ألترا صوت – فريق التحرير
تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.
أصدر الباحث والأكاديمي الأمريكي رونالد سترومبرج (1916 – 2004) خلال سنوات نشاطه الفكري، أكثر من عشرة مؤلفاتٍ تناول فيها مواضيع مختلفة، لعل أهمها تلك المتعلقة بالفكر الأوروبي الحديث الذي خصص له نحو خمسة كتبٍ، ناقش فيها مراحل تطوره ومضمون ما جاءت به أطروحات مدارسه وتياراتها المتشعبة.
يضم الكتاب أربعة عشر فصلًا ينبش فيها سترومبرج عددًا لا بأس به من العلوم والفلسفات والعقائد والنظريات المختلفة
ولكن كتابه الأكثر أهميةً ورواجًا من بين جميع إصداراته، هو "تاريخ الفكر الأوروبي الحديث"، الصادر للمرة الأولى عام 1966، والذي قدَّم فيه دراسة تحليلية نقدية موسعة تناولت مجمل الحضارة الأوروبية، بمختلف حقولها العلمية والأدبية والفنية، إلى جانب أساساتها الدينية والمذهبية والفلسفية، وما رافق مسار تطورها من أجواء أيديولوجية وسياسية واجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: تجربتي في الأدب والحياة
يضم الكتاب الذي صدرت الطبعة الثالثة من نسخته العربية عام 1993 عن "دار القارئ العربي" في العاصمة المصرية القاهرة، ترجمة أحمد الشيباني، أربعة عشر فصلًا ينبش فيها سترومبرج: "عددًا لا بأس به من العلوم والفلسفات والعقائد والمناهج والنظريات والمذاهب والمقولات من مدافن حضارة الغرب"، بحسب ما جاء في مقدمة المترجم.
ويضيف الشيباني في مقدمته أن رونالد سترومبرج، وعبر حفره في أساسات هذه الحقول العلمية والفكرية، إنما: "ينفض عنها تراب القرون ويخرجها من زوايا النسيان ويعود بها من جديد إلى ميدان الذاكرة، ليسلط عليها أضواء التحليل والنقد ويُظهِرَ أثرها في الحاضر وارتباطها بالمستقبل، مؤكدًا على كونها لبنات رئيسية وأحيانًا أحجار زاوية في صرح الحضارة الغربية، الأمر الذي ينطبق أيضًا على كل حضارة أخرى من حضارات البشر".
يبحث المؤلف في الفصل الأول "المنهاج العظيم – تدهوره وانحلاله"، في فكر القرون الوسطى وأسباب انهياره، إلى جانب ظهور الإصلاح الديني، وبدايات الفكر السياسي في العصر الحديث. فيما يخصص الفصل الثاني "الثورة العلمية الفكرية في القرن السابع عشر"، لمناقشة علوم القرون الوسطى، والثورة الكوبيرنيكية، والثورة العلمية المستمرة، قبل انتقاله لمناقشة أفكار فرنسيس بايكون، ورينيه ديكارت، وغيرهما من فلاسفة القرن السابع عشر.
في الفصل الثالث "ثورة القرن السابع عشر في الفكر السياسي"، يتحدث رونالد سترومبرج عن التسامح الديني، والاستبداد، ومفهوم الدولة ذات السيادة، وثورة المطهرين. أما الفصل الرابع "مرحلة الانتقال إلى عصر التنوير في نهايات القرن السابع عشر"، فقد خصصه لمناقشة عودة الملكية إلى إنكلترا، وطبيعة انعكاساتها على الحقول الفلسفية والمعرفية والأدبية. بينما يضيء في الفصل الخامس "عصر التنوير – الربوبيون والفلاسفة"، على المذهب الربوبي ومنجزات عددٍ من فلاسفة ذلك العصر، مثل فولتير، وديدرو، وجان جاك روسو، وغيره.
ويخصص الباحث الفصل السادس "عصر التنوير – الشكِّيون والعلماء"، للبحث في مذهب الشكِّيون البريطاني، وأفكار ديفيد هيوم، وولادة العلوم الاجتماعية والكتابات التاريخية. بينما يناقش في الفصل السابع "تيارات الفكر الرئيسية في العالم الحديث ابتداءً بعام 1789". ويتناول في الفصل الثامن "مولد الأيديولوجيات 1815 – 1848". إلى جانب الإضاءة على "الرومانسية الاشتراكية وثورة عام 1848" في الفصل التاسع.
ويبحث سترومبرج في الفصل العاشر "أيديولوجيات القرن التاسع عشر – الماركسية"، في أُسُس الاشتراكية، والمادية الجدلية، والمادية التاريخية، وتحليل كارس ماركس للرأسمالية، ونقد الماركسية، إلى جانب عددٍ من أشكال الاشتراكية، وفي مقدمتها الاشتراكية الإصلاحية. أما الفصل الحادي عشر "أزمة الفكر الأوروبي 1880 – 1914"، فيناقش فيه مفهومي القومية والديمقراطية، قبل أن ينتقل للحديث عن تجارب فريدريك نيتشه، وكارل يونغ، وهنري برغسون، وماكس فيبر، وفلاديمير لينين، وآخرين غيرهم.
يقدِّم رونالد سترومبرج في كتابه دراسة تحليلية نقدية موسعة، تناول فيها مجمل الحضارة الأوروبية بمختلف حقولها العلمية والفكرية
الحرب العالمية الأولى وأسبابها ونتائجها أيضًا، هي مواضيع الفصل الثاني عشر "الغرب في مأزق الحرب العالمية الأولى وأعقابها". فيما يركز الفصل الثالث عشر "السنوات العشر القرمزية"، على التجربة الشيوعية، وتجارب الحركات الاشتراكية الأخرى، إلى جانب المذهب الوضعي، والوجودية، والوجودية الدينية.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: خط عرض 42
واختتم رونالد سترومبرج كتابه بالحديث عن أوضاع أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونهاية الأيديولوجية، وظهور الراديكالية الجديدة، وتحويل الماركسية إلى نوعٍ من أنواع الوجودية، واستنزاف "العصرية" ونضوبها، والتشظي، والوحدة، وغيرها من المسائل التي ناقشها في الفصل الرابع عشر والأخير من الكتاب "النظريات الغربية المعاصرة والتيارات الفكرية منذ عام 1945".
اقرأ/ي أيضًا: