في ورشة عمل حول ثقافة الترحيب في ألمانيا، من الصعب جدًا الإجابة على السؤال المطروح على السوري والعربي: كيف تعبرون عن ثقافة الترحيب في بلدكم؟ الصعوبة تكمن في تناقض الإجابة نفسها، حيث أني صادقة قلت أننا لا نجري ورشات لهذا الأمر ولا ندرسه على شكل خطة ذات بنود، علينا أن نلتزم ببنودها كي نكون مرحبين بالغريب.
إن ثقافة الترحيب هي أمر موروث وفطري وبديهي، فكيف لي أن أعرف ثقافة الترحيب وأختصرها بكلمات وجمل، ومن جهة أخرى أعرف أن هذا الجواب يحدث تشويشًا لدى المواطن الألماني، لجهة أن هذا يتعارض من وجهة نظره، مع ما يحدث حاليًا وما جرى تداوله على أنها حرب أهلية أنهكت البلاد، وسيجعله يطرح على نفسه أو عليَّ سؤال من قبيل، كيف للسوري الذي يرفع بندقية في وجه السوري، أن يكون قبل الحرب مضيافًا وكريمًا ومرحبًا، ولطالما ووجهت بإجابات من هذا القبيل.
عند تحقيق ثقافة الترحيب من جهة وكذلك احترام الآخر من جهة أخرى بشكل عادل ومتوازن يمكن للاندماج أن ينجح
عندما كنت أحاول شرح أي مفهوم من مفاهيم مجتمعنا التي تربينا عليها وقتًا طويلًا من الزمن، فما يحدث في بلادنا يشوه أي فكرة أو رؤية أو ذكرى نحاول توضيحها. ومن جهة أخرى يوجد فارق كبير بين مفهومنا العام للكرم وحسن الضيافة وثقافة الترحيب التي نعرفها، وبين ما يراه المجتمع الألماني. لذا إن وضع الأسس المشتركة لثقافة الترحيب أمر مهم لاندماج الطرفين، وخاصة مع موجة اللجوء السوري المستمرة في ألمانيا، وفي الوقت الذي يبدو فيه ملحًا التعريف بثقافة الترحيب في ألمانيا ونشرها وتوعية المواطنين الألمان بضرورتها، بدأ يظهر بقوة في الفترة الأخيرة تعريف لتقبل واحترام الآخر وهو الأمر المطلوب من السوري فعله أو تقديمه والذي يترجم من وجهة نظر الألمان باحترام الدستور الألماني وقوانين البلاد، ويرى الكثير من الطرفين أنه عند تحقيق ثقافة الترحيب من جهة وكذلك احترام الآخر من جهة أخرى، بشكل عادل ومتوازن، يمكن للاندماج أن ينجح. طبعًا، من دون الوقوع في مطب الانبهار بالرجل الأبيض.
مخاوف الألمان وأفخاخ الاستشراق
ثقافة الترحيب هي مفهوم بدأ يغزو الإعلام الألماني بقوة. يشكل الأمر مادة للعديد من النقاشات والندوات، كانت هذه الورشة جزءًا منها. وقد أدار الورشة عدد من موظفي الحكومة وحزب الخضر المعروف بمواقفه المؤيدة للمهاجرين واللاجئين. بدأت المشرفة على الورشة بدعوتنا لأن نسير في الحديقة مكان انعقاد الورشة، ونحاول أن نصافح بعضنا البعض، ومن ثم اقترحت أن نشكل مجموعات عمل، كل ثلاثة أو أربعة أشخاص يجرون مشهدًا تمثيليًا يعبرون خلاله عن ثقافة الترحيب. فمنهم من أسند ظهره إلى ظهر الآخر كدليل على الدعم ومنهم من شكل مجموعة فدخلها ضيف جديد فرحبوا به وابتسموا له، مشيرين إلى أهمية التبسم كجزء من ثقافة الترحيب. ومنهم من أدى مشهدًا مسرحيًا حيث قام اثنان بارتداء ستراتهم بطريقة مخالفة للعادة وآخر وضع قبعة على وجهه فما كان من المجموعة إلا أن أزاحت القبعة عن وجهه وأمسكت به موضحة بدون كلام فكرة قبول المختلف والخارج عن المألوف.
بعد هذ العرض البسيط، أثير خلال الورشة الكثير من الأفكار، يدور أغلبها حول أمرين أساسيين: ما الذي يريده الأجنبي وما الذي يربكه في ألمانيا؟ وما الذي يخيف الألماني من الأجنبي؟ ذكر الكثير أنهم يرغبون في التواصل مع الأجانب في بلادهم، ولكن يقف حاجز اللغة أمامهم في الدرجة الأولى، كما أنهم لا يعرفون عما يمكن أن يتحدثوا مع الآخر؟ وكثير منهم ركز على أن جهل الألمان بثقافة الآخر الجديد، تجعل الصعوبة كبيرة في خطابه والتأقلم معه، بينما يرى الأجنبي أنه يحمل دومًا شعورًا بالذنب، يشعره به الألماني، فأي موقف خاطئ قد يحدث يشعر الأجنبي أنه هو الملام.
طرح المحاضر الدكتور أولاف كلايست من جامعة برلين أمرًا هامًا للنقاش حول ثقافة الترحيب. فيما يخص اللاجئين السوريين تحديدًا، قال إنه من الطبيعي أن يشعر اللاجئ في البداية بالامتنان لأنه منح أرضًا ومكانًا آمنًا، ولكن المشكلة تبدأ بعد وقت بعد استقراره، فيبدأ الشعور الجمعي تجاهه، بأن عليه أن يرد الجميل، عليه أن يفعل شيئًا لقاء ما مُنح. برأيه، هذه المقايضة تجهض أي عملية اندماج حقيقية، لأنها تعود لتقسم الأمور بين مانح وآخذ وليس بين إنسان وآخر.
أعمار النسبة الأكبر من المتبرعين لمساعدة اللاجئين هم من الألمان الذين ولدوا بعد 1980
من جهة أخرى عرض الدكتور لنتائج بحثه الذي امتد سنوات، والذي يكشف أن أغلب المتطوعين الألمان الذين يساعدون اللاجئين السوريين حاليًا، يساعدونهم في الذهاب إلى الدوائر الحكومية لمتابعة الأوراق الحكومية معهم، فهذه المهمة تحتل المركز الأول في العمل التطوعي. ثم يليها إعطاء دروس ألمانية بشكل مجاني، بينما احتل مرافقة اللاجئ إلى مراكز التحليل والعلاج النفسي المرتبة الأخيرة ضمن الوظائف والمهام التي يقدمها المتطوع الألماني. كما أن أعمار النسبة الأكبر من المتبرعين هم من الألمان الذين ولدوا بعد 1980، واهتمامهم بالعمل التطوعي وخاصة مع اللاجئين السوريين ناتج عما نقل عن هذه المأساة خلال السنوات الأربعة الماضية في وسائل الإعلام، وأكثر المهتمين بموضوع اللاجئين واللجوء بصورة عامة في ألمانيا منذ سنة 2011 هم الأشخاص ما دون الثلاثين عامًا. وأكد الباحث أن نسبة كبيرة من المتطوعين الذين يعملون مع اللاجئين هم من خلفية مهاجرة، وأغلبهم يتمتعون بوضع مالي جيد، كما أن الجمعيات هي أكثر الأماكن التي ينطلق منها المتبرعون للعمل التطوعي.
اقرأ/ي أيضًا:
الهاربون إلى الله.. الوصول إلى ألمانيا!
من اليرموك إلى أوروبا.. اللجوء متواصل