"ثلاثة أرباع" العجائب في مصر، ويبدو أن الربع الباقي أيضًا هناك. للوهلة الأولى تبدو تفاصيل بعض القصص في مصر غير منطقية، تقول في نفسك إنك لوكنت تسمع هذه القصص في الأفلام، مثل الفيلم الذي مثلته سعاد حسني ونور الشريف "غريب في بيتي"، لكنت اعتبرتها مبالغة ضرورية في سياق النص، لكن كل خيال في العالم له أصل في الواقع.
تتعدد القصص الغريبة في مصر ومنها انتشار ظاهرة تملك الشقق بوضع اليد، مع شبهة تورط عناصر أمنية في ذلك
القصة وما فيها، أن كثيرًا من سكان المحروسة وضعوا "شقا العمر" أو لنقل جُل مدخراتهم الثمينة في شقة وتركوها ليكملوا رحلة كفاح بدأت خارج حدود البلد. أغلقوا الشقق معتقدين أنها في حماية القانون وتركوها لحالها. لكن الوضع لم يكن كذلك، وكأن الانفلات أصبحت له مؤسسات تديره في مصر.
اقرأ/ي أيضًا: ورطة ضحايا توزيع الخسارة على الجميع.. تعرف "كيو نت"؟
تقول عفاف عبد الحميد لـ"الترا صوت": "عندي شقتين في منطقة بيانكي في العجمي مغلقتين، وانشغلت بعدة أمور منها مرض زوجي الذي توفاه الله منذ فترة. وحين عدت إلى الشقق لتفقدها وجدت أقفال المفاتيح أو ما نسميه في مصر "الكوالين"، قد تغيرت و فتح لي شخص يسأل من أنتِ؟ كما يحدث في الأفلام"، فسألتها: "كيف حدث الأمر برأيك؟". أخذت نفسًا عميقًا ثم أخبرتني بشكل مفصل: "لا يمكن أن يكون الأمر عفويًا، هي عصابات، يساعدها أشخاص يعرفون المنطقة بشكل جيد، من المقيم؟ من المسافر؟ من يأتي ليتفقد شقته ومن تركها منذ سنوات. وهناك " بلطجية" يساندها أحد من قسم الشرطة، غالبًا يعين مغتصب الشقة البواب أو شخصًا آخر فاسدًا، يحصل على المال لتسهيل الحصول على الشقة".
ثم تستطرد: "رفعت قضية وأخذت حكمًا بالتمكين من الشقق، ولكن بينما استطعت استخلاص الحكم كان المغتصب، وهو أمين شرطة، قد استحوذ على الشقة وكان يجب علي أن أثبت أن الشقق ملكي، فشهد معي صاحب السوبر ماركت والحلاق المجاورين، لكنه اشترى بعض الناس الذين شهدوا لصالحه".
بعد أن صدر القرار من المحامي العام بالإسكندرية لصالحي، كان يجب أن يطبق حكم التمكين من الشقة أمين شرطة، كما ينص القانون، ولكن ما حصل أنهم صاروا يطلبون مني المال لإنجاز الأمر، حتى المحامي الخاص بي طلب مبلغًا من المال له وللأمناء من أجل إخلاء الشقق".
تتذكر عفاف، خلال حديثها لـ"الترا صوت": حتى عندما تقدمت بالبلاغ للقسم قال لي وكيل النيابة حينها "هذه المنطقة ..مرة أخرى!، وقد عُرض علي التعامل مع (بلطجي) معروف في المنطقة لإنهاء القصة واقتحام الشقق ولكنه طلب مبلغًا كبيرًا لا يتوفر معي الآن!".
اقرأ/ي أيضًا: كواليس النصب باسم الرئيس
هل فعلاً يكون القسم متورطًا إلى هذا الحد؟ شهادات الناس لـ"الترا صوت"، بقصصهم المختلفة، تحمل لنا الإجابة، إذ تقول أسماء أحمد: "أجّر أبي إحدى الشقق في منطقة إمبابة، قبل الثورة، واتفق مع المستأجر أن مدة الإيجار 12 شهرًا، فزور الرجل العقد وجعل المدة 12 عامًا، قدمنا شكوى وظلت القضية في المحاكم 3 سنوات، و تراكم الإيجار على الرجل المزور حتى وصل إلى 40 ألف جنيه مصري (2000 دولار)، وبعد الحصول على الحكم، كان لا بد من تنفيذه من قبل أمين شرطة، لكن في كل مرة نجد عذرًا جديدًا لعدم تنفيذ الحكم، وفي إحدى المرات طلب أحد أمناء الشرطة مالًا من والدي للقيام بتنفيذ حكم قضائي، وتبين فيما بعد أن هذا الأمين كان على خصومة شخصية مع أمين شرطة آخر يحمي المستأجر المزور، وأنهم اختلفوا وتضاربت مصالحهم". "وكانت النتيجة في صالح أبي"، تقول أسماء، واستطعنا الحصول على الشقة بعد دفع الرشوة للأمين وزملائه.
لتجنب الاستيلاء على أحد العقارات يُفضل تسجيله في الشهر العقاري وهو ما يعني أعباء إضافية على المواطن المصري
أما المهندس محمد أبو كريم فيقول لـ"الترا صوت": "شقتي كانت في التجمع الخامس، وكانت مفروشة بالكامل، ولم أستعملها سوى عام واحد، وبعدها سافرت أنا وزوجتي، وبينما أنا مسافر، ذهبت أمي لتفقد شقتي فوجدت أن أحدًا ما قد خرب "عداد" الكهرباء الخارجي للشقة، فأعلمت الشرطة وكانت غلطة حياتنا حيث عرفوا هناك أنني مقيم بالخارج".
"إثر ذلك بثلاثة أيام، سُرقت الشقة، كل شيء فيها، حتى باب الشقة سُرق، فجاء مجموعة من البنائين، وضعوا لها بابًا وأقاموا فيها. ولكنني بواسطة الحيلة استطعت إخراجهم ووضعت للشقة أبوابًا مصفحة موصولة بالكهرباء لتصعق من يلمسها. ثم بعتها لاحقًا لأتخلص من وجع الرأس! يتذكر محمد.
ولكن "ماذا لو كان البلطجي المستولي على شقتك بدرجة "متنفذ في الدولة"؟ الإجابة في قصة محمد زيتون، التي رواها لـ"الترا صوت". ومحمد كان يملك شقة في أحد العقارات القديمة في حي من الأحياء الراقية، استطاع رجل ذو نفوذ، الاستيلاء على جميع الشقق بالعقار عن طريق مقابل مادي مدفوع لأصحابها ولكن محمد ومجموعة من السكان رفضوا، وطالبوا برفع السعر المطلوب في الشقة، لكن المتحيل صاحب النفوذ رفض ومنعهم من دخول شققهم".
بحثًا عن الرأي القانوني، سألنا المستشار محمود الشربيني فأجاب لـ"ألترا صوت" أن "القانون المصري يفرق بين الملكية والحيازة أما اغتصاب العقار لا يولد لا ملكية ولا حيازة، ولكن إذا استمرت حيازة عقار ما بشكل هادئ لمدة عام فإن النيابة تمكنه من حيازة العقار، وعلى المالك التوجه للقضاء. للأسف القانون يحمي الحيازة الظاهرة الحقيقية حتى لو لم تكن قانونية، ولصاحب العين العقارية الحق في اللجوء إلى القضاء لاسترداد حقه".
والحل النهائي يكمن في التوجه للمحكمة، التي تقوم بعمل التحريات لتأكيد مالك الشقة الحقيقي، وتفصل في الملكية، لكن الإجراءات القانونية طويلة ومعقدة ومعرقلة أحيانًا، وحتى بعد الحصول على الحكم فإنه يمكن عرقلة التنفيذ بإشكالات أخرى. ويعتبر تسجيل العقار في الشهر العقاري الحل الأفضل لكن الناس باتت لا تهتم بذلك لإجراءاته الطويلة ولرسومه المرتفعة، وهو ما يضيف أعباء إضافية على المواطن، لذلك صار تملك الشقق بوضع اليد في مصر مشكلة متفاقمة والعديد من القصص تؤكد تورط عناصر من مؤسسات الدولة فيها.
اقرأ/ي أيضًا: