في 9 آب/ أغسطس الجاري قيدت جماعة أنصار الله (الحوثيين) محتوى موقع يوتيوب، ما تسبب بإيقاف خاصية التعليقات على المحتوى المنشور داخل الموقع بالإضافة إلى اختفاء أغلب المحتوى عند المتابعين، وهو ما أثار موجة من الغضب عند مستخدمي الموقع في اليمن ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لتتراجع الجماعة فيما بعد عن قرارها.
جاء ذلك بعد أن حذفت منصتا يوتيوب وفيسبوك حوالي 24 حسابًا لجهات تابعة للجماعة في منصاتها لأسباب تتعلق بمخالفة معايير النشر ونشر محتوى عنيف ومحرض على الكراهية، وفقًا للموقعين. الأمر الذي دفع بالحوثيين لشن حملة ضد الموقعين، مطالبين من يمن نت مزود خدمة الإنترنت حظرهما.
وعمدت السلطات إلى الترويج لحملتها في وسائل الإعلام المحسوبة عليها ومنصات التواصل الاجتماعي باستخدام وسم "الحظر بالحظر". وقد لقيت الحملة سخرية واسعة من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما وأنها انطلقت على أيدي قياديين كبار ووزراء في حكومة الحوثيين.
ليست المرة الأولى ولا الأخيرة
في 26 آذار/ مارس عام 2015 عقب سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة في صنعاء حجبت المؤسسة العامة للاتصالات اليمنية التي سيطر عليها الحوثيون أغلب، إن لم يكن جميع، المواقع الإخبارية اليمنية المناهضة للحوثيين بعد تحذير شديد اللهجة أصدرته وزارة الإعلام والذي قالت فيه إنها ستتخذ الإجراءات اللازمة ضد من ينشر الأخبار الكاذبة أو يتعرض بالقدح والسب لثورة الحوثيين، ومنذ تلك الفترة إلى الآن لم ترفع المؤسسة الحجب على تلك المواقع.
حجبت أكثر من 200 موقع إخباري يمني وعربي منذ العام 2015 وحتى نهاية العام 2022.
كما شهد عاما 2015 و 2016 أكثر عمليات الحجب للمواقع، إذ صعّد الحوثيون في تلك الفترة من عمليات الحظر ليحظروا غالبية المواقع السياسية والمواقع التابعة للحكومة الشرعية بالإضافة إلى مواقع وسائل الإعلام العربية والعالمية بسبب تغطيتها للصراع في اليمن، ومن بينها مواقع كل من الجزيرة والعربية والبي بي سي وغيرها، ولم تُترك سوى المواقع المحسوبة على جهات تؤيدها.
يقول أنور الحمادي، الناشط في مجال الحقوق الرقمية، إن السلطات تسعى إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي لأنها باتت تُسبب لها إزعاجًا كبيرًا لا سيما في الفترة الأخيرة مع ارتفاع حدة الاحتجاجات عليها للمطالبة بإصلاحات في البلاد. ويشير الحمادي في حديثه لألترا صوت إلى أنه لا يمر يوم واحد في اليمن دون أن يثير النشطاء ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي قضية أو يشيروا إلى انتهاك أو ممارسة تقوم بها سلطات الحوثيين، الأمر الذي جعل السلطات تفكر مرارًا بحجب المواقع وإسكات تلك الأصوات.
بسبب عمليات الحجب الواسعة والمتكررة، لجأ كثير من اليمنيين إلى تطبيقات التراسل الفوري من أجل مشاركة الأخبار والتواصل، إلا أن السلطات حجبت تطبيق تلجرام حتى عام 2017، وحجبت تطبيقات واتس آب وفيس بوك على فترات متقطعة بحسب منظمة الأصوات العالمية.
عمليات الحجب أعاقت أعمال كثير من اليمنيين، بما في ذلك الصحفيين. يقول رشاد الصيادي، الذي يعمل صحفيًا ومحررًا في أحد المواقع الإخبارية، في حديثه لألترا صوت إنه في أوقات كثيرة لا يستطيع الوصول إلى الموقع ليمارس عمله في نشر الأخبار بسبب الحجب، كما أنه يجد صعوبة كبيرة في الوصول إلى بعض المواقع من أجل البحث عن المعلومات، وهو ما يدفعه إلى استخدام برامج VPN من أجل الوصول إلى المواقع، وفي بعض الأحيان يستعين بأصدقاء خارج اليمن.
من جهتها، حجبت السلطات أيضًا برامج الـ VPN التي عادت ما تستخدم للتحايل على عمليات الحظر. وبحسب موقع Top10VPN المتخصص في رصد عمليات الحجب فإن اليمن تحتل المرتبة الثالثة عالميًا لقائمة الدول التي تفرض حظرًا على هذه البرامج.
في هذا الصدد، يقول أشرف الريفي، سكرتير لجنة الحريات في نقابة الصحفيين اليمنيين، إن السلطات "حجبت أكثر من 200 موقع إخباري يمني وعربي منذ العام 2015 وحتى نهاية العام 2022". وتشير منظمة أكسس ناو للحقوق الرقمية في تقريرها للعام 2019 إلى أن اليمن يحتل مرتبة متقدمة جدًا من حيث عدد عمليات الحجب في منطقة الشرق الأوسط، وأن العدد الحقيقي لعمليات الحجب يتجاوز بكثير العدد الذي تم توثيقه.
ولا تكتفي السلطات في صنعاء بحجب المواقع الإخبارية والمعارضة لها، بل إنها تحظر الكثير من المواقع التي تبدأ بالمواقع الفنية المعنية بنشر الأغاني والأعمال الفنية المختلفة، وحتى مواقع التواصل المرئية التي تحظرها بشكل متقطع بين الفترة والأخرى.
وبحسب مستخدمين فإنهم يواجهون صعوبة كبيرة في استخدام برامج التواصل الصوتي والمرئي، إذ إن خدمة الاتصال الصوتي والمرئي في كل من فيسبوك ماسنجر وإيمو وواتس أب محجوبة بشكل كلي منذ سنوات، ناهيك عن عمليات الحجب المتقطع لبرامج الاجتماعات مثل زووم وجوجل ميت وغيرها.
ممارسات أبعد من الحظر
كان فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن قد أجرى عام 2021 تحقيقًا في سيطرة الحوثيين على قطاع الاتصالات واستخدام النطاق الوطني ye لأغراض غير قانونية والوصول إلى مراقبة حركة الاتصالات والرقابة على المحتوى وتنفيذ عمليات حجب لمواقع التواصل الاجتماعي وخدمات المراسلات الشخصية وحجب النطاقات في جميع أنحاء البلاد، ومراقبة خصومهم عبرها.
وأقرت شركة "تيليمن" في رسالة وجهتها لفريق الخبراء بضلوعها في مراقبة المستخدمين لشبكة الإنترنت في اليمن، متذرعة بنصوص قانونية تخولها القيام بذلك. وقالت "تيليمن" في ردها على ما إذا كانت الشركة تسمح للحوثيين بالتجسس على مستخدمي الإنترنت: "إن قوانين اليمن تقتضي من مقدمي خدمات الإنترنت في البلاد فرز محتويات تتعارض مع القانون والعقيدة".
مصدر في المؤسسة العامة للاتصالات كشف لألترا صوت تفاصيل عمليات الحجب الإلكتروني التي تقوم بها السلطات.
وفي السياق ذاته، يقول مصدر في المؤسسة العامة للاتصالات لألترا صوت فضل عدم ذكر اسمه، إن هنالك توجيهات صارمة من قبل الأمن والمخابرات بشأن عمليات الحجب التي تقوم بها المؤسسة وأن هنالك متخصصين يشرفون على هذه المهام، بالإضافة إلى أن هناك نظام فلترة تابع لشركة نت سويبر (Netsweeper) الكندية، يُستخدم منذ سنوات لتصفية المحتوى على الإنترنت وتصنيفه، وهو يقوم على منع المستخدمين من الوصول إلى مواقع تقدّم أنواعًا محدّدة من المحتوى، مثل المواقع الإباحية وبعض المواقع الإخبارية. ويشير المصدر في حديثه لألترا صوت إلى أن طريقة عمل هذا النظام تعتمد على مجموعة من القواعد والمعايير لتحديد ما إذا كان المحتوى مرغوبًا أم لا. ويتم تطبيق هذه القواعد على جميع المواقع والصفحات التي يحاول المستخدمون الوصول إليها، كما أنه يمسح المحتوى الذى يطلبه المستخدم ويقارنه بقاعدة البيانات التي تحتوي على قواعد الفلترة (المواقع المراد حجبها)، وفي حال حصل تطابق، يُمنع المستخدم من الوصول إليه مع عرض رسالة تفيد بأن المحتوى محظور، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التطبيقات.
وقد حاولت معدة التقرير التواصل مع يمن نت، مزود خدمة الإنترنت في اليمن، والمؤسسة العامة للاتصالات، للحصول على إجابات حول الغرض من عمليات الحجب التي تقوم بها، غير أن الجهتان رفضتا التجاوب بشكل قاطع بسبب توجيهات بعدم التحدث لوسائل الإعلام.
وتعتبر عمليات الحجب الواسعة التي يتعرض لها المستخدمون والكثير من المواقع، غيرَ قانونية، إذ إن الدستور اليمني ينص في المادة رقم (42) على أن "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حـدود القانـون"، كما أن المادة (53) من الدستور تنص على "حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبيّنها القانون وبأمر قضائي"؛ بمعنى أن الدستور اليمني يشترط وجود أمر قضائي في الحالات التي تتعرض فيها أي وسيلة اتصال للاعتراض أو التقييد من قبل السلطات.