تعرضت البنية التحتية في سوريا للدمار منذ ما يقارب 4 أعوام، عندما سيطرت فصائل المعارضة العسكرية على قرى ومدن خاضعة لقوات النظام، ما أثر بشكل سلبي على سكان المناطق التي فقد النظام سيطرته عليها، إذ كان استخدام قوات النظام بالاشتراك مع حلفائه الإيرانيين والروس للعنف المفرط سببًا في تدمير البلاد على كافة الأصعدة.
نظام الأسد خلال معاركه ضد قوات المعارضة ركز بشكل أساسي على استعادة المناطق التي كانت تحوي محطات ضخ المياه الرئيسية
البنى التحتية في مناطق سيطرة المعارضة مثل سكانها لم تسلم من بطش سلاح النظام، ما ساهم في غياب كافة الخدمات الأساسية "مياه، كهرباء، إنترنت، طبابة.. إلخ" نتيجة استهدافها عمدًا من قبل مقاتلات النظام، والحصار الخانق المفروض عليها، فيما استطاعت حكومة النظام أن تؤمن هذه الاحتياجات في مناطق سيطرته لكنها لم تكن مثلما كانت عليه في السابق، إذ إنها انخفضت لأكثر من 50% عن الأعوام التي سبقت اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد.
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟
ومن ضمن الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية في سوريا، كان لمحطات ضخ المياه نصيب كما غيرها من الخدمات الأساسية، حيث عمد النظام السوري على مر الأعوام الفائتة خلال حربه ضد قوات المعارضة، إلى استخدام المياه كوسيلة إخضاع للمناطق التي يحاصرها، وشابهه في ذات الفعل تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي كان يسيطر حتى الـ8 من الشهر الجاري على محطة "الخفسة" في ريف حلب الشرقي، وهي تقوم بتزويد مدينة حلب بالمياه، وأيضًا سد "الفرات" الذي يشهد محيطه منذ يومين اشتباكات بين "قوات سوريا الديمقراطية" مدعومًة بقوات أمريكية-فرنسية من طرف، ومقاتلي التنظيم من طرف آخر.
الأمم المتحدة في أحدث تقرير لها، صدر منتصف شباط/فبراير الفائت، حذرت من أن ارتفاع منسوب المياه لما يقارب 10 أمتار منذ كانون الثاني/يناير الفائت، لعدة أسباب من بينها فتح التنظيم ثلاث بوابات للسد، سيكون له تداعيات إنسانية كارثية في المناطق المحيطة به، كما أنها أشارت إلى أن السد تعرض للضرر نتيجة الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي، إضافة لزرع "تنظيم الدولة" الألغام في محطات ضخ المياه في سد "الفرات" ما شكل خطرًا على مدينتي الرقة ودير الزور.
حتى ما قبل اندلاع الثورة لم تكن معظم المدن السورية التي أولى إليها نظام الأسد اهتمامًا أكثر من المدن الريفية تعاني من أزمة مياه، رغم أن مؤسسات المياه كانت أحيانًا تقوم بتقنين ضخ المياه، وقطعها لمدة تتراوح بين الساعتين حتى الثلاثة يوميًا، إلا أنها كانت تحافظ على جودتها.
نظام الأسد خلال معاركه التي كان يخوضها ضد قوات المعارضة ركز بشكل أساسي على استعادة المناطق التي كانت تحوي محطات ضخ المياه الرئيسية في معظم المدن، وفي ذات الوقت كان يدخل في اتفاقيات مع مناطق أخرى لم يكن يستطيع التقدم إليها.
على سبيل المثال كان نبع "عين الفيجة" في منطقة "وادي بردى" قبل أن يستعيد النظام السيطرة عليه في الشهر الأول من العام الجاري، يخضع لاتفاق بين فصائل المعارضة والنظام السوري، تزويد سكان العاصمة دمشق بالمياه مقابل إيقاف القصف، والسماح للمساعدات بالدخول للمنطقة.
إلا أن النظام كان بين فترة وأخرى يقوم بتنفيذ عملية اقتحام، أو خرق لاتفاق هدنة، لترد الفصائل المتواجدة في "وادي بردى" مهددة بقطع المياه، ما يدفع النظام لاستهداف أنابيب الضخ، واتهام فصائل المعارضة بذلك لنشر حالة من الاحتقان الشعبي لدى سكان دمشق اتجاهها، لكن في درعا الوضع مختلف إذ اتفق النظام على تزويد مناطق المعارضة بالكهرباء مقابل ضخ الأخيرة المياه لمناطق سيطرة الأول نظرًا لسيطرتها على محطة "مشروع الثورة" التي تزود كافة المحافظة بالمياه.
عمد سكان بعض المناطق السورية إلى إحضار المياه بوسائل بدائية، ونقلها بمستوعبات بلاستيكية بسبب حصار نظام الأسد
إلا أن السكان الذين بقوا في مناطق سيطرة المعارضة استطاعوا تأمين مصدر بديل، إن كان عن طريق صهاريج المياه المستخرجة من الآبار السطحية أو الارتوازية، أو عن طريق حفر الآبار الخاصة، وهو بديل يزيد من الأعباء الاقتصادية على سكان هذه المناطق الفقيرة أساسًا، رغم وجود المجالس المحلية التي أنشئت لإدارة مناطق المعارضة خدميًا، وحصولها على الدعم من المنظمات غير الحكومية بموافقتها على مشاريع مرتبطة بتزويد مضخات المياه بالوقود، أو أجهزة الفلترة ومادة الكلور لتنقية المياه.
اقرأ/ي أيضًا: مصر.. إنها حرب المياه
إذ على الرغم من المحاولات الإجرائية التي كانت تقوم بها المجالس المحلية لإصلاح الأضرار في محطات الضخ لتلافي حدوث أزمة مياه، فإنها لم تستطع أن تقدم حلًا نهائيًا، إذ عمد سكان بعض المناطق إلى إحضار المياه بوسائل بدائية، ونقلها بمستوعبات بلاستيكية عبر العربات، وذلك بسبب فرض نظام الأسد حصارًا عليها، ومنع كافة الوسائل الخدمية، أو دخول المساعدات إليها، من ضمنها الوقود.
وأكثر ما ساعد على دمار البنية التحتية لشبكة المياه افتقادها لقطع الصيانة البديلة، كان وجود ثلاثة عوامل، الأول تدمير قوات النظام لبعض المستودعات أو مؤسسات المياه قبل انسحابهم من المناطق التي تدخلها المعارضة، وثانيًا الحصار الذي فرضه النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته عبر منع الحواجز العسكرية من دخول القطع البديلة إليها، درعا نموذجًا، وأخيرًا حالات النهب الحاصلة في مناطق المعارضة لأنابيب المياه، والقطع البديلة إن توفرت في المستودعات من قبل البعض بسبب غياب الحراسة عنها.
حتى اليوم لا توجد إحصائية دقيقة حول حجم المياه المفقود في سوريا منذ اشتداد المعارك بين المعارضة السورية ونظام الأسد، إلا أنه على سبيل المثال فقد نبع "عين الفيجة" أثناء اقتحام قوات النظام للمنطقة التي استبقت السيطرة عليها قبل شهرين ما يقارب 30% بسبب استهدافه المتعمد ببرميل متفجر من مروحيات النظام، ولاحقًا لعمال الصيانة الذين يعملون في مؤسساته، في حين رجحت تقارير أن حجم المياه المفقود في سوريا نتيجة الاقتتال الدائم يصل لما يقارب 50% من المخزون الحيوي.
اقرأ/ي أيضًا: