الترا صوت - فريق الترجمة
منذ أيام، والشغل الشاغل لمواقع التواصل الاجتماعي، وحتى وسائل الإعلام العالمية، حرائق غابات الأمازون، وما تمثله من تهديد للعالم، بالنظر إليها كـ"رئة كوكب الأرض".
تزايد عمليات إزالة الغابات، يُقرب من نقطة التحول حيث اللاعودة، إذ تتحول الغابات المطيرة إلى غابات سافانا جافة
وكثر الحديث حول أسباب حرائق غابات الأمازون المطيرة التي اعتادت كل عام على سلسلة من الحرائق، يبدو أنها زادت حدتها هذا العام، وما بين التهويل والمبالغة، والتقليل من شأن هذه الحرائق، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا شاملًا عن هذه الحرائق وأبعادها وإرهاصاتها، ننقله لكم مترجمًا بتصرف فيما يلي.
اقرأ/ي أيضًا: الفاشية تعود بفسادها.. بولسونارو يبدأ ولايته بفضائح كبرى هزت البرازيل
قد يكون الضغط الدولي هو السبيل الوحيد لإيقاف الحكومة البرازيلية عن السير على طريق "الانتحار" في منطقة الأمازون، في الوقت الذي تتعرّض فيه أكبر الغابات المطيرة في العالم للهلاك بفعل آلاف الحرائق المدبّرة.
ودفع عدد الحرائق الهائل -التي أُشعلت بطرق غير قانونية من أجل تطهير الأراضي وتجهيزها للمحاصيل والماشية والمضاربات العقارية- ولاية الأمازون إلى إعلان حالة الطوارئ، كما أحدثت الحرائق سحب دخّان عملاقة، غطّت مئات الأميال. وتسببت في مخاوف دولية جرّاء الدمار الحاصل في رئة الكوكب الأساسية.
حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غرد قائلًا: "منزلنا يحترق"، داعيًا إلى إجراء محادثات عاجلة في قمة مجموعة السبع. لكن الاستجابة للأزمة جاءت متباينة، فبينما أوقفت كل من النرويج وألمانيا التبرّعات لصندوق الأمازون التابع للحكومة البرازيلية، عقد الاتّحاد الأوروبي مؤخّرًا صفقة تجارية مع أمريكا الجنوبية، فيما انشغلت بريطانيا بالتركيز على علاقاتها مع البرازيل في فترة ما بعد البريكسيت، وقد رفض وزير التجارة البريطاني، التعليق على سؤال حول حرائق الأمازون، لكنه في المقابل قال: "لدى حكومة بولسونارو طموحات مشروعة لتحقيق الرخاء لشعبها".
عواقب وخيمة على العالم
ويقول العلماء إن الدمار المستمر بسبب الحرائق سيكون له عواقب وخيمة على كلٍّ من البرازيل والعالم بأكمله. وقال كارلس نوبر، الباحث في معهد الدراسات المتقدمة بجامعة ساو باولو، إن تزايد عمليات إزالة الغابات، يُقرب من نقطة التحول حيث اللاعودة، إذ تتحول الغابات المطيرة إلى غابات سافانا جافة، وهو أمر له تأثير "وخيم" على المناخ والحياة البرية وحتى البشر سكان الغابات.
وبحسب نوبر، فإن عمليات إزالة الغابات في الأمازون تزداد هذا العام بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 30% لهذ العام. ورغم أن العمل على إزالة الغابات قائم منذ سنوات، إلا أن وتيرته تسارعت كثيرًا في ظل حكومة بولسونارو، الذي عمل على إضعاف وكالة البيئة، وفي المقابل عبر عن دعمه للأعمال التي تساهم في إزالة الغابات، مثل أعمال المناجم والزراعة والحطابة.
يصف الباحث كارلس نوبر، الوضعَ بأنه "شديد السوء، وسيصبح كارثيًا"، معتبر أن عددًا كبيرًا من الحرائق في الأمازون سببه سياسات رئيس الوزراء، والتشجيع الضمني على إزالة الغابات لأسباب اقتصادية: "إنهم يشجعون على إزالة الغابات لأن ذلك جيد للاقتصاد، لذا فالذين يقومون بإزالة الغابات بطرق غير قانونية، يشعرون أنهم على حق".
وكان نوبر قد شارك العام الماضي في دراسة تتوقع وصول المناطق الجنوبية والشرقية والوسطى من الأمازون إلى نقطة اللاعودة بمجرد إزالة ما بين 20 إلى 25% من الغابة، علمًا بأن ذلك لم يكن أمرًا متوقعًا قبل 20 عامًا، لكن الآن صار محتملًا أن نقطة اللاعودة ستبدأ خلال خمس سنوات في حال استمرت معدلات إزالة الغابات على هذا النحو.
وفقًا لبيانات المعهد الوطني لبحوث الفضاء (INPE)، زادت إزالة الغابات الشهر الماضي في البرازيل، بنسبة 278%. وبالجملة، سجلت البرازيل هذا العام أكثر من 72 ألف حريق، بزيادة 84% عن العام الماضي (2018)، أكثر من نصف هذه الحرائق كان في منطقة الأمازون.
وقال العلماء إن هناك بالفعل علامات على اقتراب نقطة اللاعودة. إذ كان موسم الجفاف في الأمازون الجنوبية والشرقية أطول بـ20 يومًا عما كان عليه قبل 30 عامًا، والجفاف أكثر شيوعًا، والنباتات التي تعتمد على الرطوبة العالية آخذة في الانخفاض. وكان الأمر أكثر وضوحًا، في المناطق التي أزيلت منها الغابات.
يقول نوبر: "إذا استمر موسم الجفاف لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أخرى، فسنصل إلى مرحلة حرجة. وإذا استمر لفترة أطول من أربعة أشهر، فهذا هو تحديدًا الظرف المناخي لغابات السافانا الجافة!".
لكن بولسونارو غير مهتم!
وفي منطقة بورتو فيلهو، من أكثر المناطق تضررًا، قال نشطاء بيئيون، إن المستشفيات امتلأت بأشخاص يعانون مشاكل صحية في الجهاز التنفسي بسبب الدخان الذي ساد الجو.
وتصف الناشطة البيئية المخضرمة، إيفاندي بانديرا، الوضعَ بأنه "أسوأ آلاف المرات مما كان عليه في السنوات الماضي"، لافتةً إلى أن المتسببين في هذه الحرائق، يعتقدون أنهم لن يلقوا أي نوعٍ من أنواع العقاب بسبب ممارساتهم غير القانونية. تقول: "يبدو أنه لا يوجد في البرازيل قوانين، وجميع القوانين في حالة يرثى لها".
مع كل ذلك، لا يبدو أن بولسونارو يلقي بالًا لما يحدث، في مقابل تركيزه على المصالح الاقتصادية، فخلال نهاية الأسبوع المنصرم أعلن استئناف مشروعات الطاقة المائية الضخمة في منطقة الأمازون، التي توقفت "لأسباب بيئية"، حسب تصريحه! كما اقترح نجله، مشروع قانون في الكونغرس، من شأنه أن يضعف الحماية القانونية على أراضي السكّان الأصليين والمحميات الطبيعية.
وكما يرى توماس لوفغوي، وهو باحث وناشط بيئي، فإنه "في ظل الظروف العادية سيسعى العالم الخارجي للمساعدة في إخماد الحرائق، لكن حكومة البرازيل غير مهتمة أصلًا بالمساعدة".
لكن من جهة أخرى، ومع زيادة الحديث حول حرائق الأمازون وخطورتها، حاول بولسونارو أن يصرف اللوم عنه، فأقال رئيس وكالة الفضاء بحجة أن بيانات الأقمار الصناعية كانت كاذبة.
ومن جهته، ادعى رئيس الأركان البرازيلي، أن المخاوف البيئية الأوروبية "مؤامرة تهدف إلى تقييد النمو الاقتصادي في البرازيل"، فيما نشر وزير الخارجية تغريدة قال فيها، إن ذلك كان "تكتيكًا من اليسار العالمي"، بل وصل الأمر إلى القول بأن "الجماعات البيئية ربما بدأت الحرائق لإحراج الحكومة"!
الحل في الضغوط الدولية
وفقًا لكارلس نوبر، فإن إحدى الطرق القليلة المتبقية للحيلولة دون وقوع المزيد من الخسائر الخطيرة في الغابات، تتمثّل في الاحتجاجات الخارجية، والضغوط الدولية، موضحًا: "السياسيون في البرازيل يولون اهتمامًا أكبر للضغط الدولي، أكثر من أصوات البرازليين".
وأشار نوبر إلى أن مقاطعة المستهلكين الأوروبيين، والمستهلكين حول العام بشكل عام، للمنتجات الزراعية البرازيلية، قد يكون أداة ضغط جيدة، لوقف هذه الممارسات من قبل أصحاب المزارع.
هذا وقد أدّت المخاوف من تدهور الوضع، إلى تنظيم احتجاجات سفارات البرازيل. كما حثّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحكومة البرازيلية على التحرّك، قائلًا في تغريدة له: "في خضم أزمة المناخ العالمية، لا يمكننا تحمل المزيد من الأضرار لمصدر رئيسي للأوكسجين والتنوع البيولوجي. لا بدّ من حماية الأمازون".
كما وقّع 1.1 مليون شخص في البرازيل عريضة قدّمتها منظّمة "آفاز"، تطالب الحكومة بوقف عمليات إزالة الغابات غير القانونية، في الوقت الذي يحقّق فيه الوكلاء الفدراليون بولاية بارا، في أسباب رفض عمليات التفتيش البيئية، وغياب الشرطة العسكرية عن عمليات التفتيش، إذ كان من المعتاد تواجدها من أجل توفير الحماية.
بالطبع لا يمكن القول إن إزالة الغابات وحدها السبب في حرائق الغابات، خاصة غابات الأمازون، فالاحتباس الحراري أيضًا عامل مهم في توسع دائرة حرائق الغابات والحرائق بشكل عام.
سجلت البرازيل هذا العام أكثر 72 ألف حريق، بزيادة 84% عن عام 2018، أكثر من نصف هذه الحرائق كان في منطقة الأمازون.
ولعب الاحتباس الحراري الدور الأبرز في حرائق الأمازون في دول أخرى بأمريكا الجنوبية، وكذا الحرائق في كاليفورنيا وآلاسكا وحتى سيبيريا، لكن تبقى البرازيل مركز الاهتمام كون الاعتداء البشري هناك أكثر من أي مكان آخر.
اقرأ/ي أيضًا: