10-يناير-2024
لقطة من المسلسل الإسرائيلي فوضى (نتفليكس/ الترا صوت)

لقطة من المسلسل الإسرائيلي فوضى (نتفليكس)

برزت "إسرائيل" في الساحة الجيوسياسية لا بسبب قوتها العدوانية القائمة على العسكرة وصناعة التسليح وتحركاتها الاستراتيجية فقط، وإنما نتيجة لاعتمادها على منظومة متماسكة، إلى حد كبير، من القوة الناعمة. إذ تستخدم، استراتيجيًا، مختلف جوانب القوة الناعمة لتشكيل وجهات النظر العالمية، وتأكيد وجودها على الساحة الدولية.

ففي عقودها الأولى، تمتعت بقاعدة قوة ناعمة قوية، حيث استفادت اللوبيات اليهودية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية من حالة التعاطف التي سادت جراء الهولوكوست، إذ لاقت اللوبيات اليهودية تعاطفًا ودعمًا دوليين، وهو ما استغلته الحركة الصهيونية في المراحل الأولى لتشكيل "دولة" تجمع الشتات اليهودي.

وشكّلت السنوات الأولى لقيام "دولة إسرائيل" موضوعًا للكتب والأفلام والأغاني، حيث جاء "الآباء المؤسسون" الذين استصلحوا الأرض القديمة والكيبوتس، ليجسدوا محاولة الحركات الصهيونية لبناء مجتمع جديد يؤمن بأرض الميعاد والهيكل، ويؤسس لحركة احتلالية استعمارية كمشروع هيمنة في الشرق الأوسط.

مفهوم القوة الناعمة التقليدي وعلاقته بالبروباغندا الإسرائيلية

يُعرِّف جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة، في سياق العلاقات الدولية، على أنها قدرة الدول على فرض أجنداتها السياسية وتقرير أُطر التعاطي معها بطريقة تغيّر وتوجّه تفضيلات الدول الأخرى وشعوبها، وتُحدِث تأثيرًا على وجهات النظر تجاه هذه الدولة. ويقتضي هذا التعريف أن القوة الناعمة للدول تنبع من قدرتها على إحداث فارق في عوامل الجذب الثقافي والعقائد السياسية وصنع السياسات، وهي على عكس القوة الصلبة معنية أكثر بالجذب والتأثير لا القوة والعنف أو الضغط الاقتصادي أو العسكري.

يقودنا هذا المفهوم إلى البروباغندا الإسرائيلية التي اعتمدتها دولة الاحتلال لترسيخ أفكار الصهيونية، والتي قامت في بداياتها على أُسس دينية دعائية قائمة على سردية أنهم "شعب الله المختار"، ومن حقهم البقاء في أرض فلسطين التي عدّوها "أرضًا بلا شعب لشعب بلا أرض". وبالتالي، فإن دولة الاحتلال تغطّي بهذه الدعاية على أهدافها الاستعمارية والاستيطانية الحقيقية في فلسطين والمنطقة.

عزّزت "إسرائيل" منظومة القوة الناعمة بتبنّي وتصدير الأفكار الدينية إلى دول العالم، لا سيما دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية

 

وشكّلت القنوات الإعلامية والصحف الأمريكية الراعية لنشوء دولة الاحتلال حجر أساس في هذه الدعاية، إذ يُنسب الاعتراف بدور الإعلام في الترويج للدعاية الصهيونية حينها إلى ديفيد بن غوريون الذي قال: "لقد قام إعلام دولتنا، واستطاع التحرك لنيل مشروعيتها الدولية". ويأتي هذا الرأي بعد أن عملت الحركة الصهيونية على تطويع الرأي العام العالمي لصالح اليهود حينها، وترويج صورة اليهودي المضطهد والناجي الوحيد من المحرقة، وتابعت الحركة الترويج لهذه الصورة والمظلومية وفق خطابات وأساليب دعائية وأذرع قوة ناعمة تتماشى مع كل مرحلة من مراحل التأسيس لهذا المشروع.

الذراع الثقافي والإعلامي

عزّزت "إسرائيل" منظومة القوة الناعمة بتبنّي وتصدير الأفكار الدينية إلى دول العالم، سيما دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وخاصةً المجتمعات الدينية اليهودية والمسيحية الإيفانجليكية، كون هذين المجتمعين يشكلان ثقلًا في الحديث عن دعم "إسرائيل"في أروقة السياسة الخارجية الأمريكية.

تعتمد الحكومات المتعاقبة في دولة الاحتلال على السياحة الدينية للترويج للمقدسات الإسلامية والمسيحية المحتلة وادعاء امتلاكها ومرجعيتها التاريخية لليهود، لا سيما في ظل وجود أحداث تاريخية في كل من الديانتين المسيحية واليهودية عن التجاهل مطلق لأي من الاحداث المتعلقة بالديانة الإسلامية والقومية العربية لأرض فلسطين. هناك ادعاءات يهودية بأحقيتهم بالمسجد الأقصى والحائط الغربي "حائط المبكى"، وأن الكنيس المركزي لليهود في القدس، "الكهف"، كان يقع داخل أنفاق حائط المبكى لسنوات طويلة، قبل سقوط المدينة في أيدي الصليبيين عام 1099.

وبحسب مراجع إسرائيلية(1) تدّعي صلة اليهود بالحائط، فقد جمع العالم اليهودي، يتسحاق يحزقيال يهودا، العشرات من الشهادات عن الصلوات اليهودية عبر فترات زمنية عديدة، بدءًا من عام 950م. وقد تم تقديمها إلى لجنة حائط المبكى البريطانية عام 1930، لتشهد على الارتباط اليهودي المزعوم بالمكان وأحقيتهم بإقامة دولة على أرضه.

لكن مقاومة ووجود أهالي القدس الأصليين الذين يثبتون بصمودهم ملكيتهم لأرضهم، زعزعت ثقة الأوروبيين الجدد بأحقية اليهود بالمكان لدرجة أنهم لم يعودوا يتلقوا المساندة المعنوية والإعلامية الكافية، أو حتى مساندة، من الرأي العام الغربي.

وفي تقرير نشره موقع "فايننشال تايمز"، يوضح استبيان رأي أن الأشخاص بين 18 و24 عامًا يميلون إلى التعاطف مع الفلسطينيين بعد معركة "طوفان الأقصى" ثلاث مرات أكثر من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، على اعتبار أن التعرض للفيديوهات التي يبثها الناشطون الفلسطينيون الشباب حول العالم تصل إلى هذه الشريحة بشكل أكبر، وتدحض رواية الإسرائيليين حول أحقيتهم بالأرض وتوضح حقيقة العدوان على الفلسطينيين.

أما على المستوى الثقافي، روّجت دولة الاحتلال لكتب ومؤلفات وروايات مصوّرة لكتاب ومؤلفين يهود من أصول مختلفة، حيث جرى تصدير كتّاب مثل عاموس عوز ودافيد جروسمان على مستوى الدولة، ونكاد أن نقول إنه تم إجبار صنّاع السينما على تبني رواية هؤلاء الكتاب في حال تقريرهم إنشاء أي عمل درامي أو سينمائي حول أرض فلسطين المحتلة ونشوء "دولة إسرائيل".

وبحسب موقع "Culture Trip"، فإن مذكرات الكاتب عاموس عوز التي يروي فيها تاريخ عائلته وعائلات أخرى باسم "The tale of Love and Darkness"، تشكل حكاية ملحمية تدور أحداثها على خلفية الظروف الدرامية والمضطربة في فلسطين وإعلان قيام دولة الاحتلال؛ تشكل مرجعية أدبية لأي قارئ يريد معرفة الرواية الإسرائيلية عن قيام دولة الاحتلال.

ويقدّم عوز في هذه المذكرات صورة معقدة عن نفسه في سن المراهقة ومحاولاته لإعادة تعريف هويته بعد انتحار والدته، ويصفه الموقع على أنه كتاب "مأساة وانتصار، على المستويين الشخصي والتاريخي"، وقد تم تحويله إلى فيلم يحمل العنوان ذاته من بطولة ناتالي بورتمان(2).

وعلى الصعيد التلفزيوني والسينمائي، عرضت "نتفليكس" – وهي من الداعمين التقنيين للسردية الإسرائيلية(3)، لا سيما بعد أن نشرت مقالًا عام 2017 أعلنت فيه عن إضافة الشركة رسميًا لخدمة "إسرائيلية حقيقية" عبر توظيف اللغة المحلية (العبرية) والعملة الإسرائيلية، وإضافة مسلسلات وأفلام وعروض تلفزيونية إسرائيلية، بالإضافة إلى خدمة نتفليكس الأصلية – أفلامًا حول واقع دولة الاحتلال، واعتمدت على ترويج صورة الإسرائيلي على أنه مسالم تارةً، وضحية تارة أخرى.

أثبتت القدرة القتالية العالية للمقاومة الفسلطينية فشل منظومة الاستخبارات الإسرائيلية وبرامج التعقب والتجسس التي تصنّعها وتصدّرها الشركات الأمنية الإسرائيلية الناشئة

ومؤخرًا، عرضت المنصة مسلسل "فوضى" الذي صوّر الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين على أنه حرب المسلمين ضدّ اليهود، وليس احتلالًا ومقاومة تحررية، وحرص الكتّاب فيه على أن يُصدِّروا أجندات الاحتلال وكيفية التعاطف مع اليهود.

وتنفيذًا لبروباغندا الاحتلال، لم تظهر في العمل أي كلمة تشير إلى الإسرائيليين على أنهم محتلون أو مستعمرون أو غزاة، بل جرت الإشارة إليهم بكلمة "اليهود"، والمنسق الأمني في الجانب الفلسطيني يخاطبهم كأنهم سكان معروفون بالنسبة له، ولا يظهر العلم الإسرائيلي في ثلاثة مواسم متتالية للمسلسل إلّا في مكتب وزير الدفاع لبضعة ثوانٍ، الأمر الذي يشير إلى أن هناك تفاعلًا حقيقيًا بين السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية، مع دخول المستعربين والضباط الإسرائيليين وتصويرهم بطريقة لطيفة تعمي البصيرة عن ماهية الاحتلال والمكنة العسكرية التي تنهش بلحم الفلسطينيين  تفتك بهم منذ 1948.

في مشاهد القناص الإسرائيلي الذي يمثّل بدوره في المسلسل "دولة قانون وليس مجموعة أو منظمة إرهابية"، رسائل هدفها اللعب على مشاعر المشاهدين وتزييف حقيقة الجندي الإسرائيلي، الذي يتم تصويره على أنه إنسان قدوة لعائلته، وربّ أسرة واعٍ لما يجري حول أسرته يعمل لضمان حياة هادئة لهم.

ومع تتابع الأحداث، نرى إسرائيليًّا حريصًا على حياة الأطفال الفلسطينيّين، تظهر إنسانيته عندما نرى محاولاته لإنقاذ ماعز كانت قد علقت بين الأسلاك الشائكة. بالنتيجة، فإن المتابعين سيمجدون هذا الدور الإنساني للفرد الإسرائيلي ليكون بذلك دور المسلسل، والدراما المنتشرة، غسل عقول المشاهدين عبر منصات مسمومة.

هذا الفعل التحريضي والتوجيهي الذي يستغله الإعلام لترويج البروباغندا للجمهور وتشكيل آرائهم، يؤكد عليه الفيلسوف نعوم تشومسكي في أطروحته حول الإعلام والحروب بفكرة مفادها أن ديمقراطية المتفرج تنظر إلى الجمهور على أنه قطيع مرتبك يحتاج إلى التوجيه وليس التمكين، على اعتبار أن وظيفة الذراع الإعلامي للقوة الناعمة للاحتلال الإسرائيلي هي إعادة إنتاج جيل من الداعمين لوجود الكيان وفق خط تقني جديد وبأدوات مقنعة في متناول أيديهم تساعد على تسييرها منصات إعلامية ضخمة إضافةً إلى إعلاميين متحدثين سواء كانوا مدنيين أم حربيين.

هذه الصورة "اللطيفة والمشرقة" للاحتلال الإسرائيلي لم تكن يومًا موجودة، وتعزز فعل النفي أكثر بعد أن شاهد العالم ما حدث من فجور عسكري بعد 7 أكتوبر 2023، وهم الذين ارتبكوا المجازر بدايةً منذ أيام عصابات الهاغانا وشتيرن وغيرهما، وليس انتهاءً بحربهم الشعواء على غزة التي مارسوا خلالها أبشع جرائم التطهير العرقي والقتل الممنهج المبني على أسس وتبريرات لا يقبل بها قانون أو عقل.

لقد أصابت المواد البصرية الصادرة من غزة، فعليًا، رواية الإسرائيلي الناعم بمقتل، بل إنه ظهر كوحش كاسر يبطش بفريسته على مرأى وأعين جميع مؤسسات العالم، الإنسانية والثقافية والدينية والأمنية والعسكرية، وفرّغتهم من أي محتوىً سوى محتوى الدم اللاصق على أيديهم.

روّجت "إسرائيل" لنفسها، على مدار العقود الثلاثة الماضية، على أنها "أمة الشركات الناشئة"، وقائد عالمي في تطوير التقنيات المبتكرة

يرى تشومسكي أن وسائل الإعلام المساندة لإسرائيل والتي هي بالأساس أداة طيّعة بيد الحكومة الأمريكية وشركائها لخدمة مصالحهم المشتركة، تعمل وفق مبدأ "صناعة الإذعان”؛ فالولايات المتحدة تقوم باستخدام وسائل ناعمة وغير عنيفة للسيطرة وترويج بروباغندا الجندي الأمريكي الذي لا يقهر، والميركافاه التي لا تُخترق كما في أفلام هوليوود وسينما نتفليكس، بعكس الأنظمة الاستبدادية وقبضتها الحديدية.

هذا القول يُفسَّر على أن الدعاية تمثّل بالنسبة إلى الأنظمة الديموقراطية ما تمثّله العصا للأنظمة الاستبدادية، والجدوى عالية على اعتبار أن الملكية للشركات الكبرى، والتمويل من الإعلان لا من القراء، ومجموعات الضغط القوية واللوبيات التي تدعم الكيان الإسرائيلي والرواية الأمريكية الداعمة له ترسم خارطة طريق للمتفرجين وتكون بخدمة النخبة وأهوائها وأجنداتها السياسية؛ وبذلك يصبح لدى الجمهور العام فكرة أن جرائم إسرائيل "دفاعًا عن النفس"، بينما ما تفعله المقاومة مجرد أعمال إرهابية.

الابتكار والتكنولوجيا والشركات الأمنية

على مدى العقود الثلاثة الماضية، روّجت "إسرائيل" لنفسها على أنها "أمة الشركات الناشئة"، وقائد عالمي في تطوير التقنيات المبتكرة، والتي انتقلت من كيان مصنع للمنسوجات والملابس والأغذية المصنعة، إلى تصنيع وإنتاج برامج الكمبيوتر وأجهزة التجسس والتعقب وتقنيات المعلومات والاتصالات والأجهزة الكهربائية الضوئية وحلول الأمن السيبراني والتسليح. وبذلك تحولت دولة الاحتلال عبر استغلال موارد الأراضي المحتلة تحولًا هيكليًا من الصناعات التقليدية إلى الابتكار التكنولوجي، مع بيئة قوية تجذب استثمارات رأس المال الكبيرة، خاصةً في مجال تطوير أنظمة المراقبة والتجسس وأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة الطائرات المسيرة وطائرات التعقب.

وبحسب منصة "StartupbLINK"، فإن دولة الاحتلال تحتل المركز الثامن عالميًا في الشركات الناشئة بعدد 131.338 شركة خلال العقود الثلاثة الماضية(4). وبالنظر إلى عدد الشركات الناشئة وعدد السكان الإجمالي لدولة الاحتلال، نجد أن هذا الرقم عالٍ مقارنة بعدد السكان، وبهذا فإن "إسرائيل" تحتل واحدة من أعلى معدلات الشركات الناشئة لكل فرد على مستوى العالم. هذا النقاش يقودنا إلى أن التقنيات التي تبيعها "إسرائيل" إلى دول متنوعة حول العالم، هي نتاج هذه الشركات الخاصة التي تعتمد عليها وزارة دفاع الاحتلال أيضًا في حروبها في المنطقة.

ووفقًا لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية(5)، وافقت "إسرائيل" عام 2022 على تسويق طائرات بدون طيار إلى 145 دولة حول العالم، مع زيادة بنسبة 25% في عدد الدول التي تم بيع أنظمة استخباراتية وإلكترونية لها. وكشفت تقارير نشرتها صحيفة "جيروساليم بوست"(6) عن استخدام طائرات "Harop" و"Harop" و"Quadcopter" من قبل الجيش الأذربيجاني في الحرب ضد أرمينيا، حتى أن طائرة "Harop" تحطمت في إيران، مع إشادة أذربيجان بالطائرات الإسرائيلية بدون طيار في 2021.

ويذكر موقع "the New Republic" أن نظم تصنيع الأسلحة وتطوير العتاد الحربي وقع في أيدٍ حاقدة منها الاحتلال الإسرائيلي، وأنها تبيع أسلحة تحت مصطلح "Battle Tested" و"War Tested" كما الحال في دبابات ميركافاه التي طورتها بعد حرب تموز في جنوب لبنان عام 2006.

موقع إسرائيل بين الدول التي تحتوي شركات ناشئة حتى 2023 (7)
موقع إسرائيل بين الدول التي تحتوي شركات ناشئة حتى 2023 (7)

في كتابه "مختبر فلسطين: كيف تصدر "إسرائيل" تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟"، يدرس الكاتب اليهودي الأسترالي أنتوني لوينشتاين صادرات الحرب الإسرائيلية الحديثة والاستخبارات والتكنولوجيا الذكية إلى الديكتاتوريات الحديثة والتقليدية، مثا المجلس العسكري الفاشي لأوغستو بينوشيه في تشيلي، وأذربيجان، والمجلس العسكري المسؤول عن الإبادة الجماعية في غواتيمالا (حيث دعا اليمين في البلاد علنًا إلى "فلسطنة" سكان المايا الأصليين، أي التعامل معهم كما يتعامل الاحتلال مع الفلسطينيين)، ومؤخرًا، الأنظمة الاستبدادية في روسيا والإمارات العربية المتحدة والمجر والهند وأذربيجان.

وبعد معركة "طوفان الأقصى"، تضعضعت صورة هذه الشركات أمام أصحاب المصلحة والمساهمين الحاليين والمحتملين، لا سيما بعد أن أحدثت المقاومة خرقًا أمنيًا واستخباراتيًا لجيش الاحتلال وقدرته على ضبط حدود مستوطنات غلاف قطاع غزة، خاصةً وأن المقاومة دخلت إلى عمق هذه المستوطنات وأعلنت فيما بعد عن أسر العشرات من اليهود المستوطنين والعسكريين.

ومع شن هجوم جوي و بري وبحري على القطاع، اضطرب نظام القبة الحديدية التي تتغنى به دولة الاحتلال أمام الدول التي تسعى إلى تصديره لها كنظام دفاعي ذكي قادر على تنفيذ مهمات دفاعية شديدة الحساسية. ومع اشتداد المعارك البرية داخل القطاع، أثبتت القدرة القتالية العالية للمقاومة الفسلطينية فشل منظومة الاستخبارات الإسرائيلية وبرامج التعقب والتجسس التي تصدرها الشركات الأمنية الإسرائيلية الناشئة في الوصول إلى أماكن وجود الأسرى الإسرائيليين ومقاتلي المقاومة.

الدبلوماسية والعلاقات الدولية

وبعد التحولات الكبيرة التي شهدتها الساحة الدبلوماسية في الشرق الوسط بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال، سيما مع اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي تُظهر قوة ناعمة لـ"إسرائيل"، وتوقيع اتفاقيات أبرزها "اتفاقية أبراهام" في 2020 التي قامت بتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، والتي شكلت اختراقًا دبلوماسيًا تاريخيًا للحالة العدائية تجاه "إسرائيل"، ورغبة الأخيرة في التوسع الدبلوماسي في المنطقة وفك القيد عنها؛ جاءت عملية "طوفان الأقصى" لتعيد الأنظار إلى القضية الفلسطينية، ووجهت ضربة موجعة للزخم الدبلوماسي برعاية واشنطن لإبرام اتفاق تطبيع بين "إسرائيل" والسعودية.

قوّضت عملية "طوفان الأقصى" جهود واشنطن وتل أبيب في خلق حليف جديد له ثقله الاستراتيجي والاقتصادي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، وأعادت المملكة إلى دورها التقليدي في بناء السلام في المنطقة والوصول إلى تفاهمات حول إنهاء الحرب في غزة، تحت ضغط شعبي ومحلي.

الدبلوماسية الرياضية

استخدمت "إسرائيل" دورة الألعاب الشتوية في بكين 2022 لأغراض توسيع الدولة "Nation Branding" والدبلوماسية العامة واعتبار أن المشاركة في الألعاب الأولمبية التي تجري على نطاق دولي تصور "إسرائيل" خارج نطاق الحروب والاستقطابات العسكرية، ويمكنها أن تروي قصة الهجرة اليهودية وإمكانيات بناء الجسور بين الشرق والغرب، وإمكانية إحداث تغيرات على مستوى تطبيع العلاقات الدولية مع دولة الاحتلال على مستويات أكبر.

وعلى الرغم من ضخ إمكانيات ضخمة في الدبلوماسية الرياضية، إلا أن حالات مقاطعة اللاعبين الإسرائيليين في أغلب البطولات كانت ظاهرة وأبرزها مقاطعة لاعبين إيرانيين ومصريين وكويتيين لمنافسيهم الإسرائيليين ورفض النزال معهم.

جماهير نادي سيلتيك الأسكتلندي يرفعون علم فلسطين
جماهير نادي سيلتيك الأسكتلندي يرفعون علم فلسطين (8)

المقاطعة الفردية مجدية للوقوف في صف الفلسطينيين، لكن الأبرز بعد 7 أكتوبر 2023 هو مساندة الجماهير الرياضية ومشجعي النوادي العربية و العالمية (الألتراس) لقطاع غزة، وتنديدهم بجرائم الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية التي تحدث في القطاع دون أي موقف دولي جاد تجاهها.

وعلى الرغم من تحذيرات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لمشجعي المنتخبات والأندية من رفع أية اعلام فلسطينية، أو إبداء أي تضامن مع فلسطين، إلا أن جماهير نادي "سيلتيك" أشعلوا المدرجات بأعلام فلسطين في 25 أكتوبر عندما استضاف الفريق أتلتيكو مدريد، ليوجّه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الاتهام إلى "سلتيك" بسبب "رسالة استفزازية ذات طبيعة مسيئة" داخل الملعب بعد رفع علم فلسطين.


[1] The Western Wall and the Jews: More than a Thousand Years of Prayer, Nadav Sharagai. 2020 retrieved from https://jcpa.org/article/the-western-wall-and-the-jews-more-than-a-thousand-years-of-prayer/

[2] The Arts Fuse website, the tale of Love and Darkness, https://artsfuse.org/149431/fuse-film-review-a-tale-of-love-and-darkness-a-haunting-view-of-1940s-israel/ retrieved on 13 dec. 2023

[5] ينظر في موقع جيروساليم بوست https://www.jpost.com/middle-east/israeli-drones-used-by-azerbaijan-under-spotlight-in-new-tv-report-661804

[6] Startup Blink, Top 20 countries by total startup output in 2023 retrieved from https://www.startupblink.com/blog/top-20-countries-by-total-startup-output-in-2023/

[7] AP News, Palestinian flag displayed by fans of Scottish club Celtic at Champions League game draws UEFA fine. Retrieved from https://apnews.com/article/celtic-fans-palestinian-flags-uefa-adacd9d9f75adb5a8740761fb802494f


قائمة المراجع:

العربية:

التميمي، نواف، عبد الله عدوي، عدنان أبو عامر وآخرون. "الدعاية الإسرائيلية: قراءة في القوة الناعمة." مركز رؤية للتنمية السياسية. (2023).

"فوضى"، ضجيج هائل من أثر الهزيمة والارتباكز امير مخول. فسحة عرب 48. https://rb.gy/bzm4sg

سمير صارم.  "الإعلام اليهودي قلب الحقائق بتقنيات شيطانية."   https://cutt.us/OWtDr

 

الأجنبية:

Abstien, Helen. "The Tale of Love and Darkness." The Arts Fuse. Accessed December 13. https://shorturl.at/dIX06.

AP News. "Palestinian Flag Displayed by Fans of Scottish Club Celtic at Champions League Game Draws UEFA Fine." Accessed December 13. https://rb.gy/7i4ki9.

Chomsky, Noam. "The Media and the War: What War?." In Triumph of the Image, (2018) 51-63. Routledge.

Conboye, Janina, and Alan Smith. "How the Public Opinion about Israel-Hamas War Has Shifted." Financial Times. Accessed December 13. https://rb.gy/gt4r2p.

Frantzman, Seth J. "Israeli Drones Used by Azerbaijan under Spotlight in New TV Report." Jerusalem Post. Accessed December 13. https://shorturl.at/hoLPY.

Netflix. "NETFLEX Now Is Truly Israeli." Netflix Official Website. Accessed December 13. https://shorturl.at/cyGT2.

Nye Jr, Joseph S. "Public Diplomacy and Soft Power." The Annals of the American Academy of Political and Social Science 616 (2018): 94-109.

Sharagai, Nadav. "The Western Wall and the Jews: More than a Thousand Years of Prayer." Accessed December 13. https://shorturl.at/emrG8.

Singol Enginsoy. "Top 20 Countries by Total Startup Output in 2023." StartupBlink. Accessed December 13. https://rb.gy/cil1f2.

Swalha, Abdullah. "The Anti-Israel Toolbox: From Hard Power to Soft Tools." Strategic Assessment 17 (2014): 21-31.

Yaron, Oded. "Record-breaking Spike in Countries Buying Israeli Arms and Cyber." Haaretz. Accessed December 13. https://rb.gy/dzhb31.