ألترا صوت – فريق التحرير
تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.
أمضى الكاتب والروائي الأمريكي إرنست همنغواي (1899 – 1961)، نحو خمسة عشر عامًا في كتابة عملٍ روائيٍ لم يكتمل، وهي ذات المدة التي كتب فيها "الشيخ والبحر" (1952)، و"باريس عيد: وليمة متنقلة" (1964)، و"جزرٌ في التيار" (1970)، وأخيرًا "الصيف الخطير" (1985).
لا تختلف "جنة عدن" عن أعمال إرنست همنغواي السابقة، ربما باستثناء تطرقها لمواضيع لم يسبق له أن تناولها
"جنة عدن"، هو العنوان الذي اختاره همنغواي لروايته هذه التي بدأ بكتابتها في عام 1946، وظل يعمل عليها بشكلٍ متقطع حتى وفاته مطلع ستينيات القرن الفائت، تاركًا خلفه نحو 200 ألف كلمة وزعها على 48 فصلًا، عُثر عليها في حالةٍ تدل على عدم استعداده لنشرها.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث
ولكن الناشر الأمريكي "تشارلز سكريبنرز سونز"، أصر على نشر المخطوط رغم عيوبه، حيث صدرت الطبعة الأولى من الرواية في عام 1986، مرفقة بمقدمة بيَّن فيها أنه: "لم يكتمل شكل هذه الرواية عند وفاة الكاتب. وفيما كنا نجهز هذا الكتاب للنشر، قمنا ببعض التعديلات والتصحيحات الروتينية. وباستثناء بعض المداخلات البسيطة والقليلة جدًا لهدف التوضيح والتناسق، لم يُضَف شيء إلى المخطوطة الأصلية".
وعلى الرغم من توضيحه الذي بيَّن فيه أن: "هذا العمل، على جميع الأصعدة، هو من تأليف الكاتب"، انتقد عددٌ من كتَّاب سيرة إرنست همنغواي، إلى جانب باحثين مطلعين على تفاصيل حياته الشخصية، خطوة الناشر الذي قام، بحسب تعبيرهم، بحذف نصوصٍ مهمة بالنسبة للروائي الأمريكي الذي لم يكن راغبًا بنشر الرواية قبل الانتهاء منها، وإضافة أخرى اتضح أنه قرر التخلي عنها.
بعيدًا عن الجدل الذي أحاط بالرواية، يتفق النقاد والقراء معًا على أن "جنة عدن" لا تختلف كثيرًا عن أعمال إرنست همنغواي السابقة، ربما باستثناء تطرقها لمواضيع لم يسبق له أن تناولها، مثل التحول الجنسي الذي اعتبره البعض محور الرواية، فيما ذهب البعض الآخر باتجاه اعتباره مجرد تفصيلٍ صغيرٍ في متنها.
يروي إرنست همنغواي في روايته التي صدرت النسخة العربية منها عام 1987 عن "دار الآداب" في العاصمة اللبنانية بيروت، ترجمة الشريف الخاطر، حكاية زوجين قررا قضاء شهر العسل في مدينة أفينيون الفرنسية، حيث سارت حياتهما، أول الأمر: "بشكلٍ رائع، وكانا سعيدين حقًا، ولم يكن يعرف أن بإمكان المرء أن يحب إنسانًا بهذا الشكل الكبير، لدرجة عدم الاهتمام بأي شيء آخر، ويبدو ما عداه غير موجود".
غير أن هذا الهدوء الذي عنونَ الأيام الأولى من زواجهما، بدأ بالتلاشي بسبب التغيُّر المفاجئ في سلوك كاترين وتصرفاتها، لا سيما تلك المتعلقة بمحاولاتها التشبه بالذكور، وهو ما أقلق زوجها ديفيد الذي اكتشف أن ميولها الجنسية لا تزال غير واضحةٍ بالنسبة لها، بل ومضطربة أيضًا.
بدأ إرنست همنغواي بكتابة "جنة عدن" في عام 1946، وظل يعمل عليها بشكلٍ متقطع حتى وفاته سنة 1961
عكَّرت هذه التصرفات صفو حياة ديفيد وكاترين، قبل أن تزداد الأمور سوءًا بوصول رسالةٍ من ناشر ديفيد يخبره فيها عن نجاح كتابه، الأمر الذي دفعه للعودة إلى الكتابة، وهو ما أغضب كاترين التي أدركت أن الكتابة ستسلب زوجها وتشغل وقته، بل وتحل محلها أيضًا، لتبدأ حينها محاولاتٍ مختلفة هدفها إما منع ديفيد من الكتابة، أو التحكم في شكلها ومضمونها، مدفوعةً بقناعتها بأن لا شيء غير حياتهما فقط يستحق أن يُروى.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: تجربتي في الأدب والحياة
تنتهي "جنة عدن" بانفصال ديفيد وكاترين. وبين بداية الرواية ونهايتها، يحاول إرنست همنغواي تفكيك العلاقة بين الحب والكتابة. أو، وبشكلٍ أدق، بين الحياة الزوجية وواجباتها من جهة، والكتابة التي تتطلب طقوسًا معينة لا يستطيع ممارستها دون توافرها من جهةٍ أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: