، إلا أن الدراسات الإحصائية تقول أنه لا تزال نسبة 84% من سكان العالم ينتمون إلى إحدى المجموعات الدينية، بل لا تزال تنشأ ديانات جديدة بمعتقدات شديدة الغرابة.
ثمة حاليًا مئات الأديان الحديثة في جميع أنحاء العالم، بعضها أسس على العلم وبعضها تهكمي، وأخرى أسست على تحويرات لديانات قديمة
ويضع الأكاديميون حزمة خصائص لتصنيف الأديان العصرية، لكن يُنظر عمومًا إلى الحركات الدينية الجديدة على أنها جماعة دينية أو أخلاقية أو روحية بممارسات ذات أصول حديثة نسبياً، قد تكون جديدة من الأصل أو تكون مذهبًا جديدًا على هامش دين أوسع، وتستخدم أصولًا بشرية ومادية لنشر أفكارها ورؤيتها للعالم.
اقرأ/ي أيضًا: خريطة "المؤمنين" وأصحاب الديانات في الأرض.. إلى أين يتجه الدين بالعالم؟
ويوجد حاليًا مئات الأديان الجديدة في جميع أنحاء العالم، ولا يملك معظمهم سوى عدد قليل من الأتباع، بعضهم لديهم الآلاف وربما المئات، وعدد قليل جدًا لديهم أكثر من مليون شخص.
1. الباستافاريانية (Pastafarianism)
في عام 2005، قرر مجلس التعليم في ولاية كانساس السماح بإدراج نظرية التصميم الذكي بمعية نظرية التطور في فصول العلوم بالمدارس العامة، واحتجاجًا على ذلك كتب بوبي هندرسون رسالة نشرها عبر الإنترنت، طالب فيها بوقت متساوٍ في فصول العلوم من أجل تدريس أيضًا طرح "وحش السباغيتي الطائر"، إلى جانب التصميم الذكي والتطور. وسرعان ما أصبح شعار "السباغيتي الطائر" رمزًا شعبيًا لإبداء المعارضة على تدريس التصميم الذكي في المدارس العامة.
ومع الوقت صارت الظاهرة أكثر جدية وتحولت إلى ديانة سميت بـ"الباستافاريانية"، لها كتابها المقدس الخاص الذي كتبه هندرسون عام 2006، ونبيها، وأنصارها وأماكن ممارسة طقوسها، حيث تنظم حفلات الزفاف والاحتفال، لكنها مع ذلك تعد ديانة تهكمية في الأعراف الأكاديمية.
وتؤمن الباسفارتية بألوهية "وحش السباغيتي الطائر" غير المرئي وغير القابل للكشف، الذي خلق الكون، كما تعتقد أن القراصنة هم المؤمنين "الباستافاريانيين" الحقيقيين الذين ينبغي تبجيلهم والذين بسبب انخفاض أعدادهم ابتلي العالم بالاحتباس الحراري، كما يقول المجتمع الباستافارياني في موقعهم الخاص على الإنترنت.
ورغم أن أتباع الباستافاريانية يعتبرون ديانتهم "حقيقية وشرعية" مثلها مثل الأديان الأخرى، لكن ينظر إليها على أنها حركة اجتماعية تشجع على رؤية متواضعة للدين وتعارض تدريس نظرية الخلق التصميم الذكي في المدارس العامة، كما أنها تقدم بطريقة غير مباشرة حجة "عبء الإثبات" الفلسفية، التي تقول بأن عبء الإثبات يقع على عاتق أولئك الذين يقدمون ادعاءات غير قابلة للتطبيق، وليس على من يرفضونه.
2. بوابة الجنة (heaven’s gate)
بدأت طائفة "بوابة الجنة" الدينية، وهي خليط بين أفكار الغنوصية المسيحية والخيال العلمي، في ساندييغو بكاليفورنيا عام 1974، بقيادة مارشال آبل وايت وبوني نيتلز، اللذان اعتقدا أنه تم اختيارهما لتحقيق نبوءات توراتية، وأنهما قد أعطيا عقلين من مستوى أعلى من غيرهما من الناس، لجعلهما يمران إلى مرحلة تطورية أعلى، ومن ثمة بدأ الرجلان ينشران رسالتهم وسط الناس.
اعتقد أعضاء الطائفة أن كوكب الأرض على وشك "إعادة تدويره" وتجديده، والفرصة الوحيدة للبقاء هي تركه على الفور وبلوغ الجنة الموجودة في الفضاء، وكانوا يعتقدون أيضا أنه للحصول على أهلية العضوية في المستوى التالي، سيكون على البشر التخلي عن كل ارتباط بالكوكب، والتفريط في جميع الخصائص الشبيهة بالإنسان، مثل العائلة والأصدقاء والجنس والفردية والوظائف والمال والممتلكات، وهذا ما فعلوه بالضبط.
تجمع أفراد الطاقم، وبعد بيعهم ممتلكاتهم "الدنيوية" وتوديع أحبائهم، اختفت المجموعة عن الأنظار، بعد مدة اكتشفت الشرطة سنة 1997 جثث 39 عضوًا من المجموعة، بالتزامن مع تحديث على موقعهم على الإنترنت يقول: "التخرج من المستوى التطوري البشري. نحن مستعدون بسعادة لمغادرة هذا العالم والذهاب مع طاقم تي".
ليتبين فيما بعد أن عددًا من أتباع الطائفة قد شاركوا في عملية انتحار جماعي من أجل الوصول إلى ما اعتقدوا أنه مركبة فضائية من خارج الأرض. بعد أن أقنعهم أبل وايت بالتخلي عن أجسادهم البشرية بطريقة كريمة وتحقيق المستوى التالي كما فعل يسوع!
3. معبد جيدي (Jediism)
الجيدي أو "Jediism"، هي فلسفة مستوحاة من مبادئ الإيمان لأفلام حرب النجوم. ومع أن أتباعها يعترفون بتأثير حرب النجوم على دينهم، من خلال اتباع الرموز الأخلاقية والروحية التي أظهرتها "Jedi" الخيالية في الفيلم، إلا أنهم يصرون على أن طريقهم مختلف عن الأسطورة والخيال الموجودة في حرب النجوم. جذبت الطائفة اهتمام الرأي العام في عام 2001، عندما سجل عدد من الناس دينهم باسم "Jedi" في الإحصاء الوطني.
وأصيبت منظمة "جيدي" بخيبة أمل هذا العام، بعد أن رفضت لجنة المؤسسات الخيرية في بريطانيا إضفاء "الصفة الخيرية" على الطائفة، التي بوجبها يمكن ان تحصل على التبرعات الخيرية، وحكمت بأنها "لا تفي بالمعايير الخاصة بالدين بموجب قانون الجمعيات الخيرية البريطاني، لكونها تفتقر إلى العنصر الروحي أو غير العلماني الضروري الذي نبحث عنه في الدين".
لكن المنظمة معترف بها كمجموعة خيرية من قبل دائرة الإيرادات الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث هناك مقرها الرئيسي في تكساس.
4. النسخية (kopimism)
اشتقت من كلمة نسخ أو "Copy" وحرفت إلى "kopimism" أو النسخية، وهي مجموعة تعتقد أن نسخ المعلومات هو "فضيلة مقدسة"، أسسها طالب في الفلسفة القديمة، يدعى أيزاك جيرسون من السويد، في خريف عام 2010. وقد تم الاعتراف بها رسميًا في 2012 من قبل وكالة الخدمات القانونية والمالية والإدارية باعتبارها "منظمة دينية"، بعد ثلاث محاولات فاشلة.
وتعارض هذه الطائفة الجديدة أي شكل من أشكال احتكار المعرفة، بما في ذلك حقوق النشر، وتشجع على مشاركة جميع الملفات بما فيها الموسيقى والأفلام والبرامج التلفزيونية والبرامج، عبر جميع أنواع الوسائط، إذ يرتكز معتقدها الفلسفي على أن جميع المعلومات يجب أن تكون موزعة بحرية وغير مقيدة.
كما تعتبر هذه المجموعة الدينية، أن "CTRL+C" و"CTRL+V"، مفاتيح اختصار الكمبيوتر الشائعة للنسخ واللصق، هي رموز مقدسة.
5. دونغاك (donghak)
يعد أول دين جديد لكوريا الحديثة، تأسس سنة 1860 من قبل شاب متعلم يدعى تشوي جي يو. يقول تشوي بأنه بينما كان يتجول في الريف في رحلة روحية، سمع صوتًا يقول: "لا تخف. البشر ينادونني باسمي الأعظم سانجي، لقد وهبتك لإنقاذ البشرية". ومن ثمة بدأ يبشر بأن ربه سوف يتجسد قريباً وينقذ هذا العالم من بؤسه ويساوي بين الرجال والنساء.
أسس تشوي مجموعة معتقدات شعبية سميت "دونغاك"، وهي مزيج من الكونفوشيوسية الجديدة، والشامانية التقليدية، والطاوية. كرد فعل على الكاثوليكية الغربية، التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في ذلك الوقت.
العديد من الديانات الحديثة التي نشأت في الغرب، تأسست على أفكار الخيال العلمي، إما بصورة تهكمية أو بالتأثر بالأفلام والتكنولوجيا الحديثة!
ألقي القبض على تشوي جي في النهاية، واتهم بأنه كاثوليكي سري، وتم إعدامه. خلفه ابن أخيه، تشوي سي يونغ، الذي شكل الإطار المؤسسي للدين. وقد أدت هذه الحركة الدينية إلى انتفاضة فلاحية في عام 1894، ضد الضرائب المفروضة على الأرز، وتوسعت لتصبح تمردًا مسلحًا يجذب النبلاء التقدميين والمثقفين والقوميين. إلا أن حكومة جوسون آنذاك قامت بقمع الحركة بالأسلحة الحديثة بمساعدة القوات اليابانية، وهو ما مهد لليابان الاستيلاء على شبه الجزيرة الكورية.
اقرأ/ي أيضًا: