ألترا صوت – فريق التحرير
تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.
"نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة"، هو عنوان كتاب المؤرخ الأمريكي راسل جاكوبي (1945) الصادر بنسخته العربية في أيار/ مايو عام 2001، عن سلسلة "عالم المعرفة" في "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في دولة الكويت، بترجمة فاروق عبد القادر. وفيه يسعى أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا للإجابة على سؤال: هل يمكن أن يكون المستقبل شيئًا غير الحاضر؟ وهل ثمة من لا يزالون يؤمنون به؟
يرى جاكوبي أن العالم دخل حقبة القبول والإذعان، حيث نقيم في ظل توقعٍ ضئيل بأن يكون المستقبل أفضل
يضم الكتاب الصادر للمرة الأولى نهاية تسعينيات القرن الفائت، ستة فصولٍ يناقش فيها راسل جاكوبي عددًا من المسائل المتعلقة بأزمة الهوية الثقافية عند إنسان العصر الحديث. وينطلق، في نقاشاته هذه، من اعتقاده بأن آفاق المستقبل، وفقًا لما تشير إليه المعطيات السياسية والاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، لا تحمل في متنها سوى ما يثير الشعور بالقلق.
اقرأي/ أيضًا: تُرجم قديمًا: دفتر سراييفو
ويعيد المؤلف أسباب اعتقاده، إلى السياسات العالمية التي تتسم بالانهيار الاقتصادي، والحكم الاستبدادي، والعنف، والحروب الأهلية، وغيرها من الأسباب الأخرى التي تجعل من العالم، في نظر الشباب تحديدًا، أقل فتنةً من أي وقتٍ مضى، حيث يرى أن العالم دخل: "حقبة القبول والإذعان، وفيها نقيم حيواتنا وعائلاتنا وأعمالنا في ظل توقعٍ ضئيل بأن يكون المستقبل أفضل".
ويضيف في مقدمته: "لقد تلاشت الروح اليوتوبية، بمعناها المتمثل في أن المستقبل يمكن أن يتجاوز الحاضر. وهذه العبارة الأخيرة تغامر بأن تكون موضوعًا لسوء الفهم المباشر، حيث إن كلمة (يوتوبيا) اليوم أصبحت تعني اليوم ضمن ما تعني (اللااتصال) بالواقع، أو نوعًا من (فصد الدم)، كما أصبح يُنظر إلى الشخص الذي يؤمن باليوتوبيات – على نطاق واسع – إما على أنه شخص معتل عقليًا، أو منفصل عن الواقع".
ويلفت الباحث الأمريكي هنا، إلى أنه يستخدم: "كلمة (اليوتوبي) بمعناها الأكثر رحابةً والأقل مدعاة للتهديد، أعني: الاعتقاد بأن المستقبل يمكن أن يتجاوز الحاضر بصورةٍ أساسية، أو أن نسيج الحياة والعمل، وحتى الحب في المستقبل، قد لا يحمل سوى تشابه ضئيل بما هو مألوف لنا اليوم. وأنا ألمِّح هنا إلى فكرة أن التاريخ يحمل إمكانات للحرية والمتعة لم تكد تُستغل بعد. هذه الفكرة قد شبعت موتًا".
يستعرض راسل جاكوبي في أول فصول كتابه "نهاية النهاية لـ نهاية الأيديولوجيا" مجموعة من الأطروحات الفكرية التي تحدثت عن زوال الأيديولوجيا وتلاشيها بعد وفاة جوزيف ستالين، حيث تصاعدت الأصوات الثقافية والفكرية التي أعلنت أفول "عصر الأيديولوجيا" رسميًا، ومعه الأفكار الراديكالية واليوتوبية التي انتشرت في ظله.
وينتقل الكاتب بعد ذلك، إلى مناقشة المقولات المضادة التي دحضت ما أشيع حول أفول عصر الأيديولوجيا، وذلك على وقع الثورة الكوبية، وقيام ثورات عام 1968، وغيرها من الأحداث التي أعادت إحياء الأيديولوجيا لبعض الوقت، وتحديدًا حتى انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي مطلع عقد التسعينيات.
في الفصل الثاني "خرافة التعددية الثقافية"، يناقش جاكوبي مفهوم "التعددية الثقافية" الذي يقوم: "بسد ثغرة ثقافية فاغرة، فالليبراليون واليساريون، وقد جُردوا من اللغة الراديكالية، والأمل اليوتوبي، تراجعوا باسم أنهم يتقدمون للاحتفال بالتنوع. ولأن لديهم أفكارًا قليلة حول الكيفية التي يتشكل بها المستقبل، فقد احتضنوا كل الأفكار، ومن ثم يصبح التعدد هو السلة التي تحوي كل شيء، بداية الفكر السياسي ونهايته".
وتحت عنوان "ثقافة الجماهير والفوضوية"، يقدِّم في ثالث فصول الكتاب، قراءة في عدة أطروحاتٍ تناولت موضوع الثقافة الشعبية والنخبوية والفوضى في سياقهما. فيما خصَّص الفصل الرابع "المثقفون: من اليوتوبيا إلى انحسار البصر"، للإضاءة على علاقة المثقف بالرؤية اليوتوبية، التي يرى أنها لم تجد لنفسها مأوى إلا: "وسط المفكرين الأحرار رواد المقاهي. وبالقدر الذي لا يعود هؤلاء موجودين، تذوي الرؤية اليوتوبية".
يعتقد جاكوبي في كتابه أن آفاق المستقبل لا تحمل في متنها سوى ما يثير الشعور بالقلق
أما الفصل الخامس "جمالية كثيفة ووطنية رقيقة"، فيبحث فيه جاكوبي في عدة مسائل مرتبطة ومتفرعة من السؤال التالي: هل انتهى الفكر الاجتماعي والفلسفي إلى الشك والاختلاط؟ هل تراجع مشروع نشر النور والحرية إلى الجمالية والوطنية؟
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: قلوب الناس المُعذَّبة
وفي الفصل السادس والأخير "الحكمة بالتجزئة.. الجنون بالجملة"، يتناول المؤرخ الأمريكي التحولات العالمية ما بعد نهاية الحرب الباردة، ويستعرض ما حل بالمقولات التي انتشرت آنذاك حول زوال مصدر تهديد الديمقراطية، وبدء عصر تقاسم السلام العالمي، وغيرها من الآمال التي تبددت بفعل الحروب الأهلية والطائفية التي اندلعت في مختلف أنحاء العالم.
اقرأ/ي أيضًا: