إنْ كنت من محبي الكتب عمومًا والمؤلفات الأدبية خصوصًا، وكنت مغرمًا بتتبع حياة الكتاب الكبار. كيف يعيشون، وأغرب عادتهم، وعن الشخص الخفي وراء كتب السير الذاتية؛ فهذا المقال قد كُتبَ خصيصًا لك.
يتحدث جيمس أطلس من خلال كتابه الجديد "ظل في الحديقة: حكاية كاتب السير الذاتية" عن الوقت الذي قضاه أثناء الدراسة في -أوائل سبعينات القرن الماضي- مع كاتب السير الذاتية الشهير ريتشارد إلمان، الذي ألف كتبًا عن جيمس جويس، وأوسكار وايلد، وكان الانتشار الواسع لهذين الكتابين أكبر مثال على إبداعه. يقول أطلس في كتابه: "إن كتاب إلمان عن جويس، لا يجب قراءته كسيرة ذاتية، بل يجب قراءته باعتباره عملًا فنيًا". يضيف جيمس أطلس "لقد تضمن هذا الكتاب تصويرًا خياليًا عظيمًا؛ لقد كان علميًا وليس أكاديميًا، كان هناك صوت متخفٍ خلف قناع الموضوعية، تستطيع تمييزه لو أنصت جيدًا؛ إنه صوت الكاتب. إن هذا النوع من الكتب هو ما أرنو لكتابته". شق أطلس طريقه حتى أصبح ناشرًا ومحررًا ومؤلفًا للسير الذاتية، مثل سول بيلو، والشاعر ديلمور شوارتز. يدور كتابه الجديد حول فن كتابة السيرة الذاتية، وكيف أحب أطلس هذا النوع من الكتابة، وكيف كان يُمارس تأليف السير الذاتية على مر العصور، وسحر وعيوب هذا الفن. يتحدث جيمس أطلس فيما يلي عن مناقشاته مع بيلو، حيث بدأ كفاحه في هذا المشروع وغيره.
يتحدث جيمس أطلس في "ظل في الحديقة: حكاية كاتب السير الذاتية" عن الوقت الذي قضاه مع كاتب السير الذاتية الشهير ريتشارد إلمان
- متى جاءتك فكرة كتابة هذا الكتاب؟
كُتاب السير الذاتية مغرمون دائمًا بالتواريخ وفي هذه الحالة لكي أكون دقيقًا؛ جاءتني الفكرة في 21 نيسان/أبريل من عام 1995. كنت حينها عائدًا للتو من لقاء مع سول بيلو، الذي كنت أكتب سيرته الذاتية خلال السنوات الخمس السابقة آنذاك، وفي ذلك اليوم، كان يصف كاتب السيرة الذاتية بأنه "ظل في الحديقة" إذ لا بد أن يكون ماثلًا بأفكاره وخواطره رغمًا عنه في طيات ظلال حياة الشخص الذي يكتب عنه سواء بإرادته أو رغمًا عنه. لاحقًا، اكتشفت أنه وصف كاتب السيرة الذاتية بأنه ظل شاهد القبر في الحديقة. لم يكن ذلك الوصف مثيرًا بالنسبة لي لذا؛ قررت ممارسة حقوقي التحريرية.
اقرأ/ي أيضًا: تشارلز سيميك.. ذبابة السيرة الذاتية
لقد قال: "يجب أن تكتب كتابًا يتحدث عن كتابة هذا الكتاب" - يعني بذلك كتابًا يصف طريقة تأليف السيرة الذاتية-. أعتقد إن كان لا بد أن أندم على شيء يتعلق بالسيرة الذاتية لبيلو فهو لأنني لم آخذ بنصيحته وأكتبها وفق أسلوب جيمس بوزويل. إذ كانت شخصيته حية في سرد الأحداث وينتقل مع صموئيل جونسون حيث ذهب. -ليس لغرض ذاتي - ولكن لكي يبين لنا بالفعل كيف تُكتب السيرة الذاتية ولكي تظل بصمة كاتب السيرة حاضرةً بين السطور. أجرى بوزويل لقاءات مع أصدقاء جونسون وزملائه كما نفعل نحن جميعًا إلا أن تواجد بوزويل معه في النوادي وغيرها من الأماكن، أكسب الكتاب صبعةً حدسية آنية لا تُصدق، لم يستطع أي من كتاب السير الذاتية أن يصل لمثلها من قبل. أعتقد أن كاتب السيرة الذاتية يجب أن يمتلك عبقرية هائلة ليبدع عملًا مثل هذا. ولكن إذا كان يجب أن أقدم عملًا مثل هذا، فسواء كنت أملك هذه العبقرية أم لا، فسوف أحاول على أية حال.
- ما الشيء الأكثر إثارة للدهشة الذي تعلمته أثناء كتابتك لهذا الكتاب؟
كنت واقفًا ذات يوم في وقت ما بعد الظهيرة في مطبخ بيلو بمنزله الواقع في" فيرمونت" بعد الانتهاء توًا من تأليف الكتاب الذي استمر العمل فيه لمدة 11 عامًا. وسألني ما الذي تعلمته؟ فقلت: إنك لن تستطيع أن تعرف أي شيء عن أي شخص. فرد علي قائلًا "صدقت أيها الشاب". - لم أكن متأكدًا ما إن كان يسخر مني بقوله ذلك، أم أنه يعبر عن إطرائه بالفعل. ولكن من خلال تعمقي في الكتاب، بدأت أُدرك صواب ما تفوهت به آنذاك حقًا. فلم أكن أُدرك مدى حقيقة مراوغة الناس. من الصعب جدًا أن تثبت الحقائق.
لقد قرأت هذه الحكمة الرائعة عن هنري جيمس: "لا تزعم أبدًا أنك تعلم الكلمة الأخيرة عن قلب أي إنسان". سوف أُعدلها لتكون "لا تزعم أبدًا أنك تعلم الكلمة الأولى عن قلب أي إنسان". ولكن هذا ما يجعل الأمور أكثر إثارة بالنسبة لي. فأنا آتي لأرى ما الذي لديك للمضي قدمًا وأنت تريد أن تؤلف كتابك، لكنني أجد في المقابل تجاهلًا مُطلقًا. هناك مقولة لروبرت لويل يقول فيها: "لماذا لا أقول ما حدث فحسب؟ أحقًا لا تستطيع؟ وبالتالي.. ماذا ستفعل؟ ستفكر وتحلل، ومن ثم ستكتب ما توصلت إليه بنفسك" لقد جعلني ذلك أفكر بجدية في الأشياء التي يجب أن أقولها.
- ما وجه الاختلاف بين ما كتبته بالفعل وبين الكتاب الذي عزمت على كتابته؟
المعجز في الأمر أنني أتممت كتابة هذا الكتاب؛ فعندما بدأت الإعداد لهذا الكتاب خلال عام 2010 لم تكن لدي فكرة عما أفعله. فلم أكن قد وضعت تصورًا لهذا الكتاب، فقد كنت أريد الصعود إلى قمة مركز التجارة العالمي من أجل الحصول على إلهام قوي. ولم أكن وقعت عقدًا بعد، لقد كان الأمر مرعبًا! فقد كنت أفتقد الأسلوب الذي سأكتب به. هل هذا الكتاب عبارةً عن سيرة شخصية لكاتب سير ذاتية؟ بالطبع لا. لم أُرد أن أكون شخصيةً رئيسيةً في الكتاب، ولا أعتقد أنني كذلك. إن شخصيتي تظهر في الكتاب، ولكن عندما أريد لها أن تظهر، عندما يكون ثمة شيء مُلتَبس لن يُجليه إلا حضور شخصيتي.
هنري جيمس: لا تزعم أبدًا أنك تعلم الكلمة الأخيرة عن قلب أي إنسان
خلال الشهر الأول لكتابتي لهذا الكتاب، لم أستطع المكوث في مكتبي؛ كنت شديد الارتباك، فقد كنت أجلس على ذاك الكرسي الهزاز مستخدمًا حاسبي المحمول. لقد استغرق مني- خمس سنوات- حتى أتوصل إلى الأسلوب والهيكل المناسب للكتاب. توصلت لذلك أخيرًا عندما قلت لنفسي، فلتسرد قصة كما تفعل تمامًا عند كتابة السير الذاتية. وبدأت منذ البداية، عندما كنت في المدرسة الثانوية، والقراءة واستكشاف الأدب، حتى نهاية المطاف.
اقرأ/ي أيضًا: تعرف على 5 من أهم كتب السير الذاتية
- من الشخص المبدع – على ألا يكون كاتبًا - الذي أثر فيك وفي أعمالك؟
"مطربو البلوز" الذين نشأت على الاستماع إليهم (في مدينة إيفانستون بولاية إلينوي، خلال ستينات القرن الماضي). فقد ذهبت إلى استراحة تريزا في شارع 48 بشيكاغو، وإنديانا لسماع بادي جاي، وجونيور ويلز. فقد كانت أصواتهم غايةً في الروعة والأصالة. كنت في (سن 16 أو 17). وكان ناديًا للسود، ولكنه لم يمثل اختلاف العرق أدنى مشكلة. فلم يأبه أحد بوجودي هناك، شعرت وكأنني في المنزل.
كان الاستماع إلى الموسيقى يمنحني نشوة غريبة. لقد أبدع هؤلاء الأشخاص في تقديم الفن بنفس الطريقة التي يقدم بها الكُتاب إبداعهم. كانت تنتابني رعشة عند سماع هولين وولف، ومودي ووتر. لقد جعلوني أدرك أنني لن أُصبح محاميًا. بل سأصبح فنانًا بشكل أو بآخر.
- كيف تقنع شخصًا ما بقراءة "ظل في الحديقة" في خمسين كلمة أو أقل؟
إنه كتاب يشرح كيفية عمل كاتب السيرة الذاتية. إنه يُظهر لك الافتراضات غير المُعلنة، وغير المعروفة التي تحيط بالشخصية. وهو كما يتضح من العنوان، عبارة عن قصة شيقة. إنه كتاب غني على مستوى الرمزية والحدث. ومن المهم جدًا بالنسبة لي أن يكون ممتعًا ومفيدًا.
اقرأ/ي أيضًا: