ألترا صوت - فريق التحرير
تستعيد هذه المساحة اﻷسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات النارين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.
يتفق قراء ألكسندر كوبرين (1870 – 1937) ونقاد أعماله، على أنه واحدٌ من أبرز الكتّاب الواقعيين الروس في نهاية القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين. وأن جزءًا كبيرًا من واقعيته يرتبط بحياته الشخصية، إذ توفي والده قبل بلوغه الثانية من عمره، وعاش جزءًا من حياته في دارٍ للأيتام، قبل دخوله فيما بعد إلى المدرسة العسكرية، ومنها باتجاه الكلية الحربية، ومن ثم الجيش القيصري، حيث عمل ضابطًا برتبة ملازم. ولكنه سرعان ما استقال لأسبابٍ عديدة، يتقدّمها الأدب.
تدين "الحفرة" النفاق والازدواجية في المجتمع الروسي، حيث التغني بالقيم في العلن، وممارسة الرذيلة في الخفاء
تنقّل كوبرين بعد استقالته من الجيش بين مدنٍ ومهنٍ مختلفة، كان أبرزها الصحافة التي ساهمت في توسيع أفقه الفكري، وصقل مهاراته في الكتابة الأدبية، ومضاعفة اهتمامه بالأدب الذي قاده إلى عقد صداقاتٍ مختلفة مع كتّابٍ بارزين مثل أنطون تشيخوف، ومكسيم غوركي، وإيفان بونين، وتولستوي، وغيره.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: الصبي الخادم
ومن بين جميع ما قدّمه الكاتب الروسي من أعمالٍ أدبية وزّعها على الرواية والقصة القصيرة، تبقى "الحفرة" أكثر أعماله شهرةً. والسبب هو مضمونها الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الأدبية والثقافية الروسية، لكونه يتناول مواضيع مختلفة تتعلق بالمواخير، وتردُّد عليّة المجتمع البرجوازي على بيوت الدعارة، والتجارة بالنساء، والبغاء بشكلٍ عام.
بدأ ألكسندر كوبرين بكتابة الجزء الأول من "الحفرة" عام 1908. وكان قد بدأ بجمع المواد الأولية لها منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر. وحين قدّمها الناشر إلى الرقابة، اعترضت اللجنة التي كُلّفت بقراءتها على بعض ما جاء فيها، لا سيما المقاطع التي تتحدث عن تردُّد عليّة المجتمع البرجوازي والنبلاء على بيوت الدعارة، قبل أن تعود وتسمح بنشرها بعد إعادة مناقشة مضمونه في جلسة خاصة عُقدت في نيسان/ أبريل من العام 1909.
وأثار الجزء الأول من الرواية اهتمامًا استثنائيًا في الأوساط الأدبية الروسية، حتى أن إيفان بونين كتب في رسالةٍ لكوبرين يقول فيها إنه: "لا حديث في موسكو إلا عن الحفرة"، حيث انشغلت مختلف الصحف والمطبوعات الدورية آنذاك، في نشر مقالاتٍ نقدية ومراجعاتٍ حولها، انقسمت بين معجبٍ يرى فيها عملًا جريئًا يتناول آفات الحياة المرعبة دون مواربة، وآخر رأى فيها مجرد قصة إباحية. بينما اعتبرها تولستوي: "قذارة لا لزوم لها"، الأمر الذي أحبط بوركين وتسبب بفشله، طيلة أكثر من ثلاث سنوات، في إنهاء الجزء الثاني من الرواية.
في ربيع عام 1914، بعد نحو خمس سنوات مرّت على صدور الجزء الأول، سلّم كوبرين الجزء الثاني من "الحفرة" إلى ناشره. ومن جديد، اعترضت الرقابة على مضمونه، ولم يسمح النائب العام بنشره إلا بعد نصف سنة من الجهود التي بذلها الناشر وبعض الفاعلين في المشهد الثقافي، لإقناعه بالرجوع عن قراره.
أثارت رواية "الحفرة" جدلًا واسعًا في اﻷوساط اﻷدبية والثقافية الروسية بسبب تناولها مواضيع مختلفة تتعلق بالدعارة والتجارة بالنساء
"الحفرة"، عمل روائي يُلقي الضوء على الانحلال الأخلاقي عبر مجموعة من الفتيات اللواتي اعتدن بيع أجسادهن طلبًا للمال. ولكل واحدةٍ من هؤلاء الفتيات قصة بائسة إما دفعتها نحو ممارسة البغاء، أو تمخضت عنه، مثل الخلافات العائلية، والتفكك الأسري، والانتحار، جنبًا إلى جنب السجن، والمرض، وغيره.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: التاريخ السري لأمير موساشي
وتدين هذه الرواية التي صدرت بنسختها العربية سنة ١٩٩٩ عن "منشورات وزارة الثقافة" في العاصمة السورية دمشق بترجمة عدنان جاموس، النفاق والازدواجية في المجتمع الروسي، حيث التغني بالقيم في العلن، وممارسة الرذيلة في الخفاء.
اقرأ/ي أيضًا: