11-نوفمبر-2024
حركة ماغا

أصبحت الترامبية نزعة أميركية (الترا صوت)

أشاد دونالد ترامب، في خطاب النصر، بقوة الحركة السياسية التي قادها منذ نحو عشر سنوات عندما وصل إلى سدّة الحكم لأول مرة عام 2016.

لم تكن تلك الحركة سوى "حركة ماغا" التي باتت تمثل رقمًا صعبًا في السياسة الأميركية، مع الإشارة إلى أن هذه القوة سُمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى شعار الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again)، وهو الشعار الذي تبناه ترامب وأصبح بفعل القوة السياسية التي تقف خلفه شعارًا للحزب الجمهوري، الذي نجحت "حركة ماغا" في غضون أقل من عقدٍ من الزمن في تطويعه لترامب، بل وتحويله إلى "تنظيم سياسي يدور حول شخصية ترامب".

وتستمد "حركة ماغا" قوّتها من انخراط تيارات متنوعة فيها، وهي تيارات يعبّر عنها أبلغ تعبير ثلاثي "الدين والمال والنفط".

ولإحساس ترامب بقوة هذا الثلاثي، وجد أنه من الممكن القول - وهو محاط بعائلته ودائرته المقربة وأنصاره - إن "حركة ماغا" التي قادته للظفر بالانتخابات "كانت حركة لم يسبق لها مثيل"، مضيفًا "أعتقد أنها كانت أعظم حركة سياسية على الإطلاق. لم يكن هناك شيء مثل ذلك في هذا البلد، وربما خارجه. والآن ستصل إلى مستوى جديد من الأهمية لأننا سنساعد بلادنا على التعافي"، وفق تعبيره.

أصبحت "حركة ماغا" الترامبية تعبّر عن نزعة أميركية بعد أن صوّت 51% من الأميركيين لصالح ترامب رغم معرفتهم بطبيعة برنامجه السياسي

تصف المؤرخة الأميركية سيلفي لوران هذا المشروع الذي منح ترامب الفوز في السباق الرئاسي بـ"المشروع الرجعي"، معتبرةً أن الأمر لم يعد يتعلّق بـ"الترامبية"، بل بـ"نزعة أميركية"، وثمة فرق كبير بين دلالتيْ التعبيرين. فالأول كان يخص "تيارًا داخل الحزب الجمهوري، تمثله حركة ماغا". أما التعبير الثاني، فيشمل الأغلبية التي صوتت لترامب بنسبة 51% وهي تعرف جيدًا من هو ترامب وما هو برنامجه السياسي. وكل هذا يجعل من الممكن القول، حسب المؤرخة لوران، إن "الترامبية أصبحت أميركية".

وتذهب سيلفي لوران إلى ربط "حربائية ترامب السياسية والأيديولوجية" بعدم تجانس "حركة ماغا"، إذ من الصعوبة بمكان تحديد عقيدة إيديولوجية وسياسية لها. لكن، في المقابل، من السهل وضع الإصبع على الدافع الأساسي الذي "يُحفّز مموّليها والمشاركين فيها بنشاط، وهو خدمة مشروع يسعى لاستعادة ماض أسطوري، حيث أميركا ذات الأغلبية البيضاء، والنفط الرخيص الذي ساهم في تمويل ازدهار البلد الذي غزا الفضاء".

مثلّث حركة ماغا

  1. القومية المسيحية

يمثل اليمين الديني المتطرف الضلع الأول في المثلث المشكّل لـ"حركة ماغا"، واعتمد ترامب على ممثلي تيار القومية المسيحية في دعم وتعبئة المسيحيين البيض على نحو خاص. ونجد في صدارة داعمي ترامب من هذه المجموعة الدينية المتطرفة: زعماء كنائس إنجيلية، ومؤسسات فكرية يمينية على غرار "مؤسسة التراث" المسؤولة عن تطوير "مشروع 2025" المثير للجدل أميركيًا، وجهات أخرى تمثل "رؤوس حربة القومية المسيحية، التي تعود جذورها إلى سيادة العرق الأبيض لجماعة كو كلوكس كلان، ثم إلى ما يُعرف بالأغلبية الأخلاقية للوعظ التلفزيوني في عهد ريغان". وترى هذه "القومية المسيحية في ترامب الزعيم المثالي لخوض معركتها"، وذلك على الرغم من أن ترامب ـ كما يلاحظ كثيرون ـ ليس مثالًا للفضيلة بالنظر لسجله مع الفضائح الأخلاقية. لكنه، مع ذلك، استطاع ربط "القومية المسيحية" بمعركته السياسية.

يشار إلى أنّ ترامب وظف "محاولتيْ اغتياله" توظيفًا دينيًا، خلال الحملة وفي خطاب النصر، عندما قال: "لقد أخبرني كثيرون أن الله أنقذ حياتي لسببٍ ما، وكان هذا السبب هو إنقاذ بلادنا وجعْل أميركا عظيمة مرة أخرى، والآن سنقوم بهذه المهمة معا".

يهدف القوميون المسيحيون من خلال الوقوف وراء ترامب إلى "إعادة أميركا إلى المسيحية من جديد، عبر إنهاء الفصل بين الكنيسة والدولة، وإلغاء حق المرأة في الإجهاض، ومحاربة الأقليات الجنسية والجنسانية وما إلى ذلك". لكنّ الفكرة الرئيسية للقومية المسيحية، حسب إيبو باتيل، هي "أن الله خلق أميركا لنوعٍ واحد من المسيحيين، من بيض ذوي اعتقاد خاص"، وهذا يتنافى مع قيم التسامح والتعايش بين الأديان والأعراق.

  1. أباطرة النفط والغاز

يمثل هؤلاء الضلع الثاني من "حركة غاما"، واستطاع هذا التيار أن يجعل من أولوياته الاقتصادية مكونًا أساسيًا من خطة ترامب "لتجديد الاقتصاد الأميركي"، إذ وضع الطاقة الأحفورية في أولويات برنامجه الانتخابي، وقلّ أن تخلو خرجة إعلامية لترامب دون الحديث عن ملف الطاقة، منتقدًا الحرب التي شنها الديمقراطيون على "الطاقة الأحفورية"، واعدًا بتشجيعها عندما قال في أحد تجمعاته الانتخابية "سوف نقوم بالحفر يا عزيزي ثم الحفر وعلى الفور"، دون اكتراث منه بالأضرار البيئية.

يذكر أن ترامب انسحب من اتفاقية باريس للمناخ أثناء ولايته الأولى، واصفًا الاتفاقية بازدراء أنها "كارثة باريس المناخية"، قائلًا في كلمة أمام مجلس السياسة الوطنية عام 2020 "لقد كانت هذه طريقة للاستفادة من الولايات المتحدة. لم نتمكن من الحفر ولم تكن لدينا طاقة".

ونتيجةً لهذه المواقف والوعود التي قطعها في الحملة الأخيرة، حصل ترامب على دعم كبير من "أباطرة النفط"، إذ كانوا في صدارة المانحين الرئيسيين لحملته بأكثر من 75 مليون دولار، فقط حسب ما هو معلن.

يشار إلى أنّ ترامب، حسب موقع "ميديا بارت" الفرنسي، قد "طلب من أباطرة النفط ولوبيات الضغط مبلغ مليار دولار لحملته، ووعدهم في المقابل بإزالة جميع الحواجز البيئية أمام صناعتهم وعكْس بعض السياسات التي اتبعها جو بايدن لصالح الطاقات المتجددة والمركبات الكهربائية".

تتعالى أكثر فأكثر الأصوات المحذّرة من تهديد ترامب للديمقراطية الأميركية والنموذج الليبرالي الأميركي

وفي آب/أغسطس الماضي، قال في لقاء مع قناة فوكس نيوز "لدينا طاقة كبرى. لدينا ذهب سائل، كما أسميه، تحت أقدامنا أكثر من السعودية ومن روسيا. سوف نسيطر على سوق الطاقة ونحقق ثروة، وسنخفض أسعار الطاقة".

  1. الأثرياء

أكّدت صحيفة "فايننشال تايمز"، بناءً على إحصائيات خاصة، أن ثلث أموال حملة ترامب جاءت من مليارديرات من أمثال إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم ورئيس شركتي سبيس إيكس وتسلا، الأمر الذي جعل ترامب يشيد به في أكثر من مناسبة، مطلقًا عليه لقب "وزير خفض التكاليف"، في إشارة منه ربما إلى الاستعانة بماسك في أحد الملفات الحكومية، لا سيما ملف ما يسميه ماسك "الكفاء الحكومية التي ستمكن، حسب ماسك، من إلغاء ما يقرب من ثلث الميزانية الفيدرالية".

وإلى جانب ماسك، يوجد أثرياء آخرون ساهموا بقوة في حملة ترامب، ومن بين هؤلاء ميريام أديلسون، وهي إحدى أكبر الداعمين لإسرائيل في واشنطن، ويقال إنها كانت خلف إقناع "ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس خلال فترة ولاية ترامب الأولى". كما يوجد في قائمة الأثرياء الداعمين لترامب من غير أباطرة النفط، اسم تيموثي ميلون، وهو وريث إحدى أغنى العائلات في الولايات المتحدة، كما يضاف للقائمة اسم وليندا مكمان.